Skip to main content

في ظل العقوبات الأمريكية؛ إيران تعزز من دورها في العراق

إيران أبتعلت العراق
AvaToday caption
نجحت إيران في تجيير تأسيس الحشد الشيعي لمصلحتها، فقد حولته إلى أداة عسكرية مهمة تضاف إلى أدواتها الأخرى
posted onSeptember 22, 2019
nocomment

د.سليم الدليمي*

منذ إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مايو 2018،انسحابه من الإتفاق النووي الذي وقعته إيران مع القوى العالمية الكبرى عام 2015، ومن ثم فرضه عقوبات صارمة على التجارة الإيرانية مع الخارج بما فيها بيع وتجارة النفط الإيراني، وماتلا ذلك من شروط أمريكية صارمة يتوجب على النظام الإيراني تنفيذها قبل رفع العقوبات وإعادة صياغة إتفاق جديد يضمّن ماأسماه الرئيس ترامب أمن المنطقة ويحّد من سلوك إيران المؤذي في العراق وسوريا ولبنان واليمن ويوقف دعمها للإرهاب.

ومع ذلك الإعلان ومع تزايد الخناق الاقتصادي إلا أن إيران تمكنت من تحقيق مزيد من النفوذ والسطوة في العراق،ويمكن لأي مستقرء للأحداث العراقية أن يحدد ذلك النفوذ بالتالي:

أولاً: نجاح إيران في  تشكيل حكومة عراقية مؤيدة لها بنسبة كبيرة جداً،  فرئيس الجمهورية برهم صالح، عضو في الاتحاد الوطني الكردستاني وهو حزب مواليّ بدرجة كبيرة لطهران، وكان يرأسه الرئيس العراقي الأسبق الراحل جلال طالباني (توفي 2017).

وكذلك رئيس الوزراء عادل عبد المهدي الذي جاء بإتفاق إيراني مع أصحاب الأغلبية البرلمانية من الشيعة، وحظيّ بموافقة من البرلمان دون أن يكون قد حقق مطلباً نص عليه الدستور العراقي وهو أن تشكل الكتلة الأكبر في البرلمان العراقي الحكومة، أما رئيس البرلمان محمد الحلبوسي والمفترض أن يمثل السنّة العرب فقد جاء بترشيح من كتلة الحلّ المنضوية تحت جناح كتلة الفتح التي تمثل فصائل الحشد الشيعي التي تدين بالولاء للمرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي.

ثانياً: مازالت إيران تمارس دوراً كبيراً في صياغة السياسة الداخلية والخارجية العراقية، فتوجهات رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي وهو المسؤول الأول في العراق، يقوم بتنفيذ كل ماتطلبه إيران، فالرجل سبق وان عمل لفترة طويلة في إيران تحت قيادة المجلس الأعلى للثورة الإسلامية بقيادة محمد باقر الحكيم (أغتيل في النجف عام 2003)، وعنصر  فاعل في قوات بدر التي كانت تقاتل الجيش العراقي إبان الحرب  العراقية-الإيرانية في ثمانينيات (1980 – 1988)، القرن الماضي، وله حظوة ونفوذ عند الإيرانيين، ومن المؤكد أنه لايستطيع أن يخرج من دائرة التأثير الإيراني الآن في ظل ظروف حاجة إيران للعراق كرئة ومتنّفس بالضد من العقوبات.

ثالثاً: نجحت إيران في تجيير تأسيس الحشد الشيعي لمصلحتها، فقد حولته إلى أداة عسكرية مهمة تضاف إلى أدواتها الأخرى التي تستثمرها في مواجهة الوجود الأمريكي والعربي في العراق، فقد استخدمت الحشد الذي يبايّع عدد من فصائله المرشد الإيراني علي خامنئي، فضلاً عن خضوع هذه الفصائل في التوجيه والإدارة والأشراف لأوامر قائد قوة القدس قاسم سليماني.

وهنا يمكن الإشارة إلى تصريحات قادة  فصائل متعددة  من الحشد الشيعي عن كونها تديّن بالولاء والطاعة لإيران دون غيرها، وهي تعلن أنها تسلمت السلاح والدعم اللوجستي والتدريب من قادة في الحرس الثوري، ولايمكنها أن تنفصل عن إيران حتى وأن تم دمجها في القوات الأمنية العراقية.

