تواصل إيران سياستها في التنصل من الالتزامات الدولية بخصوص برنامجها النووي بحجة المؤامرة الخارجية.
وفي هذا الإطار أعلن السفير الإيراني لدى المنظمات الدولية في النمسا الأربعاء أن الجمهورية الإسلامية "غير ملزمة" بالسماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بدخول مواقع في إيران حين تستند هذه الطلبات إلى "معلومات مفبركة".
وقال السفير كاظم غريب أبادي في تصريح إن "المعلومات المفبركة من أجهزة الاستخبارات بما فيها أجهزة النظام الإسرائيلي لا تلزم إيران بالنظر في هذه الطلبات".
وجاء هذا التصريح غداة صدور تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية انتقد إيران لرفضها السماح للمفتشين الدوليين بتفتيش موقعين.
وأوردت الوكالة في تقريرها أن الموقعين المعنيين هما بين ثلاثة مواقع اعتبرت الوكالة أنها تطرح "عددا من التساؤلات على ارتباط باحتمال وجود معدات نووية وأنشطة نووية غير معلنة".
وأوضح مصدر دبلوماسي أن الأمر يتعلق بأنشطة نووية إيرانية محتملة سابقة للاتفاق الدولي الذي تم التوصل إليه عام 2015 للحد من قدرات طهران النووية.
ويعتبر النظام الإيراني أنه لم يعد ملزما بتبرير أنشطته في السنوات التي سبقت هذا الاتفاق التاريخي المهدد اليوم بالسقوط بعد انسحاب الولايات المتحدة منه وإعادة فرضها عقوبات مشددة على طهران.
واتهم السفير الإيراني الولايات المتحدة وإسرائيل بإمداد الوكالة الدولية للطاقة الذرية بـ"معلومات مفبركة" بشأن المواقع المستهدفة.
وقال "مرة جديدة، يحاول النظامان الأميركي والإسرائيلي الضغط على الوكالة لحرفها عن وظائفها بموجب أنظمتها لنسف التعاون والعلاقات الاستباقية والبناءة بين الوكالة وإيران".
ودق المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافايل ماريانو غروسي "ناقوس الخطر" بشأن تعاون ايران معها آخذا على إيران عدم شفافيتها بشأن أنشطتها النووية الماضية ومطالبا طهران بـ"توضيحات".
وقال غروسي، الموجود في باريس للقاء الرئيس إيمانويل ماكرون، "على إيران أن تقرر التعاون بطريقة أوضح مع الوكالة لتوفير التوضيحات اللازمة"، مشيراً إلى العثور على "آثار يورانيوم مصنّع" في طهران في تشرين الثاني/نوفمبر 2019.
واضاف غروسي الذي تولى منصبه على رأس الوكالة أواخر العام الماضي أن "عثورنا على آثار (لليورانيوم في موقع غير مُدرج) أمر مهم جداً ويعني أن هناك احتمالا لوجود أنشطة ومواد نووية لا تخضع للرقابة الدولية ولا نعرف منشأها ولا مصيرها". وتابع "هذا أمر يقلقني".
وتطالب الوكالة الدولية للطاقة الذرية منذ عدة أشهر طهران بتوضيح طبيعة الأنشطة التي تم تنفيذها في هذا الموقع.
ورغم ان الوكالة الدولية لم تحدد مكان وجوده، فان مصادر دبلوماسية اكدت ان الوكالة سألت ايران حول موقع في منطقة تورقوز آباد في طهران، حيث اكدت اسرائيل في السابق وجود نشاط نووي.
واضافة الى ذلك، وبحسب تقرير اصدرته الوكالة الدولية الثلاثاء فقد حددت "عددا من الاسئلة تتعلق باحتمال وجود مادة نووية لم يُعلن عنها ونشاطات ذات طبيعة نووية في ثلاثة مواقع في ايران".
وكشفت الوكالة أنها رصدت في أحد هذه المواقع منذ تموز/يوليو 2019 "أنشطة... ترافقت مع جهود تعقيم لأحد الأقسام".
وذكر مصدر دبلوماسي ان موقع تورقوز ليس ضمن هذه المواقع الثلاثة.
وذكر التقرير أن الوكالة بدأت تطرح تساؤلات حول هذه المواقع العام الماضي وأن ايران رفضت دخول المفتشين الى اثنين من هذه المواقع كانت الوكالة ترغب في تفقدهما اواخر كانون الثاني/يناير.
وقال غروسي "السياسة شيء آخر. ينبغي عدم الاستهانة بعمليات التفتيش. يجب أن نحترم المسؤوليات تجاه عمليات التفتيش ... هذه ليست مسائل أكاديمية. هناك أماكن وقرائن ومعلومات تحتاج الوكالة إلى توضيحات بشأنها وهذا غير ممكن في الوقت الحالي".
ويوضح التقرير الثاني للوكالة انتهاكات إيران الحالية لاجزاء عديدة من اتفاق العام 2015 الذي يلزمها خفض برنامجها النووي.
واظهر التقرير ان مخزون إيران من اليورانيوم المخصب يساوي حاليا خمس مرات السقف المحدد في الاتفاق النووي.
وقال انه ابتداء من 19 شباط/فبراير 2020 بلغ مخزون ايران من اليورانيوم المخصب ما يعادل 1510 كلغ بينما السقف المحدد في الاتفاق هو 300 كلغ.
ويرى بعض الخبراء ان هذا المخزون يتيح انتاج سلاح نووي مع أخذ مستوى النقاء في الاعتبار، الا انه يتطلب خطوات اخرى بينها مزيد من التخصيب، لجعله مناسبا للاسلحة.
ويقول التقرير ان إيران لم تخصب اليورانيوم فوق نسبة 4,5%. بينما يحتاج استخدام اليورانيوم في سلاح نسبة تخصيب تصل الى نحو 90%.
ويعتبر ريتشارد نيفيو الذي شغل سابقا منصب كبير الخبراء الأميركيين في ملف العقوبات خلال المفاوضات التي افضت للاتفاق النووي المبرم في العام 2015، أن البيانات الأخيرة تعد "مشكلة يجب حلّها"، لكن المخزون الإيراني من اليورانيوم المخصّب يبقى أدنى بكثير مما كان عليه قبل دخول الاتفاق حيّز التنفيذ.
وجاء في تغريدة له "لم يتحول هذا الأمر بعد إلى أزمة ولدينا وقت لتسويته دبلوماسيا شرط توافر النية لذلك في واشنطن وطهران".
ويواجه الاتفاق النووي الموقع مع إيران خطر السقوط منذ انسحاب الولايات المتحدة منه في عام 2018 وتشديدها العقوبات على إيران.
وردت طهران تحت ثقل العقوبات بالتخلي ابتداء من أيار/مايو 2019 عن العديد من التزاماتها بموجب الاتفاق.