Skip to main content

فشل سياسة "المرونة البطولية" لخامنئي بعد الاحتجاجات

المرشد الإيراني علي خامنئي
AvaToday caption
قضى أغلب وقته متعنتًا في سياسته مع البيت الأبيض، في حين أن رؤساء الولايات المتحدة هم جزء مهم من اللغز المعقد للسياسة الأميركية
posted onDecember 17, 2019
nocomment

فرزانة روستايي

الاحتجاجات والمذابح الأخيرة للشعب الإيراني عقّدت رؤية الجمهورية الإسلامية إلى المستقبل، وصعّبت خروجها من أزمة الاتفاق النووي.

قبل التطورات والاحتجاجات الأخيرة، كان فيتو علي خامنئي، المسمى "المرونة البطولية"، يلعب دورًا مثل دور المنعطفات في الطرق السریعة في طهران في عهد أحمدي نجاد، حيث كان من الممكن المضي حتى نهاية طريق خاطئ ثم العودة إلى الخلف دون أي ضجة.

لكن المعادلات الإيرانية الجديدة اختلفت بعد القمع الدموي للمحتجين، الذين لم يعترضوا سوى على رفع سعر البنزين، ومن المحتمل جدًا أن تُغلق هذه الطرق الملتوية بالكامل، وقد لا ينفع فيتو علي خامنئي (المرونة البطولية) في المفاوضات مع الولايات المتحدة، هذه المرة.

الرئيس الأميركي السابق هاري ترومان قال إن الرئاسة الأميركية تشبه ركوب النمر في البيت الأبيض، إما أن تركب النمر وإما أن يأكلك.

هذا المثال الواضح بالإضافة إلى أنه يبين ببساطة هيكلية إدارة الحكومة والبيت الأبيض في الولايات المتحدة، يعبر عن عمق سذاجة المرشد الإيراني حول المفاوضات مع الأميركيين، فبدلاً من اغتنام الفرصة للتعامل مع رؤساء الولايات المتحدة، قضى أغلب وقته متعنتًا في سياسته مع البيت الأبيض، في حين أن رؤساء الولايات المتحدة هم جزء مهم من اللغز المعقد للسياسة الأميركية، وبالطبع هم قطعة بازل إلى جانب بقية القطع في بلدهم.

بطل التحالفات مع جميع التيارات الأميركية هو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي تمكن بالكذب أو الصدق من التواصل مع جميع قطع البازل في الولايات المتحدة.

وفي المقابل تصر الجمهورية الإسلامية على الشعار الفاشل "لا شرقية ولا غربية"، في حين أصبحت إيران عمليًا مستعمرة للشرق وخاضعة للغرب.

روسيا التي ساعدت اليوم إيران في ضبط ميزانيتها بمنحها قرضًا بمقدار ملياري يورو، كانت أشبه بالاتحاد السوفياتي الذي دعم الحكومة العراقية في الحرب ضد إيران بأحدث الأسلحة، لمدة ثمانية أعوام، وفعليًا كانت أغلب معدات صدام حسين من موسكو.

بل إن روسيا نفسها هي التي نسقت مع الغرب في الجولة الأولى من العقوبات ضد إيران، وقد كان التنسيق الروسي مع الغرب ضد إيران لدرجة أنها لم تكمل العمل في مفاعل بوشهر ولا سلّمت إيران منظومة الدفاع الجوي "إس-300". واليوم بعدما سلمت موسكو هذه المنظومة لطهران يعتقد بعض الخبراء أن إسرائيل والغرب حصلا على شفرة تشغيل "إس-300". أما المنظومة الأحدث "إس-400" فلم تقبل روسيا ببيعها لإيران بسبب حساباتها مع الغرب.

