خليل علي حيدر
في فلسطين مثلاً، ما يزال من الصعب جمع الأطراف، رغم أن القضية مهددة ثلاث من دول الشرق الكبرى، ومن «أمم الإسلام» الرئيسية، العرب والفرس والترك، في اشتباك واسع ليس له آخر. وفي تحالفات مع الأمريكان والروس متداخلة وأولويات متصادمة، ولا أحد يعرف اليوم الحل والمخرج من كل هذا!
معارك لا يوجد لها سبب واضح، وخلافات علنية وسرية، إلا أن كل طرف موقن متحمس أن الحق معه، وأن الطرف الآخر بحاجة ماسة إلى من يريه بأسًا، وربما يلقنه درسًا.
المؤسف إن معظمنا يؤيد ويتعاطف مع أحد الأطراف الرئيسية منها أو الفرعية، بدافعٍ قومي أو مذهبيٍ أو مصلحي، ويكاد يرى الوقوف سلبًا، أما خيانة او مستحيلاً، بل لا يكاد تدافع الأحداث يتركك محايدًا متفرجًا أو لا مباليًا.
العالم العربي كما هو واضح أضعف هذه الأطراف لتعدد دوله والانقسامات السياسية وتصادم المصالح وعدم تبلور الأهداف، وكذلك بسبب تداخل ما هو وطني بما هو قومي أو ديني، وما هو ممكن وواقعي بما هو عاطفي ومستحيل.. من المطالب والخطط والأهداف!.
في فلسطين مثلاً، لا يزال من الصعب جمع الأطراف، رغم أن القضية مهددة بـ«الزوال» بعد الصفقة والتحولات العربية وضخامة التحديات، ورغم ما حققته «تركيا» من تقدم وتحديث، فإن رئيسها لا يتردد في التضحية بكل المنجزات والاندفاع خلف جماعة الإخوان ومن معها، مضحيًا بمصالح تركيا ومكانتها وتطلعات شعبها، ويريد أن يبني دولة حديثة، لكنه على استعداد لإدخال نصف سكان إسطنبول وأنقرة في السجن بتهمة التآمر في انقلاب لم تُعرف تفاصيله رغم مرور السنين، بقيادة شيخ دين أو زعيم جماعة صوفية في آخر أيام عمره، وفي الطرف الآخر من الكرة الأرضية! إنها المعركة التي لا رحمة فيها والتي أطلق عليها الزميل «مشاري الذايدي» تسمية «حرب فتح الله ورجب» فتح الله غولن ورجب طيب أردوغان!.
القيادة التركية من جانب آخر، وفي مسعاها لتبرير التدخل في حرب ليبيا، يقول د. حسن أبو طالب، تفاخرت بإرسال جنود أتراك إلى الأراضي الليبية حيث يوجد مليون ليبي من أصول تركية يستحقون دعمنا والتدخل لنجدتهم والوقوف إلى جانبهم (الشرق الأوسط 31/12/2019) ربما كان في تونس ومصر والعراق والحجاز أضعاف هذا العدد ممن هم من أصول تركية، فهل كل هذه البلاد ميادين للجيش التركي (العثماني) الجديد؟ أليس في تركيا نفسها ملايين الناس من أصول عربية وكوردية وأرمنية وبلقانية؟ ألا يعيش في ألمانيا مئات الألوف من الأتراك وربما عدة ملايين؟ ألم ينقل السلطان سليم بعد «فتح مصر» عام 1517 وانتهاء حكم المماليك آلاف العمال والفنيين المهرة من مصر والشام إلى العاصمة إسطنبول للاستفادة منهم في مشروعات تعمير وتزيين الدولة العثمانية؟ هل نفتح باب الأقليات والأصول والدم التركي هنا وهناك كما فعل هتلر مع أصحاب الدماء الآرية والجرمانية قبيل الحرب العالمية الثانية لتبرير التوسع وتجاوز الحدود؟ وهل يحق هذا للآخرين؟ «فتح الله غولن» زعيم ديني مشهور، نقلت الصحف أطراف حديثه لصحيفة «دي فيلت» الألمانية مؤخرًا، وقالت «الشرق الأوسط»:
في مقابلة مع صحيفة (دي فيلت) الألمانية، أمس، شبَّه الداعية فتح الله غولن، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بـ«هتلر وستالين»، قائلاً: «لقد كانت نهاية الطغاة أمثال هتلر وستالين سيئة للغاية، وستكون كذلك نهاية أردوغان ومصيره».
وقال غولن «إن أبرز ما يمكن أن يشاهده أي أحد في قرارات الحكومة التركية هو (جنون العظمة)، وإن أكبر عدو لأردوغان هو (نفسه)»، وانتقد سياسات أردوغان في الشرق الأوسط، قائلاً: «أردوغان لديه ولع بأن يكون زعيم الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، لكن هذا الولع سينتهي إلى لا شيء، بسبب سياسته المتناقضة، والمثال على ذلك ما يحدث في ليبيا» (29/1/2020).
كانت الصحيفة نفسها، «الشرق الأوسط»، قد ذكرت أن السلطات التركية منذ وقوع محاولة الانقلاب الفاشلة، تقوم بعملية تسميها السلطات«التطهير» أي تطهير مؤسسات وأجهزة الدولة من أتباع «غولن»، سجن فيها حتى الآن نحو ثمانين ألف شخص انتظارًا لمحاكمتهم، وصدرت قرارات فصل أو وقف عن العمل لنحو 175 ألفًا آخرين من العسكريين والموظفين المدنيين وغيرهم (15/1/2020).