ومعروف عن هذه القوات أنها تأسست منذ البداية على يد الحرس الثوري أو المخابرات الإيرانية (الإطلاعات)، كما هو حال فيلق بدر الذي أسس عام 1982 في إيران، ومن ثم تحول جزء منه للعمل السياسي بعد 2003 وسمى نفسه (منظمة بدر  ويرأسه هادي العامري) - شديد الولاء لإيران -، وعصائب أهل الحق التي يقودها قيس الخزعلي، وقد تاسست بعد انشقاقها عن جيش المهدي 2006، وحزب الله العراقي الذي يشرف عليه جمال جعفر الإبراهيمي المعروف بـ (أبو مهدي المهندس)كما يشرف عليه عدد من قادة الحرس الثوري وضباط من حزب الله اللبناني. وفصائل أخرى أقل حجماً وتأثيراً على الصعيد العسكري، ولكنها مؤثرة على صعيد توفير الأموال للحرس الثوري ككتائب الأمام علي التي يتزعمها شبل الزيدي "الموضوع على قائمة الإرهاب الأمريكية".

هذه القوات تعلن بمناسبة أو بدونها أنها مستعدة لقتال القوات الأمريكية المنتشرة في عدد من القواعد العسكرية بالعراق بالوكالة عن إيران من أجل طردها من العراق،كما انها دفعت نوابها الموجودين في البرلمان للعمل على تشريع قانون يطالب بطرد القوات الأمريكية من العراق.

بالإضافة إلى وجود مؤشرات أن هذه الفصائل والكتائب تعمل بجد من أجل ديمومة الطريق الذي يربط إيران بلبنان عبر العراق وسوريا.

رابعاً: وليس بعيداً عما تقدم، فقد نجحت إيران في استمالة عدد كبير من العرب السنّة في البرلمان العراقي، وكذلك في عدد من الوزارات والدوائر المهمة، من أجل التحشيد بالضد من الولايات المتحدة، بل وذهبت أبعد من ذلك؛ إذ تشيّر المعلومات المتوفرة لدينا من مصادر متعددة، أن إيران تسعى عبر عدد من وكلائها السنّة إلى إعادة نشاط بعض من الفصائل السنيّة المسلحة التي سبق لها وأن قاتلت الجيش الأمريكي بعد نيسان/  أبريل 2003، وانها قد حققت أختراقاً مهماً بهذا الصدد.

حيث قدمت وعوداً بدعم مالي كبير، فضلاً عن مناصب ووظائف في عدد من الوزارات والدوائر المهمة، وتسويات قضائية لعدد من المطلوبين من قادة وعناصر هذه الفصائل.

خامساً: نجحت إيران في تسخير العراق لخدمتها على الصعيد الدبلوماسي الخارجي، فقد تحفظ العراق في كثير من الاجتماعات العربية والإقليمية والدولية على قرارات بالضد من إيران ووكلائها، من ذلك تصنيف جامعة الدول العربية حزب الله اللبناني كمنظمة إرهابية ، كما أنه تحفظ في القمة العربية الطارئة التي عقدت في مكة نهاية مايو 2019 على بيان القمة، والذي ندد بتدخل إيران في شؤون الدول الأخرى.

كذلك لم ينظّم العراق لجهود الولايات المتحدة لإنشاء منظومة تحالف دولي وإقليمي تقود جهود حماية الملاحة البحرية في الخليج العربي ومضيق هرمز وباب المندب من أي هجمات إيرانية.

فضلاً عن تسخير السفارات والهيئات الدبلوماسية والمنظمات العراقية الدولية الأخرى لخدمة الجهود الإيرانية في الخارج.

سادساً: يمثل العراق رئة إيران الاقتصادية والمالية، بعد إيقاف التعاملات المالية حسب نظام (سويفت) الدولي، فالعراق يستورد بما حجمه (4) مليارات دولار سنوياً، فضلاً عن توريدات معدات وأجهزة وسيارات بقيمة تصل إلى (8) مليار  دولار سنوياً، وتطمح إيران للوصول بالتبادل التجاري إلى مبلغ يتجاوز (20) مليار دولار سنوياً.