في هذه الأثناء، وفيما كان المرشد الإيراني يخسر لعبته مع روسيا، بدأ صراعه مع الحكومات الأميركية المتلاحقة، مدمرًا بذلك اقتصاد إيران، حيث إن ملايين الخريجين الجامعيين ممن قدموا أعمارهم لبناء إيران والحفاظ عليها يشهدون اليوم كيف ينهار كل شيء في هذا البلد وكيف تقتل القوات الأمنية الناس، بأمر من المرشد الإيراني، بالسواطير في جورجان، وبالرصاص الحي في معشور، لمجرد مشارکتهم في احتجاجات سلمیة.

اللعبة الحمقاء التي يمارسها المرشد الإيراني منذ ثلاثة عقود مع الولايات المتحدة ألحقت أضرارًا اقتصادية واجتماعية بإيران، أكثر مما فعلت الحرب الإيرانية العراقية، أي أكثر من ألف مليار دولار. كما أن حلم صناعة السلاح النووي وتدمير إسرائيل استهلك مئات مليارات الدولارات في منشآت نووية عديمة الفائدة، وهي جزء من الأضرار، إضافة إلى مئات الملايين من الدولارات التي أنفقت داخل وخارج البلاد لشراء المعدات من السوق السوداء وتشكيل الأجهزة، والاغتیالات وخداع المؤسسات الدولية.

لو حسبنا الأضرار الاقتصادية الفائقة للعقوبات الأميركية على إيران والتكاليف الباهظة للمافيات للالتفاف على العقوبات، أو دققنا في أضرار قطع نظام الاتصال المالي الإيراني مع العالم وقطع الاتصال مع "سويفت" وإغلاق المنشآت الاقتصادية وتدمير أو هروب مليارات الدولارات من رؤوس الأموال الإيرانية، وتدمير الإنتاج الوطني، وتفشي البطالة، وانتشار الفقر، وتراجع نظام التعليم والتربية، وانهيار مستوى الرعاية الصحية والترفیه والتغذية بين شرائح الشعب، إضافة إلى هجرة العقول، وإذا حسبنا تكاليف تنظيم القوى القمعية وتجهيزها بالمعدات وأرباح العصابات المافياوية التي ستنشر أرقامها لاحقًا، حينها سنجد أن أضرار حرب الثماني سنوات مع العراق تبدو أقل بكثير من أضرار سباق المرشد الإيراني مع أميركا، حيث إن مرشد جمهورية إيران الإسلامية، الذي يكره الولايات المتحدة، یعتبر البيت الأبيض ورئيسه أسوأ دولة وشخصية سياسية في العالم.

هذه العلاقة بين المرشد ورئيس أميركا أشبه بشخص يكره مدير مطار دبي الدولي الذي يسافر عبره سنويا 60 مليون شخص، وآلاف الطائرات، وملايين الحقائب، فالعلاقة مع أميركا تشبه العلاقة مع المطارات أو مراكز التجارة الكبرى، يجب أن تقوم على أساس المصالح لا على أساس المشاعر السياسية، وهذه العلاقات فقط لتأمين المنافع وليس أكثر، فالنظرة الآيديولوجية الموروثة من الماضي والتقييم السلبي للعلاقات مع أميركا أوقعت إيران في تحديات فارغة لا تنتهي، أما ضحية هذه الرؤية الحمقاء للمرشد الإيراني تجاه العالم فهم 82 مليون إيراني.

تغيير الظروف السياسية في إيران

مع بداية الجولة الرابعة من تخفيض إيران التزاماتها في الاتفاق النووي والمراجعة المحتملة للبروتوكول الإضافي، سيتغيّر الوضع بطريقة تزيد من التدهور على حساب إيران، فقد يؤدي عقد اجتماع مجلس محافظي وكالة الطاقة الذرية واجتماع الأعضاء الباقين في الاتفاق النووي، لمناقشة الاستخدام المحتمل لـ"آلية الزناد" (آلية فض المنازعات في الاتفاق)، إلى فقدان فرصة الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

ومع استمرار مقاطعة الشركات والمؤسسات الإيرانية، يتواصل الضغط على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، حيث إن بث مقاطع فيديو عن قمع الإيرانيين الذين يتم قتلهم علی أیدي الشرطة من مسافة قريبة، يمكن أن يضطر كلا من أوروبا والولايات المتحدة لتنأيا بنفسيهما عن صفقة محتملة مع إيران.

