Skip to main content

حين ترتكب إيران خطأ صدّام

متظاهر بعدما حرقوا قنصلية الإيرانية
AvaToday caption
بين من يرفض الهيمنة الإيرانية على العراق أشخاص مثل الحكيم والصدر والعبادي، معروف جيّدا أنّهم عادوا إلى بغداد على ظهر الدبابة الأميركية. هذا الواقع ليس سرّا
posted onFebruary 19, 2019
nocomment

خيرالله خيرالله

ليس ما يحدث في العراق تطوّرا عاديا بأي مقياس من المقاييس. يشهد هذا البلد العربي المهم الذي يعتبر أحد الأعمدة التي قام عليها النظام الإقليمي منذ انهيار الدولة العثمانية قبل مئة عام تغييرا في المزاج الداخلي لا يمكن إلا أن تكون له انعكاساته على التوازن في المنطقة كلّها، بل ما هو أبعد منها.

في أساس التغيير، ذلك التحوّل في المزاج الشيعي الذي بدأ يكتشفه زوّار بغداد. يعبّر عن هذا التحوّل الرفض الشعبي، خصوصا في الأوساط الشيعية، لأن يكون العراق جرما يدور في الفلك الإيراني. هناك بكلّ بساطة روح وطنيّة عراقية عادت تظهر من جديد. كان أفضل تعبير عن تلك الروح في الماضي القريب الدور الذي لعبه شيعة العراق في منع إيران من الانتصار في حرب السنوات الثماني بين 1980 و1988، وهي حرب انتهت بشبه انتصار عراقي أضاعه صدّام حسين عندما اعتقد أنّه صار في استطاعته احتلال الكويت.

أقدم على تلك الحماقة، التي هي مغامرة مجنونة أكثر من أي شيء، غير مدرك لما سيترتب على فعلته. أصدر عمليا حكما بالإعدام في حقّ نفسه مُدخلا العراق في نفق مظلم، بدل التفكير جدّيا في استغلال الفرص المتاحة أمام بلد صدّ شعبه الأطماع الإيرانية. وقف العراق بفضل مكونيه الشيعي والسنّي سدّا منيعا طوال ثماني سنوات في وجه رغبة آية الله الخميني في “تصدير الثورة” التي قضت على نظام الشاه إلى خارج حدود إيران.

ترتكب إيران حاليا الخطأ ذاته الذي ارتكبه صدّام في العام 1990 عندما اعتقد أنّ كلّ شيء صار مباحا له، وأن العراق تحوّل إلى قوة إقليمية لا يستطيع أحد الوقوف في وجهها.

كانت لديه قراءة خاطئة لخريطة التوازنات الإقليمية والدولية. جاء الاحتلال الأميركي للعراق في العام 2003 ليدفع إيران إلى الاعتقاد أنّها باتت قادرة على لعب دور القوّة الإقليمية المهيمنة انطلاقا من أوهام تراكمت داخل رؤوس المتحكمين بالقرار السياسي والاقتصادي في طهران. على رأس هؤلاء “المرشد” علي خامنئي الذي صار يظنّ أن بلاد فارس أمام فرصة لا تعوّض، وأن في الإمكان بذل محاولة جديدة لـ”تصير الثورة” إلى كلّ أرجاء المنطقة.

لم يتيقّن في أيّ لحظة من الفشل الداخلي الإيراني على كلّ صعيد، خصوصا لجهة اعتماد “الجمهورية الإسلامية” أكثر من أيّ وقت على دخلها من النفط والغاز، بدل تطوير اقتصادها والاهتمام برفع مستوى المعيشة والانفتاح على العالم عن غير طريق الابتزاز عبر البرنامج النووي.

كان العراق وسوريا ولبنان ثمّ اليمن من ضحايا الانطلاقة الجديدة لـ”تصدير الثورة” في 2003 بعدما قدّمت إدارة جورج بوش الابن العراق على صحن من فضّة إلى إيران. يتبيّن اليوم كم كانت هذه الهديّة مسمومة.

كانت مسمومة إلى درجة جعلت إيران تظنّ أنّها أهمّ لاعب في المنطقة، وأنّ لا شيء يمكن أن يقف في طريقها، خصوصا في العراق حيث قبل باراك أوباما بأن تكون صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في البلد ابتداء من العام 2010. أسكرتْ الصفقة التي عقدتها “الجمهورية الإسلامية” مع إدارة أوباما المسؤولين الإيرانيين. جعلتهم لا يأبهون بالرأي العام العراقي وبوجود وطنية عراقية.