كما نجحت إيران في إعفاء زوارها للمراقد الدينية في العراق من رسوم الدخول للعراق، وهو مكسب اقتصادي مهم بالنسبة لإيران، كونه يحرر ملايين الإيرانيين من تكاليف باهضة للعوائل الفقيرة في إيران والتي ترغب بزيارة الأضرحة الدينية.

بالمقابل فأن إيران تواجه عدة عقبات تمنعها من تحقيق كامل أهدافها في العراق، وهذه العوائق وأن كانت بالمنظور العام ليست مؤثرة على مسار التمدد الإيراني إلا أنها باتت تشكل عقدة قد تستعصي الحلّ إذا ماطال أمد العقوبات وأزداد الخناق الأمريكي عليها، ومن هذه العوائق:

أولاً: أن حكومة عادل عبد المهدي قد تكون غير قادرة على الاستمرار بإداء واجباتها بالشكل المطلوب مع تصاعد النقمة الشعبية لحجم الفقر المتزايد وانعدام الوظائف، وعدم قدرة الحكومة على توفير الخدمات للمواطنين، وخصوصاً مياه الشرب، والكهرباء، ومنتجات الطاقة التي تسد بها حاجة السوق.

فضلاً عن حجم الفساد المستشري في مؤسسات الدولة العراقية والذي يعيق من محاولات إصلاح النظام المالي والمؤسساتي للدولة.

وهذا مايقود لإسقاط الحكومة الحالية والآتيان بحكومة قد لاتكون مضمونة الجانب بالنسبة لإيران خصوصاً في ظل ظروفه الحالية الحرجة.

ثانياً : قد تضطر إيران لإيقاف تمويلها لوكلائها وأدواتها في المنطقة بسبب وضعها المالي، ولكونها تحت المجهر خصوصاً في مجال دعمها للإرهاب، وإصدار الولايات المتحدة لوائح بعدد من تلك المنظمات والأشخاص الذين يعملون لصالح إيران، مما يحد من قدرة تأثير إيران لدى هذه التنظيمات.

ثالثاً: تعرض الفصائل المؤيدة لإيران لقصف من طيران مجهول المصدر كما أعتادت على نقله تلك الفصائل، فلا دليل يربط الطائرات بكل من الولايات المتحدة أو إسرائيل، وثمة متغير جديد هو دخول المملكة العربية السعودية على الخط بعد قصف إيراني لمنشآت نفطية سعودية تابعة لشركة أرامكو النفطية، وربما ان هناك أطراف أخرى في المنطقة قد تقوم بممارسة نفس الدور في ضرب مقرات وعناصر تلك الفصائل في العراق وسوريا، وإبقاء الموضوع في المنطقة الرمادية، وفي إطار التكهنات، وهو نفس الأسلوب الذي تستخدمه إيران في مواجهتها مع الولايات المتحدة والسعودية والإمارات.

رابعاً: قد تلجأ الولايات المتحدة والدول العربية المعارضة للوجود الإيراني في العراق إلى فتح مواجهة حقيقية مع الفصائل العراقية الشيعية المسلحة، من خلال إعادة إحياء دور المسلحين السنّة عبر تسليحهم وتدريبهم، للدخول في حرب عصابات صعبة على الميليشيات، وتقطع على إيران طريقها الموصول بسوريا ولبنان عبر العراق.

ختاماً يبقى الرهان بالنسبة إيران معقوداً على قدرتها على الصمود في وجه العقوبات الأمريكية، وتحريك مؤيديها في العراق للدفع بهم إلى مواجهة حقيقية مع القوات والقواعد الأمريكية في البلاد، ومحاولة إصدار تشريعات لطرد القوات الأمريكية من العراق، وهو أمر  قد يصعب تحقيقه في ظل الإصرار الأمريكي على زيادة فاعلية العقوبات وحثّ حلفائها على التقيّد بها، والهدف هو جرّ إيران إلى طاولة المفاوضات بالشروط الأمريكية.

وكذلك محاولة طهران تحقيق أكبر استفادة مالية من العراق عبر قوة وفاعلية التأثير الذي تمتلكه ولايمتلكه خصومها في ذلك البلد.

 

* باحث في الشأن الإيراني