تبدو إيران عاجزة حتى الآن عن تطويق انتشار فيروس كورونا المستجد الذي أصاب أيضا نائب وزير الصحة، في أحدث تطورات الوضع في الجمهورية الإسلامية التي يعاني قطاعها الصحي من ارتدادات العقوبات الأميركية ونقصا في المعدات والآلات الطبية منذ أعلن الرئيس الأميركي في مايو/أيار 2018 الانسحاب من الاتفاق النووي، وإعادة العمل بنظام العقوبات السابق لكن بشكل أوسع وأكثر وصرامة.
ويعاني الإيرانيون من قلّة الأدوية حتى من قبل ظهور فيروس كورونا المستجد في مدينة قم (وسط) وانتشاره، حيث أسفر عن سقوط عدد من الوفيات وأثار الذعر وسط شح في الأقنعة الواقية.
وأعلنت السلطات الإيرانية الثلاثاء في أحدث إحصائية وفاة 3 مصابين، ما يرفع حصيلة الوفيات الإجمالية في الجمهورية الإسلامية إلى 15، فيما سجلت 34 حالة إصابة جديدة ليصل العدد الجملي إلى 95، بحسب وزارة الصحة.
وتضع هذه الحصيلة المعلنة إيران على رأس قائمة الدول التي تأثرت بالفيروس خارج الصين، البؤرة الأساسية لوباء "كوفيد-19"، حيث يناهز عدد الوفيات 2600 حالة، فيما يرجح أن يكون عدد المصابين في إيران أكبر مما هو معلن.
والاثنين أعلن النائب بالبرلمان الإيراني عن محافظة 'قم' بؤرة الفيروس في إيران أحمد أمير أبادي فراهاني، أنّ عدد الوفيات ارتفع الأحد إلى "نحو 50 شخصا".
وقالت متسوقة "إن التلفزيون يعلن أرقاما، لكن عندما نذهب إلى المستشفيات نرى شيئا مختلفا، فعدد الوفيات جراء الفيروس أكبر بكثير".
بدوره قال شعيب الموظف في صيدلية إن الأقنعة الطبية الواقية على وشك أن تنفد، موضحا أن عدد الأقنعة المباعة ارتفع من 500 إلى عشرة آلاف في اليوم الواحد.
وينتشر كورونا في إيران بينما يبدو قطاع الصحة أعجز من يواجه الفيروس في ظل نقص في المعدات الطبية والأدوية بالمستشفيات.
وبدأ النقص في المعدات الطبية بعدما انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي التاريخي وأعادت فرض عقوبات أشد قسوة على الاقتصادي الإيراني.
واستثنت واشنطن السلع الإنسانية، خصوصا الأدوية والمعدات الطبية من إجراءاتها العقابية.
لكن عمليات الشراء الدولية لهذا النوع من المعدات تعطّلت جراء تخوّف المصارف من إجراء أي تعاملات تجارية مع إيران، خشية تعرّضها هي كذلك لعقوبات.
وزاد ذلك من شح الأدوية وتسبب برفع الأسعار بشكل كبير، على وقع تراجع قيمة الريال.
في التاسعة والأربعين يبدو مريض السكر الإيراني برويز صادقي وكأنه في السبعين من العمر إذ تحيط تجاعيد عميقة بعينيه، بينما تشهد عظام وجهه البارزة على ضيق ذات اليد في ظل أزمة صحية تزداد حدّة.
بعد انتظار لست ساعات يشعر بالارتياح رغم ظهور علامات الإرهاق عليه لدى خروجه من صيدلية في العاصمة طهران وهو يحمل الإنسولين، الذي بات بين الأساسيات التي يزداد الحصول عليها صعوبة جرّاء تداعيات العقوبات الأميركية.
وقال العامل السابق الذي يعيش في كرج، على بعد ساعة غرب العاصمة، "أعاني من مرض السكر منذ نحو 10 سنوات. في السابق كنت تذهب إلى أي صيدلية ويعطوك إياه (الإنسولين)، لكن بات عليك الآن التوجّه إلى ألف مكان" من أجل ذلك، بعد قضاء أسبوع في الانتقال من مستوصف لآخر.
وقال صادقي "كنت أجلب الإنسولين قبل نحو ثلاث سنوات مقابل 17 ألف تومان (1.10 دولار أو يورو واحد)، وبات الآن بـ50500 تومان، وسعره يرتفع أكثر فأكثر".
