Skip to main content

هل تندحر إيران في العراق ثانية؟

صورة للقائد الأعلى للقوات المسلحة الإيرانية محمد باقري (ثاني شخص من اليسار) وإلى جانبه عدد من قادة الحرس الثوري في مؤتمر صحفي
AvaToday caption
وبعد الانتخابات التشريعية لعام 2005، وخدعة "القائمة المغلقة" التي وصل من خلالها 25 نائباً إلى "المجلس الوطني العراقي" وهم يحملون الجنسية الإيرانية، ولقد شاركوا بانتخابات بلدهم من خلال سفارتهم في بغداد
posted onFebruary 20, 2019
nocomment

عماد الدين الجبوري

بعد أن سحبت الولايات المتحدة الامريكية رسميًا جميع قواتها من العراق أوآخر عام 2011، حيث فشلت زمرة المحافظون الجدد بإدارة جورج بوش (2001-2009) بفرض الحل السياسي عبر استخدام القوة العسكرية. حيث تصدى الغيارى من ابناء العراق في مقاومة المحتل، وهذا ما تجيزه الشرائع السماوية والقوانين الوضعية. بيد أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما (2009-2017) الذي اتخذ سياسة النأي بالنفس من ناحية، ومن ناحية أخرى ميوله الواضحة نحو إيران، إذ ترك لها الحبل على الغارب لتغرس مخالبها بأرض الرافدين، وتتمدد بمشروعها الطائفي والإرهابي بعدة بلدان عربية. وجاء الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترمب (2017-) ليقدم نهجًا مختلفًا عن سابقيَه تجاه النظام الإيراني الذي لم يتوقف عن زعزعة منطقة الشرق الأوسط قط.

لقد اندحرت إيران في حربها ضد العراق ما بين (1980-1988)، وكان اعتراف الخميني (1900-1989) بتجرعه السم الزعاف وهو يوافق على قرار "مجلس الإمن" رقم 589 في 20 تموز/يوليو 1987، حيث لم تمهله غير عشرة أشهر ليموت وهو لم يحقق اهدافه التوسعية عبر ما اسمها "تصدير الثورة".

وبما أن ميزان السياسة لا يعرف الاستقرار جراء التنافسات والصراعات والمستجدات، لذا مالت كفة الميزان في المنطقة لصالح النظام الإيراني بعدما غزت الولايات المتحدة الامريكية العراق، ودخلت قواتها إلى بغداد في 9 نيسان/ابريل 2003. ولقد اعترف أكثر من مسؤول إيراني كبير مثل: هاشمي رفسنجاني، محمد أبطحي، حميد رضائي وغيرهم، بأن إيران كان لها دورًا خفيًا في مساعدة الولايات المتحدة باحتلال العراق.

وفي الفترة الممتدة ما بين  (2003-2005) عمل النظام الإيراني في مد نفوذه، وذلك عبر مسالك متعددة ومتنوعة: سياسية واجتماعية ودينية وسياحية واقتصادية وتجارية الخ، منها شركات وجمعيات ومراكز تمويهية لاغراض سرية تهدف إلى تحقيق المرحلة القادمة من المخطط الإيراني المرسوم في الهيمنة الرئيسة على مقدرات العراق أرضًا وشعبًا.

وبعد الانتخابات التشريعية لعام 2005، وخدعة "القائمة المغلقة" التي وصل من خلالها 25 نائباً إلى "المجلس الوطني العراقي" وهم يحملون الجنسية الإيرانية، ولقد شاركوا بانتخابات بلدهم من خلال سفارتهم في بغداد. ناهيك بالكلام عن الكتلة السياسية الموالية لإيران. وما بين (2006-2007) كان سعير النزعة الطائفية ودمويتها قد نال من العرب السّنة نيلًا وبيلًا لا يضاهيه إلا ما جرى لهم على أيدي الصفويين قبل أربعة قرون. حيث تحول النفوذ الإيراني إلى هيمنة وجودية بتوافق امريكي. وفي هذه الفترة تم اندماج الميليشيات الطائفية في صفوف قوات الجيش والشرطة والأمن والاستخبارات، واعتبرت الولايات المتحدة عملية "الدمج" شأنًا داخليًا. وهكذا كان مسلسل: الاختطافات والاعتقالات والتصفيات والتفجيرات والسرقات تجري معظمها في وضح النهار، وكان جميع شهود العيان يؤكدون: أن الافعال تتم عبر أفراد يرتدون ملابس الشرطة، وسيارات تابعة إلى وزارة الداخلية.