حلبت إيران العراق وثرواته في مرحلة تولي نوري المالكي موقع رئيس الوزراء. ثمّ استفادت إلى أبعد حدود من تسهيلات الإدارة الأميركية في عهد باراك أوباما الذي لم يكن لديه من همّ سوى استرضاء طهران خشية خروجها من المفاوضات التي أدّت إلى توقيع الاتفاق في شأن ملفّها النووي في تمّوز – يوليو 2015.

هناك الآن معطيات جديدة في العراق. بين أبرز المعترضين على الدور الإيراني أشخاص مثل عمّار الحكيم ومقتدى الصدر وحيدر العبادي الذي حالت طهران دون عودته إلى موقع رئيس الوزراء بعد انتخابات الثاني عشر من أيّار – مايو 2018. لم يتمكن رئيس الوزراء الجديد عادل عبدالمهدي الذي خلف العبادي، إلى الآن، من تسمية وزير للداخلية حتّى بعدما يأس الجنرال قاسم سليماني من إيصال أحد قادة “الحشد الشعبي” إلى تولي هذه الحقيبة بغية تأكيد أن “الحشد” صار جزءا لا يتجزّأ من مؤسسات الدولة العراقية، على غرار “الحرس الثوري” في إيران.

بين من يرفض الهيمنة الإيرانية على العراق أشخاص مثل الحكيم والصدر والعبادي، معروف جيّدا أنّهم عادوا إلى بغداد على ظهر الدبابة الأميركية. هذا الواقع ليس سرّا.

لم يعد سرّا أيضا أن المزاج الشيعي العراقي تغيّر من دون أن يعني ذلك أن إيران فقدت كلّ أوراقها في العراق. تغيّر هذا المزاج حتّى حيال المرجعية في النجف التي على رأسها آية الله السيستاني. بات مطلوبا من المرجع الأعلى في النجف عدم الاكتفاء بالعموميات وأخذ مواقف صريحة من السياسة الإيرانية تجاه العراق ومن الدولة المدنية فيه.

كيف ستتعاطى إيران مع المستجدات العراقية؟ هل تدرك أنّ التغييرات التي أجرتها على الأرض والتي شملت عمليات تطهير ذات طابع مذهبي لم تؤد إلى النتائج المرجوة، أي إلى جعل المدن العراقية مثل بغداد والبصرة أشبه بإحدى ضواحي طهران. لم يعد صيف البصرة بعيدا. الصيف في هذه المدينة، ذات الأكثرية الشيعية، يبدأ في نيسان – أبريل.

سيكون صعبا على سكانها الرضوخ لحياة البؤس التي يعيشونها في ظل غياب الكهرباء والماء وانتشار الأوبئة في وقت يعرف كلّ بصراوي الدور الذي لعبته إيران في عملية إفشال كلّ مشروع حيوي استهدف إعادة الحياة إلى البنية التحتية للمدينة. تعوم البصرة على النفط. أين ذهبت مليارات الدولارات من العائدات النفطية منذ ما يزيد على خمسة عشر عاما حين بدأت إيران، عبر ميليشياتها، تفرض نمطا جديدا للحياة في المدينة؟

لم تعد من حدود للاعتراضات العراقية على إيران. لمس ذلك كلّ من ذهب إلى بغداد حديثا لمس اليد. عاجلا أم آجلا، ستكون هناك أحداث كبيرة في العراق حيث بات المواطن العادي يعرف أن الخيار واضح بين خطين. إما مؤسسات لدولة عراقية… وإما دولة لتغطية “الحشد الشعبي” الذي ليس سوى مجموعة من الميليشيات المذهبية تدار من طهران. الخيار واضح، تماما كما الحال في لبنان. إمّا الجيش اللبناني وإمّا سلاح ميليشيا مذهبية تريد السيطرة على مؤسسات الدولة والتحكّم بها إرضاء لنظام مفلس اسمه النظام الإيراني.

لا شكّ أن على العرب، عموما، التعاطي بحذر مع المستجدات العراقية. لكنّ عليهم أخذ المستجدات على محمل الجدّ. لن تتغيّر الأوضاع بين ليلة وضحاها، ذلك أن عمر الوجود الإيراني في العراق منذ 2003. هذا لا يمنع ضرورة وضع العراق تحت المراقبة الدقيقة. لا بدّ من هذه المراقبة في ظلّ رغبة لدى قيادات شيعية كبيرة في إعادة المياه إلى مجاريها بين العراق ومحيطه العربي من جهة، وفي ظلّ العقوبات الأميركية التي بدأ مفعولها يظهر داخل إيران من جهة أخرى.

إعلامي لبناني