رفضت الحكومة العراقية تصنيف الحرس الثوري الإيراني منظّمة إرهابية، من قبل الولايات المتحدة الأميركية في موقف بدا انعكاسا لنفوذ قوى عراقية ذات علاقة قوية بإيران داخل مؤسّسات الدولة العراقية، ولقدرتها على توجيه القرار العراقي سواء تعلّق الأمر بالسياسات الداخلية للعراق أو بسياساته الخارجية وعلاقاته بباقي الدول.
ومن تلك القوى العراقية وقياداتها من له صلات مباشرة مع الحرس الثوري الإيراني، على غرار العلاقة الوطيدة التي تجمع قادة فصائل شيعية مسلّحة بقائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني، وقد ظهر في وثائق مصوّرة إلى جانب هؤلاء القادة بصدد إدارة عمليات ميدانية على الأراضي العراقية أثناء الحرب ضد تنظيم داعش.
ولم يقتصر سليماني على لعب أدوار أمنية في العراق، بل كانت له أدوار سياسية من أعلى مستوى، حيث ساهم في تحديد شكل الحكومة العراقية الحالية ومنح رئاستها لعادل عبدالمهدي بدلا من تجديد ولاية رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي غير الموثوق فيه إيرانيا.
وتعليقا على القرار الأميركي بتصنيف الحرس الثوري الإيراني على لوائح الإرهاب، صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية العراقية أحمد الصحاف، الأربعاء، بأن المنطقة بحاجة إلى قرارات تساهم بتعزيز الاستقرار فيها.
وأضاف في بيان صحافي “أن قرار الولايات المتحدة الأخير بشأن الحرس الثوري الإيراني لا يأتي في سياق تعزيز الاستقرار”.
ويمكن لهذا التصنيف أن يشكّل قيدا للنفوذ الإيراني في العراق إذ تضع تلك الخطوة تحركات قاسم سليماني على الأراضي العراقية في دائرة الضوء وتضع من يتعامل معه تحت طائلة فرض عقوبات أميركية.
ويَنظر الساسة العراقيون إلى سليماني بصفته ممثلا فوق العادة لمرشد إيران علي خامنئي، الذي يعد القائد الروحي لقوات الحرس الثوري، ذائعة الصيت في المنطقة.
واعتاد سليماني الظهور في العراق كثيرا، لاسيما خلال الحرب ضد تنظيم داعش بين 2015 و2018، إلى جانب زعماء فصائل عراقية مسلحة، ونواب في البرلمان العراقي، كما شارك في إدارة مفاوضات شاقة انتهت إلى تسمية عادل عبدالمهدي رئيسا للوزراء. لكن القرار الأميركي سيدفع العراقيين إلى الحذر لدى التعامل مع الجنرال الإيراني.
وجاء القرار الأميركي في وقت يشهد جدلا إيرانيا داخليا بشأن إدارة الملف العراقي، إذ يتبع خامنئي نهجا متشددا يقوم على ضرورة ولاء العراق الكامل لإيران، فيما يحاول الرئيس الإيراني حسن روحاني إبداء قدر من الاحترام لنظرائه العراقيين.
ويعتقد مراقبون أن تصنيف الحرس الثوري منظمة إرهابية سيعزز حضور روحاني في الملف العراقي، بصفته البديل المناسب لخلافة سليماني.
واعتادت المؤسسة السياسية الرسمية في إيران أن يكون تعاملها مقتصرا على نظيرتها العراقية، إذ لم يسبق أن أشار روحاني إلى أي صلات رسمية إيرانية بجماعات عراقية مسلحة.
ومن جهتها، لن تجد الجماعات العراقية المسلحة، التي ترتبط بصلات عقائدية مع خامنئي وقادة الحرس الثوري الإيراني، كعصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي ومنظمة بدر بزعامة هادي العامري وكتائب الإمام علي بزعامة شبل الزيدي، وغيرها، في روحاني الإصلاحي ذي النهج المعتدل شريكا يتفهم ظروف وجودها وآليات عملها، وفقا لخبراء.
وكشف رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي عن جهود قام بها العراق لمنع القرار الأميركي بشأن الحرس الثوري الإيراني.
وقال عبدالمهدي “حاولنا إيقاف القرار الأميركي بإدراج الحرس الثوري الإيراني ضمن المنظمات الإرهابية، وقلنا إن مثل هكذا قرارات ستكون لها مردودات سلبية على العراق والمنطقة، لكن الأميركيين ساروا بهذا القرار”.
وتلقت الأوساط السياسية في بغداد إشارات عبدالمهدي بوصفها تحذيرا من نزاع مسلح يمكن أن يندلع بين إيران والولايات المتحدة على الأراضي العراقية.
وكان قائد الحرس الثوري الإيراني محمد علي جعفري قال إن “الجيش الأميركي لن ينعم بالهدوء في غرب آسيا بعد الآن” تعليقا على القرار الأميركي. ووفقا لمراقبين، فإن إيران إذا ما أرادت الرد على القرار الأميركي ضد الحرس الثوري، فإنها لن تجد أفضل من العراق.
ويرتبط كثير من زعماء الجماعات العراقية المسلحة والنواب في البرلمان العراقي بعلاقات وثيقة مع الحرس الثوري. وتتمثل العلاقات بالشراكة العسكرية في العراق وسوريا، وما يتصل بها من أعمال تجارية في البلدين.
وبعد القرار الأميركي، لن يكون بمقدور “أصدقاء الحرس الثوري” في العراق، إدامة أنشطتهم التجارية مع هذه المؤسسة الشبكية، التي تدير أعمالا اقتصادية واسعة في العراق وسوريا، ناجمة عن نفوذها الكبير في المؤسسات الرسمية لهذين البلدين. وعلى سبيل المثال، يقر زعيم حركة عصائب أهل الحق، قيس الخزعلي، بأن ظروفه الأمنية تمنعه من زيارة أي بلد سوى إيران.
وتقول مصادر مطلعة إن قادة جماعات عراقية مسلحة يدرسون الآثار المحتملة للقرار الأميركي على مصالحهم، وربما يلجأون إلى الحد من تواصلهم مع الحرس الثوري حاليا، لحين التوصل إلى طريقة تعامل تجنبهم الأضرار.