هذا وتحول مسلسل الإجرام الميليشي الطائفي (المرتدي للبزّة العسكرية والحماية القانونية) من الأفراد والبيوتات والمحلات إلى هجومات على المُدن في المحافظات ذات الأغلبية من العرب السّنة، وخصوصًا بعدما أصرت إيران على بقاء نوري المالكي في دورة ثانية لرئاسة مجلس الوزراء، رغم خسارته بالانتخابات التشريعية ضد أياد علاوي عام 2010، وتحقق ذلك بسبب ليونة ومرونة الرئيس الامريكي باراك اوباما للنظام الإيراني. ومنذ ذلك التاريخ تحولت الهيمنة الإيرانية إلى احتلال سياسي واقعي. كما وأن المالكي لم يخفي طائفيته البتة، بل كان يجاهر بها علنًا. ولقد أوردت جريدة الغارديان البريطانية على صفحتها الأولى المنشورة بتاريخ 2011.12.14، أن المالكي قد أجاب عن سؤال لأحد الصحفيين، أن يصف نفسه، فقال: إنني أولًا شيعي، وثانيًا عراقي، وثالثًا عربي، ورابعًا عضو في حزب الدعوة. واستغربت الصحيفة وعلقت على قوله: "إنني شيعي أولًا"، بأن: كيف يمكنه الحُكم بهذه العقلية اللاوطنية الطائفية!

ومع تصاعد ممارسات العنف والحيف والظلم الذي أتبعه المالكي عبر قواته الطائفية، لا سيما "قوات سوات"، بحق محافظات العرب السّنة، بدأت عشائر وأهالي تلك المحافظات بالتظاهرات والاعتصامات السلمية والمدنية تعبيرًا عما يلحق بهم من جور واضطهاد. لكن المالكي اتهم سرادق وخيّام تلك الاعتصامات بأنها تؤي الارهابيين، وهددهم بأن ينتهوا أو ينهيهم.

ونفذ المالكي تهديداته، ومن بين أبشع مجازره هي "مجزرة الحويجة" في محافظة كركوك بتاريخ 2013.4.23؛ بعد أن حاصرت قواته في التاسع عشر من ذاك الشهر، نحو خمسة آلاف شخص في "ساحة الغيرة والشرف"، ومنعت عنهم الماء والغذاء والدواء، وكذلك دخول أو خروج الاشخاص. ولقد أسفرت المجزرة عن مقتل 70 شهيدًا، وجرح 1400 فردًا، (الجرحى في مستشفى كركوك، تم اختطافهم ولم يعثروا عليهم). أما الذين نجوا من تلك المذبحة، فقال بعضهم: أن عناصر من القوات المهاجمة كانت تتكلم فيما بينها بلغة إيرانية.

ولقد امتدت مجازر نوري المالكي من كركوك إلى الأنبار ونينوى وديالى وصلاح الدين. وكانت إدارة اوباما تؤيد مذابح المالكي بحجة مكافحة الارهاب. ونتيجة لهذه المآسي المتكررة والاوضاع الكارثية المستمرة، في مطلع عام 2014، ثارت العشائر العربية ضد الظلم والطغيان، وكانت مسنودة بفصائل المقاومة المسلحة. واستطاع ثوار العشائر الاحرار إلحاق الهزائم بالقوات الطائفية، ولقد امتدت هذه  المجالس العسكرية العشارية في تشكيلاتها إلى المحاظات الوسطى والجنوبية ذات الأغلبية من العرب الشيعة. وكان "المجلس السياسي العام لثوار العراق"، انبثق باسطنبول في 4 آذار/مارس 2014، جناحًا سياسيًا لتلك المجالس، (تم إبدال كلمة الثوار إلى الاحرار فيما بعد). وبما أن المد العشائري العربي التحرري وصل إلى اثنتي عشرة محافظة، تم الالتفاف على ثورة العشائر العربية، وبطريقة انقلبت فيها الموازين رأسًا على عقب. ففي اليوم الذي دخل فيه مقاتلو "دولة الاسلام في العراق والشام"، المعروفة اختصارًا بكلمة: (داعش)، من سوريا إلى مدينة الموصل مركز محافظة نينوى في 13 حزيران/يونيو 2014، ففي نفس ذلك اليوم أصدر المرجع الأعلى للشيعة علي السيستاني (1930-) فتوى "الجهاد الكفائي" لمجابهة الدواعش.

