وضع الرئيس الأميركي دونالد ترامب إيران تحت الترقب القلق بعدما أوقف ضربة عسكرية كانت مجهزا لها بعد أن أسقطت القوات الإيرانية طائرة استطلاع أميركية مسيرة.
وعزت مصادر عسكرية غربية إيقاف الضربة الأميركية المقررة إلى عدم رغبة ترامب في استعجال ضربة لإيران بحجم ضربته لسوريا، كي لا ترسل الرسائل الخطأ لطهران والمنطقة وتنتهي النتائج لصالح طهران. وقالت إن ترامب يتريث لتحديد خياراته في ظل أجواء تصعيد متبادل.
وقال البيت الأبيض إن ترامب تحدث أمس الجمعة مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بشأن "ضمان الاستقرار في الشرق الأوسط وفي سوق النفط العالمية، كما ناقشا أيضا التهديد الذي يشكله السلوك التصعيدي الذي ينتهجه النظام الإيراني".
وتوحي مؤشرات على الأرض بصدام وشيك بين الولايات المتحدة وإيران بالرغم من تصريحات ترامب التي أعلن فيها أنه أوقف قبل دقائق من التنفيذ أوامر باستهداف مواقع إيرانية، وهي تصريحات ينظر إليها على أنها مخاتلة ولا تعبر عن حقيقة القرار الأميركي الذي تتوزعه دوائر قرار مختلفة ويسيطر عليه الصقور بالدرجة الأولى.
ويقول دبلوماسيون ومحللون سياسيون إن ترامب وضع إيران تحت ضغط الانتظار القلق، هل سترد واشنطن عمليا على إسقاط إيران لطائرة استطلاع أميركية، أم سيظل الأمر مؤجلا إلى وقت يكون ملائما بالنسبة إلى البيت الأبيض؟
وقال ترامب الجمعة إنه أوقف ضربة عسكرية جرى إعدادها ضد إيران لأن الرد لم يكن ليأتي متناسبا مع إسقاط طهران لطائرة استطلاع أميركية مسيرة غير مأهولة، مضيفا أنه فرض المزيد من العقوبات على طهران في وقت متأخر من مساء الخميس.
وكشف ترامب في سلسلة تغريدات في الصباح الباكر "كنا مستعدين للرد (بضرب) ثلاثة مواقع وعندما سألت عن عدد القتلى الذين سيسقطون. (فكان الرد) 150… هذا الرد جاء من أحد الجنرالات".
وتابع "أوقفت الهجوم قبل موعده بعشر دقائق، لم يكن متناسبا مع إسقاط طائرة مسيرة غير مأهولة، لست في عجلة من أمري".
ومن جانب آخر ذكرت صحيفة نيويورك تايمز نقلا عن مسؤول كبير في إدارة ترامب أن الطائرات الحربية الأميركية حلقت في الجو وأن السفن اتخذت مواقعها، قبل أن يصدر لها أمر بإلغاء العملية، دون إطلاق أي نيران.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين كبار بالإدارة شاركوا في المناقشات أو اطلعوا عليها قولهم إن الأهداف شملت أجهزة رادار وبطاريات صواريخ.
ويعتقد خبراء عسكريون أن تصريحات ترامب تثير شكوكا بشأنها، خاصة أن الهجوم الأميركي كان متوقعا قبل حادث إسقاط الطائرة، وأن إدارة ترامب أرسلت حشودا عسكرية وجنودا إلى الشرق الأوسط في رسالة واضحة بأنها لن تتسامح بشأن تهديد أمن الملاحة، وكذلك أمن حلفائها في المنطقة.
ويميل الخبراء إلى أن ترامب ربما أراد صرف الأنظار عن الهجوم الأميركي بانتظار اختيار اللحظة المناسبة. لكنهم حذروا من أن هذا القرار إذا كان جديا، فإنه سيمثل ضربة قوية للنفوذ الأميركي في الشرق الأوسط على المدى الطويل كما يفتح الباب واسعا للتغول الإيراني.
وتقول مصادر دبلوماسية في العاصمة الأميركية إن وقف الهجوم في آخر لحظة كان بسبب موافقة إيرانية متأخرة على شروط ترامب بشأن أمن الملاحة، وأن واشنطن حصلت على الموافقة الإيرانية من بوابة سلطنة عمان، وأن نفي طهران لوجود رسائل عبر مسقط أسلوب معهود لدى الإيرانيين الذين لا يثقون إلا في القناة العمانية لتمرير رسائلهم.
