ينطلق قارب إيراني بلا قائد بأقصى سرعة يقفز فوق الأمواج ثم يصطدم بحاملة طائرات أميركية لتتصاعد كرة نار برتقالية وأعمدة من الدخان.
كانت هذه المحاكاة لهجوم على سفينة حربية أميركية جزءا من مناورات بحرية موسعة نفذها الحرس الثوري الإيراني عام 2015 وشاركت فيها عشرات الزوارق السريعة والسفن التي تطلق الصواريخ وطائرات الهليكوبتر. وأذيع تسجيل فيديو لها على التلفزيون الحكومي على مدار ساعات.
يساور المسؤولين الأميركيين القلق من أن تكون إيران نقلت هذه الخبرة القتالية البحرية لوكلاء يقاتلون لحسابها بالمنطقة تحملهم واشنطن المسؤولية عن هجمات على أربع ناقلات نفط قبالة ساحل الإمارات يوم الأحد.
ونفى مسؤولون إيرانيون أي صلة لبلادهم بالأمر وقالوا إن أعداءها شنوا الهجمات تمهيدا لحرب على الجمهورية الإسلامية.
ولم ترد إيران على مسألة تدريب وكلائها لكنها نبهت إلى أن حلفاءها بالمنطقة يملكون من السلاح والقدرة ما يمكنهم من استهداف الأعداء إذا واجهت المصالح الإيرانية تهديدا.
وزاد التوتر بين إيران والولايات المتحدة التي أرسلت المزيد من القوات العسكرية إلى الشرق الأوسط بما في ذلك قاذفات بي-52 وصواريخ باتريوت في استعراض للقوة في ظل ما يقول مسؤولون أميركيون إنها تهديدات إيرانية لقوات الولايات المتحدة ومصالحها في المنطقة.
وفي العام الماضي انسحب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي الذي أبرم عام 2015 وأعادت الولايات المتحدة فرض العقوبات لوقف صادرات النفط الإيراني. حظيت الخطوة بتأييد السعودية والإمارات وقال البلدان إنهما سيزيدان من إنتاج النفط للحفاظ على استقرار الأسعار.
وفي الشهر الماضي صنفت واشنطن الحرس الثوري الإيراني "تنظيما إرهابيا أجنبيا" والذي هدد بإغلاق مضيق هرمز، الذي يمر عبره خمس استهلاك العالم من النفط، إذا لم تتمكن إيران من تصديره.
وبدأت السفارة الأميركية في بغداد إجلاء بعض الموظفين غير الأساسيين هذا الأسبوع لقلقها على ما يبدو مما تصفها الولايات بتهديدات من إيران.
يقول نورمان رول وهو ضابط كبير سابق بوكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي.آي.إيه) ويتمتع بخبرة في قضايا الشرق الأوسط "إيران تقوم بأفعالها بطريقة يفهم العالم أنها من عمل إيران لكنها لا تصل إلى حد أن يبرر المجتمع الدولي قيامه برد فعل. بهذه الطريقة تنسب الأفعال لها لكن يمكن إنكارها".
وأضاف "الهجمات على ناقلات النفط تصنع دعاية هائلة لإيران وترفع أسعار النفط. ارتفاع الأسعار له تأثير مباشر وإن كان مؤقتا على اقتصادات الصين وغرب أوروبا وتعتقد إيران على الأرجح أن هذا سيجبرها على الضغط على الولايات المتحدة لتقديم تنازلات تفاديا لوقوع هجمات من هذا النوع مستقبلا".
وجاءت الهجمات على ناقلات النفط يوم الأحد بعد هجوم بطائرات مسيرة على محطتين لضخ النفط تابعتين لشركة أرامكو السعودية يوم الثلاثاء وهو ما زاد أسعار النفط العالمية التي قفزت بنسبة تقترب من أربعة في المئة بحلول يوم الخميس.
وقالت الإمارات إن تحقيقا يجري في الهجمات التخريبية وتعهدت بضبط النفس ومنع التصعيد خلال ما وصفته بأنه "موقف صعب" نتج عن السلوك الإيراني في المنطقة.
ووجهت السعودية الاتهام لإيران بإصدار الأوامر بتنفيذ هجوم الطائرات المسيرة على خطوطها النفطية.
وكان الحوثيون، المتحالفون مع إيران ويحاربون التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن منذ أربع سنوات، قد أعلنوا المسؤولية عن الهجوم في وقت سابق.
