تتشبّث قيادة إقليم كوردستان العراق بالإبقاء على دور أميركي فاعل في البلاد، بما في ذلك إبقاء الولايات المتّحدة على وجودها العسكري على الأراضي العراقية، وذلك مخافة اختلال التوازن لمصلحة إيران واستفراد طهران بالقرار السياسي والأمني العراقي الأمر الذي قد تكون له انعكاسات سلبية على الإقليم الذي يدين بوضعه الاستثنائي القريب من وضع الدولة المستقلة لعلاقته مع واشنطن.
وظهر الموقف الكوردي من الدور الأميركي في العراق جليا من خلال رفض أربيل قرار البرلمان العراقي إخراج القوات الأجنبية من البلاد، حيث وصف رئيس إقليم كوردستان العراق نيجيرفان البارزاني القرار بالسيّء، معتبرا أنّه وليد عواطف وانفعالات ناتجة عن مقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي أبومهدي المهندس في غارة جوية أميركية خارج مطار بغداد الدولي.
ولا تعتبر علاقات القيادات الوكردية العراقية بإيران سيئة بالمطلق إذ سبق لتلك القيادات أن تعاونت مع طهران في العديد من القضايا والملفات سواء قبل سنة 2003 تاريخ الغزو الأميركي للعراق وإسقاط نظام الرئيس الأسبق صدّام حسين، أو بعدها.
ومع ذلك لا ترتقي العلاقات الكوردية الإيرانية إلى مستوى الثقة التامّة، فإيران تعلم من جهة أنّ الكورد في العراق أميل إلى التعامل مع واشنطن، فيما يعلم هؤلاء أن طهران تعوّل بالأساس على القادة العراقيين الشيعة من رؤساء أحزاب وقادة ميليشيات مسلّحة.
وحدث أوضح افتراق في المصالح بين إيران الكورد العراق بعد إقدام هؤلاء على تنظيم استفتاء شعبي على استقلال إقليمهم عن الدولة العراقية سنة 2017 وهو ما شاركت طهران بفاعلية في التصدي له بالتعاون مع بغداد وأنقرة مخافة انتقال عدوى الانفصال الكوردي إلى أراضيها.
فخلال السنوات الأخيرة حاولت قيادة إقليم كوردستان العراق الاستفادة من الدور الكبير الذي قامت به قوات البيشمركة والأسايش الكوردية في مواجهة تنظيم داعش عندما غزا صيف سنة 2014 مساحات شاسعة من الأراضي العراقية، لتوسيع حدود الإقليم والدفع لاحقا بفكرة استقلاله عن الدولة المركزية من خلال تنظيم الاستفتاء المذكور.
ومنيت القيادة الكوردية آنذاك بخيبة أمل كبيرة من الموقف الأميركي غير الداعم للخطوة الاستقلالية ومن تَرْك واشنطن الكورد العراق لمصيرهم في مواجهة إجراءات عراقية إيرانية تركية صارمة جاءت ردّا على الاستفتاء وتضمّنت طرد قوات البيشمركة من كركوك المتنازع عليها والسيطرة على عدد من منافذ الإقليم.
وفي الخامس من يناير الجاري صوّت البرلمان العراقي على قرار طالب بموجبه حكومة بغداد بإخراج القوات الأجنبية من البلاد، خلال جلسة قاطعها النواب الكورد ومعظم النواب السنّة.
وقال رئيس إقليم كوردستان العراق، الجمعة، إن قرار البرلمان العراقي إخراج القوات الأجنبية “سابقة سيئة” في البلاد، كونه صدر عن الكتل الشيعية، دون الأخذ بالحسبان مواقف السنة والكورد.
وأشار في مقابلة مع موقع المونيتور إلى أنّ مقتل سليماني والمهندس أثار طوفانا من العواطف في العراق والولايات المتحدة، معتبرا أن الفورة العاطفية والانفعالية شملت رد فعل البرلمان العراقي ورئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، وأن رد واشنطن بأن القوات الأميركية باقية في العراق بغض النظر عمّا يقوله البرلمان أو الحكومة “تم التعبير عنه أيضا بحماسة اللحظة”، داعيا إلى “وضع العواطف جانبا، لأننا نحتاج الآن إلى احتواء الموقف للسيطرة عليه”.
ورأى البارزاني أنّ وجود القوات الأميركية في العراق يستمدّ مشروعية من كون تلك القوات جاءت “بناء على دعوة من الحكومة العراقية في العام 2014 وبالتشاور مع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عندما كان تنظيم الدولة الإسلامية على مشارف بغداد”.
متسائلا “هل الوضع الحالي في العراق يبرر انسحاب القوات الأميركية وقوات التحالف الدولي بالنظر إلى مهمتها، وهي المساعدة في هزيمة الدولة الإسلامية”، ليجيب “نحن حكومة إقليم كوردستان نشعر بالقلق لأن الإجابة هي بوضوح ‘لا’ حيث تشير جميع المعلومات الاستخباراتية إلى أنّ تنظيم الدولة الإسلامية أعاد تجميع صفوفه وأنّه يقوم بهجمات ضد أهداف عراقية بشكل يومي. ومن هنا، فإن مصلحة كوردستان العراق تهمّ القوات الأميركية بقدر ما هي في صالح العراق بأسره”.
وتابع البارزاني “خلال زيارة رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي قبل أيام قليلة، كان الانطباع الذي توصّلنا إليه هو أنه كان يتطلع إلى حل هذه القضية من خلال الحوار بدلا من المواجهة، وستكون الفكرة هي التوصل إلى صيغة جديدة للوجود المستقبلي للقوات الأميركية وقوات التحالف في العراق”، مؤكّدا أنّ “وجود القوات الأميركية وقوات التحالف أمر ضروري لكل العراق”.
كما وصف البارزاني رئيس الوزراء العراقي بأنّه “رجل براغماتي وهو يتطلع إلى إعادة صياغة، وإعادة تحديد الوجود المستقبلي لهذه القوات في العراق”. وكشف البارزاني عن تلقيه دعوة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب لحضور اجتماع في البيت الأبيض لكنه نفى تحديد موعد لذلك.
وقال عن العلاقات بين إقليم كوردستان العراق وواشنطن بعد مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني “حكومة الإقليم تتمتع بفعل وضعها القانوني والدستوري بأهمية خاصة ضمن المعادلة العراقية والسياسة الأميركية تجاه العراق”.
وتوجد في إقليم كوردستان العراق أربع قواعد عسكرية أميركية، اثنتان منها في مركز الإقليم أربيل، إضافة إلى قاعدة ثالثة في زاخو ورابعة في حلبجة.
ومختلف تلك القواعد أصغر حجما من القواعد الأميركية الأخرى الموجودة بشمال وغرب العراق، لكنّها على وجه العموم آمنة نظرا لعدم وجود قوات تابعة للفصائل الشيعية العراقية الموالية لإيران بالقرب منها.
والأهم من ذلك أنها قابلة للتوسيع لاستيعاب مختلف القوات التي قد تضطر الولايات المتحدة لإخراجها من باقي القواعد العراقية، وهي فرضية بعيدة الاحتمال إلى حدّ الآن في ظل الرفض الأميركي لقرار البرلمان العراقي.