إلا أن المرجع العراقي العربي آية الله محمود الصرخي الحسني (1964-) دحض فتوى السيستاني، وفي خطبة الجمعة، أشار الصرخي قائلاً: اقسم بالله العلي العظيم إنني مستعد أن أحمل السلاح وأن أذهب لمقاتلة "داعش" شريطة أن يدلني صاحب الفتوى على مكانهم ولو كانوا 10%. وبما إنهم أختلطوا مع الناس، لذا لا يجوز الإفتاء بالقتل.

وكان الصرخي مؤييدًا لثوار العشائر، وضد الهيمنة الإيرانية، ويرفض حمل السلاح ضد العراقيين. ونيجة لذلك، لم يمضي على فتوى الصرخي إلا أيامًا قليلة حتى تعرض في الأول من تموز/يوليو 2014، هو وأتباعه وأنصاره في منطقة "سيف سعد" بمحافظة كربلاء إلى هجوم عسكري بري وجوي عنيف، شنته قوات نوري المالكي "سوات"، بعد أن رخص له السيستاني فعل ذلك. الهجوم أسفر عن سقوط 150 شهيدًا، واعتقال نحو ألف فرد من مقليدي الصرخي في عدة محافظات، مع مشاهد بربرية وحشية مريعة، حيث تم سحل جثث القتلى علنًا في شوارع كربلاء.

رغم أن آلة القتل والتشريد والدمار شملت العرب السّنة ومناطقهم على نحو كبير وأكثر من أي مكون آخر من مكونات المجتمع العراقي، لكن العروبيين من الشيعة، وكذلك من الوطنيين المسيحيين، قد نالهم قسطًا من هذا الفتك والتدمير المقصود في تهديم بنية الشعب العراقي.

أن سياسة الإفراغ المجتمعي ذكوريًا التي اتبعها المالكي، مع استمرارية متواصلة في مسلسل القتل والتفجير والسجون السرية والفساد المالي والإداري، قد أوصلت العراق والعراقيين إلى الحضيض والتردي في كافة المجالات والميادين الحياتية والخدمية والاجتماعية والعلمية والتربوية الخ.

بحق، لقد خدم المالكي المشروع الطائفي الإيراني داخل العراق وفي المحيط العربي إلى أبعد مداه، فهو الذي دعا مرارًا إلى وضع المملكة العربية السعودية تحت الوصاية الدولية، باعتبارها "منبع الارهاب الذي يجتاح العالم". وفي مقابلة مع قناة "فرانس 24" بُثت مساء السبت المصادف 9 آذار/مارس 2014، شن فيها نوري المالكي هجوماً حادًا على المملكة العربية السعودية.

عمومًا، في الوقت الذي عمل فيه المالكي على تمكين القبضة الإيرانية، فإنه غض الطرف نهائيًا عن وجود "الموساد" الإسرائيلي الخفي الذي أباد تقريبًا طبقة العلماء والاكاديميين العراقيين، مما يثير الريبة والتعجب، حيث طيلة ترأسه إلى "مجلس رئاسة الوزراء" ما بين (2006-2014) لم يبني المالكي شيئًا البتة، ولم ينجز غير الخراب والفساد والهلاك. فدفع بعض الباحثين أن ينبشوا ويفتشوا عن جذوره، ومنهم الدكتور رافد الحسناوي الذي أكد أن: أصول عائلة المالكي يهودية، يرجع نسبها إلى بني قريضة اليهودية، التي نزحت إلى العراق واستقرت في مدينة الموصل؛ وفي عام 1850 هاجرت إلى الفرات الأوسط، ثم تشيعت بعد نهاية الدولة العثمانية. ولقد كشفت وثائق ويكليكس الشهيرة أن: "المالكي لم ينقطع عن التواصل مع إسرائيل". 

