فاروق يوسف
إن قلنا لا أحد، نكون قد قفزنا على الواقع، فإيران ذات السلوك الرخيص والمبتذل والرث معنا نحن العرب تربطها علاقات جيدة بدول كثيرة في العالم، بعضها يُحسب على الصف الأول من جهة تأثيره على الاقتصاد العالمي.
إن إيران التي تصر على أن تواجهنا بالجانب العقائدي الغوغائي منها لا تفعل ذلك مع الدول الأخرى. علاقاتها مع تلك الدول تتميز بالطابع العملي المرن الذي يغلب المصالح على أي شيء آخر.
وإذا ما كانت هناك اختراقات أمنية قامت بها جهات إيرانية محسوبة على النظام في عدد من الدول الاوروبية وتم الكشف عنها كما في النمسا والدنمارك وفرنسا فإن تلك الاختراقات كانت محصورة بمطاردة المعارضين الإيرانيين المقيمين على أراضي تلك الدول.
وقائع من ذلك النوع يمكن للأجهزة الأمنية الأوروبية التعامل معها بطريقة لا تؤثر على المصالح الاقتصادية لدولها داخل إيران. وهو ما تدركه إيران جيدا ولا تشعر بالحرج إزاءه ويمكن لوزير خارجيتها محمد جواد ظريف أن يكذب أمام أعلى المستويات الأوروبية من أجل الوصول إلى تسوية ما. تسوية مفبركة غير أنها مرضية للطرفين.
ولأن أوروبا تعرف جيدا أنها لا يمكن أن تتعاون أمنيا مع النظام الإيراني فقد فضلت أن تحصر تعاونها معه في الجانب الاقتصادي. وهو جانب لا يمكن الاستهانة به، نوعا وحجما. هناك شركات أوروبية عملاقة تعمل داخل إيران وهناك استثمارات أوروبية كبيرة أيضا.
إيران التي يعاني نصف سكانها من الفقر هي في حقيقتها بلد ثري، لا ينطوي الاستثمار فيه على رهان خاسر بالنسبة للاوروبيين الذين لا يتعاملون أصلا مع العمائم والملالي وآيات الله بل مع تكنوقراط، هم القناع التي اجتهدت شركات الدعاية في صناعته من أجل أن تكون أمور الأوروبيين ميسرة بما يخدم بشكل أساس المشروع الإيراني.
في سياق تلك العلاقة النفعية سعت أوروبا إلى إعاقة تنفيذ العقوبات الأميركية أو على الأقل التخفيف من أثرها.
لم تكن النتائج الأولية مبشرة بما يُشعر إيران بالاطمئنان.
لقد انسحبت شركات فرنسية والمانية كبرى من إيران. وهو ما خيب آمال الطرفين.
وكما يبدو فإن إيران التي تملك علاقات ممتازة بالصين وروسيا لا تملك أن تعتمد عليهما في انقاذ اقتصادها في مواجهة العقوبات الأميركية. فعروض الدولتين العظمتين فقيرة بالرغم من كرمهما.
إيران تحتاج إلى الدولار الأميركي الذي سيشح في أسواقها.
تلك هي الحقيقة التي سيتولى التكنوقراط السياسي الإيراني ادارتها دبلوماسيا في المرحلة المقبلة. وهنا يتأخر الاقتصاد خطوتين لتلقي السياسة خطوة إلى الأمام. وهو سيعيد إيران إلى صواب وضعها الجغرافي.
المأزق الذي وقعت فيه إيران بسبب علو صوتها العقائدي أنها اعتقدت أنها أكبر من المنطقة. تبعا لذلك الاعتقاد الخاطئ فقد أخطأت إيران في تقدير حجم الدول العربية التي تجاورها ظناً منها أنها تستطيع من خلال استرضاء الغرب احتواء العالم العربي. وهو ظن ليس في محله.
لو لم تقع إيران في فخ عقدة العالم العربي لكان سبيل لحل مشكلتها التي تتعلق بمشروعيها النووي والبالستي. حقيقة لا تزال عصية على الادراك بالنسبة للعقل السياسي الإيراني.
لقد راهنت إيران على حصانها الاقتصادي في حوارها مع أوروبا وفشلت. ولو أنها انفتحت على أوروبا من جديد من خلال القبول بمناقشة برامجها التسليحية لما كانت النتيجة مرضية. لا لأن أوروبا لا تقتنع بما يقدمه الإيرانيون بل لأنها تكون مقنعة بالنسبة للطرف الأميركي الذي يفرض العقوبات والذي وضع شروطا مسبقة يقوم على أساسها الحوار مع إيران.
من بين تلك الشروط شرط يتعلق بنشاط إيران خارج حدودها، بشكل محدد في العالم العربي وقيامها بإنشاء وتمويل ميليشيات مسلحة متهمة بالإرهاب.
المسألة كلها تتعلق بالحوار السياسي العقلاني الغائب مع دول المنطقة المتضررة من المشروع الإيراني. ذلك لأن إيران لا تملك في الحوار مع تلك الدول غير اللغة العقائدية المغلقة على نفسها.
ما لم تفعله أوروبا لإيران كان في إمكان دول في المنطقة أن تفعله لو أنها كانت على قدر من العقلانية التي تؤهلها للاعتراف بمكانة تلك الدول وقدرتها على التأثير عالميا.
غير أن إيران لم تكن مستعدة (هي كذلك حتى اللحظة) للاعتراف بتلك الحقيقة. فهي لا تعتبر نفسها جزءا من المنطقة بل سيدتها. وهو ما قادها إلى ما هي فيه من وضع شاذ.
ولو افترضنا على سبيل الجدل أن إيران قد أدركت خطأها الآن واعترفت بما لم تكن تراه من الحقيقة فإنه اعتراف متأخر لا يقدم ولا يؤخر في مواجهة العقوبات الأميركية التي ستهلكها.
وإذا ما كان البالون الإيراني في طريقه إلى الانفجار فإن ذلك يعني أن كل شيء قد تأخر ولم يعد هناك ما يمكن فعله لإنقاذ إيران.
لقد وصل النظام الإيراني بالمنطقة إلى مرحلة لا يمكن حل مشكلاتها إلا من خلال التخلص منه، لكي تعيش المنطقة ومن ضمنها إيران بسلام.
فهو نظام لا إنساني ولا أخلاقي وخارج على القانون بحيث جر بعقيدته العدوانية المنطقة إلى وحول الطائفية المريضة التي دمرت مجتمعات من غير أن تصنع بديلا مشرفا ومنصفا.
إنه نظام يعتمد على نشر الميليشيات التي تنفذ أوامره وتوالي الولي الفقيه من غير أن تكون قادرة على النظر بوعي إلى ما صارت الشعوب ترنو إليه من مستوى كريم وحر للعيش.
في حمى خيلائه نسي النظام الإيراني أن لا أحد يمكن أن ينقذه من أزماته سوى جيرانه العرب الذي استعداهم وكان أعمى في النظر إليهم.