إميلي هوثورن
تقول حكومة الولايات المتحدة إنها قتلت قاسم سليماني، القائد الإيراني لفيلق القدس، وذلك لمنع "تهديد وشيك" مصدره هجمات إيرانية، وبغض النظر عن حقيقة التهديد المفترض، كانت القوات العسكرية الأميركية وحلفاؤها والمدنيون في المنطقة، وما زالوا، يواجهون خطر هجمات وكلاء إيران في المنطقة.
وبعد كل هذا، لم يتم التخلص من شبكة المليشيات المتحالفة في جميع أنحاء الشرق الأوسط في الهجوم الذي أودى بحياة قاسم سليماني، وقد ساعد سليماني في إنشائها، ولم تكن استراتيجية إيران الأكبر هي استغلال تلك الشبكة. وفي ظل التزام الولايات المتحدة بتشديد العقوبات على إيران، ستظل إيران أيضًا ملتزمة باستخدام وكلاءها – بالإضافة إلى وسائل أخرى – للضغط على الولايات المتحدة لتغير نهجها.
وتدرك إيران جيدًا أنه عندما يتعلق الأمر بالقوة العسكرية، فإنها أضعف من الولايات المتحدة، والتي تمتلك قواعد منتشرة في جميع أنحاء الخليج والعراق، وتلك هي الحقيقة.
إن ما جعل إيران متفوقة خلال أكثر من عقود هو خوض مزيج من الحروب اللامتماثلة – كالهجوم غير المباشر على خصم أقوى باستخدام تكنولوجيا دائمة التطور مثل برنامج الصواريخ المثير للإعجاب.
وتتفوق إيران في وسائل الحرب الإلكترونية والمضايقة البحرية، وما تفتقر إليه إيران في المعدات أو التدريب، فإنها تعوضه في تفوقها العددي من حيث القوات التي يمكنها نشرها.
فعلى سبيل المثال، يفوق عدد المجندين في إيران، بالإضافة إلى فيلق الحرس الثوري الإسلامي، وجيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية (الجيش الإيراني)، عدد المجندين في جميع دول الخليج العربي مجتمعة.
ومن الجوانب الحاسمة في القدرات اللامتماثلة التي تمتلكها إيران هي تكوين ميليشيات إقليمية غير رسمية وتجهيزها، والتي تتماشى إلى حد ما مع أهداف إيران، وخاصة في العراق وسوريا ولبنان، بالإضافة إلى مناطق أخرى في أفغانستان واليمن.
وكان سليماني هو العامل الرئيسي في تعزيز قدرات تلك الميليشيات، وتبقى المحافظة عليها أولوية لإيران حتى بعد وفاته، إن العمل من خلال الوكلاء أمر مهم لإيران، لأنه يمنح إيران درجة معقولة من إنكار أفعالها والتنصل منها، كما أن الاعتماد على الوكلاء يسمح لإيران بأن تمضي قدمًا في الانتشار في المناطق التي لن يكون لها بصمة عسكرية فيها، ولكنها تريد أن ترى النفوذ الإيراني يتزايد فيها.
وهناك سبب رئيسي آخر يدفع إيران إلى الاستمرار في استخدام وكلائها، وهو أنها وسيلة غير مكلفة، وعلى الرغم من أن التقديرات تشير إلى أن إيران تنفق على حروبها بالوكالة عشرات المليارات، فهذا الرقم ضئيل مقارنة بالإنفاق الحكومي على الحروب التقليدية طويلة الأجل.
إن الضغوط التي تتعرض لها إيران بسبب العقوبات جعلها تقلص حجم الأموال التي يتعين على إيران إنفاقها على بعض المشاريع، ورغم ذلك، من المستبعد أن توقف إيران نشاطها في مسارح الحرب بالوكالة. والوكلاء ببساطة في غاية الأهمية لإيران، وغير مكلفين ماديًا مقارنة بتكاليف بناء القدرات العسكرية التقليدية.
ومع ذلك، هناك جوانب سلبية لاستراتيجية الوكالة التي تنتهجها إيران: فالإيرانيون في الداخل والمثقلون بمصاعب العقوبات يشعرون بالاستياء من إرسال الأموال إلى الخارج لإنفاقها في أماكن أخرى. وتواجه إيران أيضًا مقاومة سياسية من المدنيين في أماكن مثل العراق ولبنان، حيث تتحدث الحركات القومية بشكل متزايد عن رغبتها في التخلص من أي نفوذ أجنبي.
وهناك أيضًا مصالح داخلية للميليشيات المتحالفة مع إيران، وفي بعض الحالات، أدوار سياسية معقدة لا يمكن لإيران أن تديرها بالكامل.
وفيما يتعلق بالقيادة والسيطرة، هناك علاقة واضحة بين إيران وحزب الله في لبنان؛ والروابط بينهما علنية وطويلة الأمد. وهناك علاقة أقل شفافية بين إيران والمتمردين الحوثيين في اليمن، الذين يتلقون التمويل والمعدات والتدريب من إيران – وخاصة فيما يتعلق ببرنامج الصواريخ – غير أن علاقتهم مع إيران ليست في قوة علاقة إيران مع حزب الله.
ولا شك أن إسماعيل قاآني، والذي خلف سليماني، سيسير على خطى سلفه في الانتشار في المنطقة للحفاظ على العلاقات الوثيقة مع القيادات بالوكالة وتوطيدها، ولكن لم يتضح بعد ما إذا كان قاآني شخصية مؤثرة مثل سليماني ذي الشخصية القيادية أم لا.
والجانب السلبي الآخر لاستراتيجية الوكالة التي تنتهجها إيران، هو أنه كلما أصبحت إيران أكثر صراحة في استخدام الوكلاء، كان من الصعب إنكار صلتها بهؤلاء الوكلاء، أو نفي مسؤوليتها عن أي هجمات يرتكبها الوكلاء ضد المدنيين أو حلفاء الولايات المتحدة الأميركية أو القوات الأميركية.
وأوضحت الولايات المتحدة أنها تلوم إيران على تصرفات وكلائها. وعلى الرغم من أن إيران ما زالت تواجه خطر المزيد من العقوبات، أو من الضربات الأميركية، فإن إيران تبدو أكثر استعداد لإظهار علاقاتها مع بعض الوكلاء. وفي مؤتمر صحفي في أعقاب مقتل سليماني، ظهرت أعلام العديد من قوات الميليشيات، ومن بينها أعلام لبعض الميليشيات التي أنكرت إيران علاقتها بهم في الماضي.
وفي النهاية، تفوق فوائد استخدام الوكلاء تكاليفها. وعلى الرغم من تلاشي واحدة من أكثر الأحداث المثيرة للتوتر بين الولايات المتحدة وإيران، ورحيل المخطط للحرب الاستراتيجية طويلة الأمد التي تشنها إيران، ستواصل طهران استخدام وكلاءها المتحالفين لتحقيق أهدافها على المدى الطويل. وتمارس إيران استراتيجية طويلة الأمد لبناء نفوذها في المنطقة، وتقويض الوجود الأميركي هناك، والحفاظ على بقائها. ولهذا تحتاج إيران إلى حلفائها الإقليميين.