و"يستعير" صادقي الإنسولين من مرضى آخرين خلال فترات الشح فقط ليتمكن من البقاء حيا. ويواجه صعوبات في العثور على صيدليات توفر إبرا مع الحقن. وقال "بدأوا بإجبارنا مؤخرا على الدفع من أجل الإبرة".
وأقر المتحدث باسم وزارة الصحة الإيرانية كيانوش جهانبور بأن بلاده تواجه صعوبات منذ عام في استيراد "أدوية للأمراض النادرة والخاصة"..
وفي قلب طهران تبدو صيدلية '13 أبان' الحكومية أشبه بخلية نحل إذ تجذب حشودا من المرضى يوميا ممن يصطفون بصبر لساعات بينما تخزّن وتدعم أدوية الأمراض النادرة.
وتتعامل '13 أبان' وعدد آخر من الصيدليات في طهران مع شركة التأمين الحكومية.
ويحمّل محمد أمينيان (73 عاما) الذي يحتاج إلى الإنسولين من أجل زوجته التي تعاني من مرض السكر العقوبات مسؤولية عدم تمكنّه من تأمين الدواء.
وقال "تحاول الحكومة تحسين الأمور رغم أنها تخلق بعض المشكلات من طرفها. نفضّل لو أنهم تفاوضوا" مع الولايات المتحدة. ولا يتردد في توجيه اللوم للحكومة مباشرة.
وتابع "بالتأكيد الحكومة لا تملك القدرة على إدارة الأمور. البعض لا يملكون تأمينا، عليهم شراء" الأدوية بأسعار مرتفعة، مضيفا "عليهم إما أن يموتوا أو يدفعوا".المحلية
وأفاد نائب مدير الصيدليات المرتبطة بجامعة طهران للعلوم الطبية محمد رضائي، أن "الإنسولين بين الأدوية الرئيسية المتأثرة وتنخفض مخزوناتنا منه إلى جانب أدوية أخرى مع الوقت".
وإضافة إلى مرضى السكر كان الأكثر تأثراً هم مرضى السرطان وأولئك الذين كانوا يعانون من الثلاسيميا، وهو مرض جيني في الدم منتشر في البلاد.
وتوفيت مؤخرا امرأة تعاني من انحلال البشرة الفقاعي، وهي مجموعة من الاضطرابات الوراثية التي تتسبب ببثور في الجلد و الأغشية المخاطية، جرّاء نقص الضمادات الخاصة.
وتشير شهرزاد شهباني، التي تملك صيدلية خاصة في العاصمة، إلى مشكلة خطيرة أخرى بشأن أدوية الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية.
وقالت "لا يمكن لمريض يحمل وصفة بمئتي حبة مثلا الحصول على مئة أو حتى 20 بات الأمر يتكرر أكثر".
وبين الأدوية الأخرى غير المتوفرة بشكل كاف 'ديباكين'، وهو دواء تصنّعه شركة 'سانوفي' الفرنسية ويستخدمه مرضى الصرع.
وبين هؤلاء محمد الجندي الخمسيني السابق الذي شارك في الحرب الإيرانية العراقية. ويعاني محمد كذلك من اضطراب ما بعد الصدمة.
ويستخدم أدوية محلية الصنع لاضطراب ما بعد الصدمة، يقول إنها "تتسبب أحيانا بمشاكل في المعدة وحرقة. ولا يهدئ حتى بشكل كاف. إذا شعرت بالتوتر، فقد يعمل (الدواء المحلي) بشكل أقل بكثير من الآخر".
وأيّدت شهباني هذا الرأي بقولها "للأسف الجودة مشكلة حقيقية. إنه أمر لا يمكن التحدّث عنه على الصعيد الرسمي".
وأضافت "هناك فرق في النوعية حتى بين شركة وأخرى، إذ أن التركيبات متباينة".
وأفادت شهباني أن الأشخاص الذين يعانون من 'باركنسون' يهرّبون أحيانا الأدوية الأجنبية عبر تركيا، للحصول على نوعية أفضل.
ويبدو أن قناة مالية جديدة أقامتها سويسرا لتسهيل تجارة المواد الإنسانية مع إيران لم تحقق فرقا كبيرا على الأرض.
وفي هذه الأثناء تواصل بعض الصيدليات البيع بأسعار السوق السوداء الباهظة للإيرانيين الذين يرزحون أصلا تحت وطأة الركود وتراجع قيمة العملة.