ثمة اضطراب في الأداء الاقتصادي التركي كذلك. ويقول الباحث الفرنسي في الشؤون التركية «ديدين بيون» إنه لكي لا يتراجع مستوى المعيشة للمواطنين يتعين أن تحقق تركيا نموًا لا تقل نسبته عن 4% لمواجهة النمو السكاني، بينما تراجعت نسبة النمو إلى 2% مقابل 8 أو 9% في السنوات السابقة.
ويرصد المراقبون الماليون تراجع الليرة التركية مقارنة بالدولار عند مستوى أقل من سبع ليرات لتظل قرب أدنى مستوياتها منذ مايو 2019. ولكن اندفاع الاقتصاد التركي لا يزال قويًا في العديد من المجالات ومنها شركات المقاولات الخارجية التي حققت نحو 15 مليار دولار عام 2017 لنحو 241 مشروعًا.
ويعجب أي متابع للشأن التركي، لِمَ الرئيس «أردوغان» بمعارضيه وبالمنجزات التركية ما يفعل؟! ثم أليست تركيا اليوم قوية وثرية «ومكتفية جغرافيًا»، فما تريد من كل هذه التدخلات، ومن زعزعة انتماءات ذوي الأصول التركية في مختلف الدول العربية، ومعاداة الأكراد، وربط مصالح تركيا بمصالح الإسلام السياسي والإخوان المسلمين؟.
ثاني دول المنطقة اندفاعًا في تصدير طموحاتها وثورتها ومليشياتها للدول المجاورة هي «جمهورية إيران الإسلامية»، المولعة بتجنيد كل المتحمسين لدعايتها وللتشيع السياسي وللتلاعب بمصائر بلدانهم، إما «لمحاربة الأمريكان» أو «لاستعادة القدس» أو «لإقامة أنظمة أخرى مزدهرة من أنظمة الولي الفقيه».
وكان أغلب الكتّاب العرب قد اقتنعوا بأن إيران كانت مظلومة في الحرب العراقية الإيرانية في عهد النظام العراقي السابق، ولكن سياسات إيران داخل العراق وسوريا واليمن ولبنان والمنطقة الخليجية جففت منابع التعاطف، وكتب الأستاذ «داوود الفرحان» المتعاطف مع ذلك النظام، مقالاً بعنوان «كومة حجار ولا هذا الجار»! (الشرق الأوسط 31/12/2019).
تساءل الكاتب «الفرحان» في نهاية المقال الشديد اللهجة: «بأي حق تدفع إيران مليشياتها التابعة لفيلق القدس إلى اقتحام الحدود العراقية مرارًا وتكرارًا مرتدية زي الجيش العراقي وقوات مكافحة الشغب لتطلق الرصاص الحي على المحتجين المسالمين في بغداد»؟.
ثمة جانب مخملي بالغ الرفاهية في الواقع الايراني الذي يعاني الكثيرون فيه من غلاء البنزين وإيجارات المنازل وفيروس الكورونا.. والزلازل!.
يقول الكاتب «أمير طاهري»، الإعلامي الإيراني والخبير بشؤونها، شارحًا النعيم الذي تعيش فيه الشريحة الحاكمة: «ولقد صدمتني الدهشة عندما اطلعت على دراسة صادرة عن المجلس الإسلامي الإيراني تفيد بأن أكثر من 3000 مسؤول (إسلامي) رفيع المستوى في الحكومة الإيرانية يملكون تصاريح الإقامة الدائمة في الولايات المتحدة وكندا. على سبيل المثال، هناك 6 محافظين من أصل 31 محافظًا في الجمهورية الإسلامية ينتقلون ما بين إيران وكندا بصفة شبه منتظمة. فضلاً عن التحاق الآلاف من أطفال هذه الطبقة المتوسطة الجديدة بمختلف المؤسسات التعليمية في الغرب، وأغلبهم في الولايات المتحدة وكندا.
كما تستعين الطبقة المتوسطة الجديدة، بما في ذلك عدد من كبار الملالي وعائلاتهم، بالكثير من المستشفيات والمراكز الطبية المتخصصة في ألمانيا، وسويسرا وبريطانيا. وفي كثير من الحالات وبمجرد مغادرة طائرة الركاب للأجواء الإيرانية، تخلع النساء الإيرانيات الحجاب عن رؤوسهن ويصطف الرجال في صفوف لحلق – أو ربما تشذيب – لحاهم».
وعلى صعيد التملك العقاري في الخارج، يضيف الكاتب «طاهري» (الشرق الأوسط 21/2/2020) «نجح مواطنو الطبقة الوسطى الإيرانية في شراء 70 ألف وحدة عقارية في تركيا وحدها، وتوقفت دولة جورجيا المجاورة عن بيع الوحدات العقارية إلى المواطنين الإيرانيين مؤخرًا. كما فرضت السلطات في سلطنة عُمان القيود الجديدة على تملك المواطنين الإيرانيين العقارات في البلاد. ويمتلك عشرات الآلاف من المسؤولين الإسلاميين السابقين وشركاؤهم مختلف العقارات الفاخرة في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية، فضلاً عن المحافظ الاستثمارية الكبيرة.
تملك الطبقة المتوسطة الإسلامية الجديدة شبكة دعائية معتبرة في الخارج، تؤدي خدمات معينة ومعروفة للجمهورية الاسلامية».