في السابق، كانت الجمهورية الإسلامية نظامًا- خلافًا لقواعد اللعبة- يحوم حول إكمال سلسلة الأسلحة النووية، وكان وزير خارجية النظام، إلى جانب مافيا النایاك (اللوبي الإیراني في الولایات المتحدة)، يقدمان تقاریر عن إيران أو يتشاوران بشأنها، كما لو كانت إيران دولة طبيعية لا تحتاج إلا إلى مساعدة ومشورة خاصة لحل الأزمة النوویة مع الولایات المتحدة. لكن قيمة وأهمية الصفقة مع المرشد خامنئي تضاءلت بمرور الوقت، بعد أن دعا الاتحاد الأوروبي إلى تقديم تقرير دقيق عن مذابح نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي في إيران وعدد القتلى من العرب المضطهدين في مدينة معشور.

مما لا شك فيه أن تبادل الرعايا الأميركيين المحتجزين كرهائن في إيران مع السجناء الإيرانيين هو اتجاه يلقى الترحيب دومًا لأسباب إنسانية. لكن التفاوض مع مرشد الجمهورية الإسلامية حول قضايا مهمة مثل التخصيب في فوردو وناطنز، وبرامج الصواريخ وتدخل إيران في الدول الإقليمية والأنشطة الإرهابية المنسوبة إلى إيران، أمر صعب بالنسبة لكل من الولايات المتحدة وأوروبا.

حتى نوفمبر (تشرين الثاني)، كانت إيران دولة تعاني من مشاكل نووية ومشاكل هيكلية في السياسة الخارجية مع الولايات المتحدة. واليوم، تتصدر الجمهورية الإسلامية، التي لم تكن ذات سمعة جیدة سابقًا، تتصدر قائمة الدول سیئة السمعة والقمعية كما حددها المقرر الخاص للأمم المتحدة.

وفي الواقع، فإن الاتفاق مع إيران، حتى لو کان ممكنًا، فسيجلب للطرف الآخر السمعة السیئة وسوء السلوك السياسي.

بالإضافة إلى ذلك، فإن حكومة ترامب، على الرغم من أنها أكثر الإدارات الأميركية فوضویة في العقود الأخیرة، فقد اقتربت من تحقيق هدفها، وهو أن الجمهورية الإسلامية سوف تنهار تلقائيًا أو تستسلم كليًا، نتيجة الاحتجاجات الشعبية التي حدثت في أكثر من مائة مدينة. لذلك، فإن محاولة التوصل إلى اتفاق مع المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية قد تقلل فقط من فرص ترامب في تحقيق نصر أكبر وأسهل منالاً.

معنى هذا البيان أن ثمار العقوبات الأميركية الرهيبة ضد الجمهورية الإسلامية ناضجة تمامًا وجاهزة للقطف.

وفي هذه الحالة- بالإضافة إلی عدم جدوی "المرونة البطولية"- فإنه إذا أعيدت ممارستها، فلن تكون، على الأرجح، مقبولة في الداخل، ولدی الطبقات العسكرية القمعية والأمن المعادي للشعب، فالمرجح قبول "مرونة بطولية" معينة فقط، حيث يجب أن تكون هذه المرونة الاستثنائية قادرة على تغيير أهم المعادلات السياسية والاجتماعية في بلد يعتقد الكثيرون أنه كان سبب كثير من الاضطرابات في المنطقة خلال العقود القليلة الماضية.

وعلى الرغم من أن جثث الشباب العرب الإيرانيین المظلومین في مستنقعات معشور قد تعفنت، ولا أحد يجرؤ على عدها، فإن التجارب تقول إن البلدان التي تُدار بمثل هذه الممارسات القمعية لم تستمر طویلاً.

محللة سياسية