يقول مراقبون من أصحاب الخبرة العسكرية والمخابراتية إن الأساليب المستخدمة في الهجمات على الناقلات قبالة ساحل الإمارات ليست متطورة كثيرا.
ووفقا للمراقبين فإن السفن ربما لحقت بها تلفيات بسبب ألغام طافية أو ممغنطة وضعها فريق غواصين.
وقال حسين عريان المحلل العسكري الذي خدم لمدة 18 عاما في البحرية الإيرانية قبل الثورة الإسلامية وبعدها إن إيران لديها بحارة مخضرمون يمكن أن ينفذوا هذا النوع من العمليات أو ربما أوكلوا المهمة لقوى محلية يحتمل أن تكون جماعة الحوثي.
وأضاف "كنا نتدرب كثيرا. إنه تدريب عام. تضع لغما لاصقا وتعطل سفينة العدو".
ومضى قائلا "إيران لديها بحارة متمكنون للقيام بذلك. إما أن ترسل رجالها أو ترسل شخصيات مهمة لمساعدة السكان المحليين على القيام بذلك. كان ذلك هدفا سهلا".
ومن الممكن أن يكون قارب بلا قائد مثل الذي استخدمته إيران في المناورات عام 2015 استخدم في الهجمات.
يقول مسؤولون ومراقبون إن إيران تنقل هذه الخبرات البحرية للقوات العسكرية المتحالفة معها.
قال مسؤول من التحالف الذي تقوده السعودية طالبا عدم نشر اسمه "إن إيران تصدر الخبرة الفنية المرتبطة بزوارق وطائرات مسيرة".
وأشار المسؤول إلى أن ما يصل إلى 50 عضوا من جماعة حزب الله اللبنانية ومن الحرس الثوري يدربون ويقدمون المشورة لمقاتلين من جماعة الحوثي.
وقال مصدر أمني سعودي إن قوات جماعة الحوثي تستطيع الآن إطلاق طائرات مسيرة من زوارق في البحر.
والتوترات بين إيران والقوات الأميركية بالخليج ليست بجديدة، ففي أواخر الثمانينيات وقع اشتباك بين البحريتين الأميركية والإيرانية بعد اتهام إيران بزرع ألغام في ممرات ملاحية.
ومنذ ذلك الحين، يحاول الحرس الثوري توجيه رسالة بشأن قوته البحرية وذلك بالقيام بعمليات وتدريبات عسكرية منتظمة بالخليج. واحتجزت البحرية التابعة للحرس الثوري عسكريين بريطانيين عامي 2004 و2007، وعشرة من البحارة الأميركيين في عام 2016. وأفرجت إيران عنهم جميعا في النهاية.
وفي السنوات الأخيرة، نفذ الحرس الثوري مهام خارج الخليج. وقامت قوات خاصة من البحرية التابعة للحرس الثوري بعمليات لمكافحة القرصنة على مدار أربعة أشهر تقريبا في خليج عدن عام 2012، وذلك وفقا لما قاله قائدهم آنذاك لوكالة فارس للأنباء.
وأظهرت أيضا قوات عسكرية تلقت تدريبا أو تسليحا من الحرس الثوري مهاراتها القتالية البحرية.
وفي الحرب بين إسرائيل ولبنان عام 2006، ضربت جماعة حزب الله سفينة حربية إسرائيلية بصاروخ مما أسفر عن مقتل أربعة بحارة إسرائيليين.
ونفذت قوات الحوثي باليمن سلسلة هجمات على ناقلات نفط سعودية العام الماضي مما أدى إلى تعليق مؤقت لصادرات النفط السعودية عبر مضيق باب المندب.
وقال إبراهيم الأمين، الذي شارك في تأسيس صحيفة الأخبار المؤيدة لحزب الله، إن التوترات بين إيران والولايات المتحدة إذا تحولت إلى صراع مفتوح فإن كل حلفاء الجمهورية الإسلامية وعدوتها إسرائيل سينجرون على الأرجح إلى حرب إقليمية.
وقال إن إيران ستتلقى دعما من قوات في أفغانستان وسوريا والعراق ولبنان.
وأضاف الأمين أنه حتى لا يلتبس الأمر على أحد أو أن يتصرف وكأنه لا يعرف طبيعة المواجهة، فإن حزب الله سيكون في قلب هذه المعركة.