استعادت الاحتجاجات الشعبية في العراق زخمها بعدما باشرت السلطات في فتح ساحات الاعتصام في العاصمة وعديد المناطق الأمر الذي اعتبره المتظاهرون محاولة لفض اعتصاماتهم المستمرة وإخماد حراكهم، تزامنا مع انشقاق قيادي من التيار الصدري وانضمامه إلى صف المنتفضين.
وزاد تصعيد قوات الأمن تحركاتها ضد المحتجين في بغداد والبصرة وذي قار والديوانية بعد ساعات قليلة من انسحاب انصار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر من ساحات التظاهر.
واتهم الحراك الشعبي العراقي، السبت، مقتدى الصدر، بـ”خيانة” المحتجين مقابل تلقّيه وعدا من طهران بتولي رئاسة حكومة بغداد المقبلة، وذلك بعد أن دعا الصدر أنصاره بشكل مفاجئ بمغادرة ساحات الاعتصام.
وأعلن القيادي أسعد الناصري، الاحد، انشقاقه عن التيار الصدري وانضمامه إلى المحتجين على خلفية تجميد عضويته بسبب دعمه للمتظاهرين.
وقال الناصري، المقرب من زعيم التيار الصدري، في بيان ، "سأخلع العمامة حبا بالعراق ومدينة الناصرية والثائرين، وأنا مع العراقيين، كنت ومازلت وسأبقى، وأرجو الاستعجال بتصفيتي (قتلي) لأنني اشتقت الى الشهداء".
وهذا أول انشقاق في التيار الصدري على خلفية الموقف من الاحتجاجات.
وأمر زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، السبت، بتجميد عمل أسعد الناصري، "لعصيانه الأوامر"، في إشارة إلى عدم التزامه بقرار وقف دعم التيار للمتظاهرين.
وجاء في بيان مكتب زعيم التيار الصدري، "نظرا للتجاوزات الصادرة عن الشيخ اسعد الناصري وتصريحاته على مواقع التواصل الاجتماعي بشأن الاحداث الاخيرة، تقرر ما يلي: يجب عليه فورا ترك ثوار محافظة الناصرية وعدم التدخل بتقرير مصيرهم لا سلبا ولا ايجابا".
وأضاف: "يعتبر مجمدا من الان والى اشعار اخر، لعصيانه اوامر ال الصدر وعهده مع السيد الشهيد (قدس)، وكفاه تسلطا وحبا للدنيا، واذا كان مضطرا لتغير افكاره فلا داعي للتمسك بارتداء العمة الشريفة، ولا دخل للخط الصدري بأفكاره".
وتأتي هذه التطورات بعد إعلان مقتدى الصدر سحب دعمه للحراك الشعبي، رداً على هتافات رددها المتظاهرون ضد الصدر على خلفية تقربه مؤخراً من الفصائل الشيعية المقربة من إيران.
ويقول متابعون للشأن العراقي إن موقف الصدر باختراق الحراك الشعبي لم يكن مفاجئا، لكن الأهم هو أن الخطوة سمحت للعراقيين بالوقوف على حقيقة رجل الدين الذي يحاول أن يبدو دائما في صفّ الحراك الشعبي، لكن ضمن خيار مناور تتخذه إيران لامتصاص غضب الشارع، والحفاظ على مقتدى الصدر كبديل محتمل للوجوه السياسية التي فقدت ثقة العراقيين.
ويواصل المحتجون حراكهم مع ازدياد وتيرة القمع من قبل القوات الأمنية حيث أصيب 18متظاهرا عراقيا بحالات اختناق الأحد جراء استخدام قوات الأمن قنابل مسيلة للدموع لتفريق متظاهرين في ساحة البهو وسط مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار.
وقال شهود عيان إن قوات مكافحة الشغب أطلقت الغازات المسيلة للدموع عندما سيطر متظاهرون على ساحة البهو المؤدية إلى ساحة الحبوبي وسط الناصرية وجرت مصادمات وحالات كر وفر بين الطرفين ما أدى إلى حالات اختناق بين المتظاهرين.
وتحاول القوات العراقية تضييق حالة التظاهر وحصرها في ساحة الحبوبي وسط المدينة دون توسعها واستعادة السيطرة على الجسور والشوارع لإعادة افتتاحها أمام حركة السيارات وتنقل الأهالي وفك حالة الزحامات المرورية .
ومنذ الاثنين، صعد الحراك الشعبي من احتجاجاتهم بإغلاق العديد من الجامعات والمدارس والمؤسسات الحكومية والطرق الرئيسية في العاصمة بغداد ومدن وبلدات وسط وجنوبي البلاد.
واتجه المتظاهرون نحو التصعيد مع انتهاء مهلة ممنوحة للسلطات للاستجابة لمطالبهم وعلى رأسها تكليف شخص مستقل نزيه لتشكيل الحكومة المقبلة، فضلا عن محاسبة قتلة المتظاهرين والناشطين في الاحتجاجات.
ويشهد العراق احتجاجات غير مسبوقة منذ مطلع /أكتوبر الماضي، تخللتها أعمال عنف خلفت أكثر من 600 قتيل وفق منظمة العفو الدولية وتصريحات للرئيس العراقي برهم صالح.
وأجبر الحراك الشعبي حكومة عادل عبد المهدي على الاستقالة، في الأول من ديسمبر الماضي، ويصرون على رحيل ومحاسبة كل النخبة السياسية المتهمة بالفساد وهدر أموال الدولة، والتي تحكم منذ إسقاط نظام صدام حسين عام 2003.
ويعيش العراق فراغاً دستورياً منذ انتهاء المهلة أمام رئيس الجمهورية بتكليف مرشح لتشكيل الحكومة المقبلة في 16 ديسمبر الماضي، جراء الخلافات العميقة بشأن المرشح.