وقال مسؤولان إيرانيان لرويترز الجمعة إن طهران تلقت رسالة من ترامب عبر سلطنة عمان للتحذير من هجوم أميركي وشيك على إيران لكنه قال إنه يعارض الحرب ويريد إجراء محادثات بشأن عدد من القضايا.
وجاءت الأنباء عن الرسالة، التي نقلتها سلطنة عمان خلال الليل، بعد نشر صحيفة نيويورك تايمز تقريرا أفاد بأن ترامب وافق على شن ضربات جوية على إيران الجمعة.
وذكر أحد المسؤولين طالبا عدم ذكر اسمه أن "ترامب قال في رسالته إنه ضد أي حرب مع إيران ويريد إجراء محادثات مع طهران بشأن عدد من القضايا".
ومن الواضح أن توقف الهجوم في آخر لحظة لم يكن قرارا اعتباطيا ولا شخصيا من ترامب، وخاصة أن القرار في اللحظات الحاسمة يتم تنسيقه عبر دوائر نفوذ مختلفة، ومن ضمنها المستشارون المحيطون بترامب مثل مستشار الأمن القومي جون بولتون، ووزير الخارجية مايك بومبيو، والسيناتور ليندسي غراهام.
ويعتقد دبلوماسيون غربيون أن التراجع قد يكون بسبب تنازلات إيرانية، وربما أيضا كخطوة ذكية من ترامب الذي تجنب تنفيذ ضربات الجمعة، وهو يعرف أن التظاهرات ستكون جاهزة في إيران ودول أخرى تدعمها.
كما أن واشنطن تريد الحصول على تفويض دولي في مسعاها لإجبار طهران على الالتزام بأمن الملاحة والكف عن إثارة الخلافات والصدامات في المنطقة بشكل مباشر أو عبر وكلائها، وهو ما يفسر قرارها بالتوجه إلى مجلس الأمن.
وقال دبلوماسيون إن الولايات المتحدة طلبت من مجلس الأمن الدولي عقد جلسة مغلقة بشأن إيران يوم الاثنين.
وقالت البعثة الأميركية لدى الأمم المتحدة في مذكرة لأعضاء المجلس "سنطلع المجلس على أحدث التطورات في ما يتعلق بإيران ونقدم المزيد من المعلومات بناء على تحقيقنا في وقائع ناقلات النفط التي حدثت مؤخرا".
ولا يخفي الخطاب الرسمي الإيراني، الذي يتسم بالصراخ، سعي طهران للتهدئة، وفضلا عن القناة العمانية، لجأت إيران إلى سويسرا لتأكيد أنها لا تريد الحرب، في خطوة هادفة إلى تأجيل قرار المواجهة الذي كان جاهزا على طاولة ترامب، ولو من باب اللعب على الوقت.
وفي اتصال هاتفي طارئ، أبلغ مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية عباس عراقجي الولايات المتحدة رسالة عبر سفير سويسرا التي تتولى رعاية المصالح الأميركية في إيران منذ عام 1980.
وقال عراقجي إن بلاده "لا تدعو إلى الحرب والاشتباك" في المنطقة، محذرا في الوقت نفسه من "أي خطوة غير مدروسة من جانب القوات الأميركية".
وتعكس ردود الفعل الدولية المختلفة، التي تحث على التهدئة واعتماد الحوار بدل الصدام، حصول قناعة لدول ذات نفوذ ووزن، مثل روسيا والصين والهند وألمانيا وفرنسا، بأن التصعيد حتمي، وقد تكون حصلت على معلومات مباشرة من إدارة ترامب.
وقال بيان للبحرية الهندية، إنها أرسلت السفينتين الحربيتين "تشناي" و"سونيانا"، إلى خليج عمان والخليج العربي، لتأمين السفن التي ترفع علم الهند وتمر في المنطقة أو تقوم بمهام بها، بعد التطورات المتعلقة بالأمن البحري التي شهدتها المنطقة.
وأضاف البيان أن طائرات تابعة للبحرية الهندية ستراقب الموقف من الجو في خليج عمان والخليج العربي.
وحولت بعض شركات الطيران في ألمانيا وبريطانيا وهولندا والإمارات مسارات رحلاتها لتفادي المجال الجوي الذي تسيطر عليه إيران فوق مضيق هرمز وخليج عُمان بعد أن أصدرت إدارة الطيران الاتحادية الأميركية أمرا طارئا يحظر على شركات الطيران الأميركية التحليق فوق المنطقة حتى إشعار آخر.