من هنا كان لا بدّ من تغيير المالكي، وإبداله بحيدر العبادي (2014-2018) الذي تم التوافق عليه بين الكتل السياسية، لكي يستمر "حزب الدعوة الاسلامية" بالحُكم لدورة ثالثة. وكان العبادي هشًا ضعيفًا لا يقوى على مجابهة الخصوم، وربما لهذا السبب وقع الاختيار عليه بالاجماع. وفي هذه الفترة أيضًا، قد تمادت إيران أكثر عبر تشكيلات " قوات الحشد الشعبي" الذي أعلن عن تأسيسه في 13 آذار/مارس 2014، وهو عبارة عن مجماميع طائفية مسلحة وصل عددها نحو المئة، منها ستة وسبعون تشكيلًا مرتبط بإيران سياسيًا وعقائديًا ومرجعيًا مثل: منظمة بدر وعصائب أهل الحق وحركة النجباء وحزب الله العراقي وغيرهم. ومع استفحال الارهاب الميليشي، وسطوته الفتاكة على أرض الواقع، وما يفعله من فساد مالي وإداري، وتردي اجتماعي، وانحطاط اخلاقي، ازدادت من خلاله الاوضاع أكثر سوأً وتدهورًا.

ومع خروج حيدر العبادي وقدوم عادل عبد المهدي عن "المجلس الأعلى الاسلامي" في الثاني من تشرين الأول/اكتوبر2018، عبر انتخابات (حقيقة المشاركة فيها أقل من 15%) تم تسويقها اعلاميًا بأن نسبة المشاركة وصلت إلى 44,52% لكي يتجاوزوا سقوطها القانوني. مما يعني أن الشعب العراقي قد أعلن رفضه القاطع لهذه الطبقة السياسية الفاسدة والبائسة، وأن الاسلام السياسي فاشل، ولا مستقبل للمشروع الإيراني الطائفي.

وبما أن الرئيس الامريكي دونالد ترمب ضد الارهاب الإيراني، وغالبًا ما يردد أن: "إيران مصدر الارهاب"، وأن: " إيران ترعى الارهاب". فضلًا عن الموقف العربي والغربي العام، لذا بدأت القوات الامريكية في بداية هذا العام 2019 بالدخول إلى العراق، بعد سبع سنوات من انسحابها. ومما يجري ميدانيًا، أن ميليشيات الحشد الطائفي بدأت بالإنحسار والتراجع التدريجي من المحافظات التي تنتشر فيها، خصوصًا في المناطق المنكوبة، وسط هدوء وارتياح واضح من الأهالي، بل ومن الفصائل المسلحة التي قاومت الامريكان. قد يكون الترقب هو السمة البارزة تجاه عودة القوات الامريكية من سوريا ومن الكويت نحو العراق. فإذا كان الهدف تصحيح أخطاء ما قامت به سياسة الولايات المتحدة سابقًا، سيما وأن القانون الدولي يوجب على المحتل أن لا يغير الدستور والقوانين والاعراف، ولا يتدخل بالمعتقدات والشؤون الاجتماعية في البلد، لذا فإن كل ما تمخض بعد الاحتلال الامريكي يُعد باطلًا.

وهكذا بداية، إن تحققت فعلًا، تعتبر حالة صحية تؤدي إلى إنهاء التمدد الإيراني في العراق؛ وكذلك تُهيأ إلى جلاء قوات المُحتل بطريقة سلمية، يحافظ فيها كل طرف على مصالح الطرف الآخر. كما جرى في معاهدة إجلاء القوات البريطانية من مصر عام 1954.

إذا كانت هذه هي الصورة، أو شيء ما قريب أو مشابه لهكذا تصور، فإن إيران كما إندحرت في العراق بعد حرب السنوات الثمان، فإنها ستنكسر وتندحر ثانية وعلى أرض العراق أيضًا. أن إندحار إيران في العراق سيؤدي قطعًا إلى إنهاء التمدد الإيراني في البلدان العربية، وكذلك سيؤدي إلى إنكفاء المشروع السياسي الإيراني الطائفي الذي آذى أيضًا الشعوب داخل إيران؛ تلك الشعوب التي ثارت ضد نظام الشاه الاستبدادي، هي نفسها اليوم تغلي وتمور ضد أستبداد نظام المُلالي، فهل سنرى صورة الأمس تتكرر؟