Skip to main content

بندر بن سلطان يكشف ملفات سرية عن إيران و عملاءها

بندر بن سلطان
AvaToday caption
بدأت التصفيات الجماعية للمثقفين والسياسيين وقادة الجيش، وخرجت آلية ولاية الفقيه وأصبح الحكم في يد شخص واحد
posted onJanuary 31, 2019
nocomment

في مقابلة أولى من نوعها يتحدث رئيس السابق للأستخبارات السعودية وأمين مجلس الأمن الوطني والسفير الأشهر لحكومة الرياض في واشنطن على عدة ملفات دولية وأقليمية وخاصة علاقة بلاده مع النظام الإيراني.

خلال المقابلة التي أجراه صحيفة (إندبندنت) اللندنية مع الأمير بندر بن سلطان، أحد أشهر الشخصيات المثيرة للجدل في الوسط السياسي و الأستخباراتي في الشرق الأوسط الذي أستمر حسب قول الصحيفة لأكثر من 14 ساعة عن " آخر حكام إيران قبل الثورة الخمينية عام 1979 وهو شاه إيران محمد رضا بهلوي"، الذي وصفه عدو عاقل.

وأضاف بن سلطان كلامه بمثل شعبي حيث يقول " عدو عاقل خير من صديق جاهل، وهذا المثل يطبقه بين آخر حكام إيران و النظام الحالي في طهران"، ولأول مرة يتحدث الأمير بندر باستطراد شمل جميع التفاصيل، في لقاءاته مع المسؤولين الإيرانيين والتي بدأت بعد عودته من واشنطن عام 2003 ويقول : "شاه إيران لم يكن صديقاً، كان لديه طموحات ويرى نفسه شرطي المنطقة".

العلاقة بين إيران والسعودية، في عهد الشاه وقبل عهد الخميني، لم تكن علاقة شد وجذب، ومناكفات سياسية فحسب، بل كان لها جانب إيجابي، وود ومراسلات ونصائح، ويسرد الأمير بندر قصة حدثت بين ملك السعودية والشاه محمد رضا بهلوي يقول "وقبل الحديث عن إيران والسعودية، هناك حادثة مهمة نذكرها عن مراسلات  بين شاه إيران والملك فيصل، ووقتها بدأ الشاه ثورة بيضاء لتحديث إيران فكرياً واجتماعياًعام 1963م، وكان من ضمن أفكار ثورته منع الحجاب، وهناك فرق بين أن تقول "ممنوع" أو "لكِ الخيار"، عندها كتب الشاه للملك فيصل ينصحه كصديق للسعودية ويرجوه تحويل البلد لنمط غربي بسرعة ليحافظ على الحكم محاكاة لثورته البيضاء ورد عليه الملك فيصل بالشكر واعتبرها نصيحة صديق يريد مصلحة السعودية، وقال له: "أريد أن ألفت جلالتكم أنكم شاه إيران لا شاه فرنسا أو بريطانيا وشعبكم أغلبيته من المسلمين، واستقبال الضيوف الأجانب في نهار رمضان وحفلات الغداء لا مبرر لها، ولهذا أنصحكم أن تحافظوا على إيران".

ويوضح السياسي السعودي والسفير الأشهر ومهندس العلاقات السعودية الأميركية لأكثر من ربع قرن قبل السفارة وبعدها، كيف تعاملت الرياض مع صعود روح الله الخميني للحكم" يقول "كنا ننتظر كيف ستتطور الأمور هناك لكن في الوقت ذاته كانت السعودية أول من أرسل تهنئة للخميني وأرسل الملك خالد بن عبدالعزيز وقتها مبعوثاً يهنئ الإدارة الإيرانية الجديدة ونظام الحكم فيها. وبعد فترة، بدأت التصفيات الجماعية للمثقفين والسياسيين وقادة الجيش، وخرجت آلية ولاية الفقيه وأصبح الحكم في يد شخص واحد هو المرشد الأعلى "الولي الفقيه"، وصحيح أن هناك انتخابات ورئاسة جمهورية، لكن لا قيمة لها".

ومن جانبهِ الصحيفة البريطانية سأل الأمير السعودي لماذا العداء بين السعودية وإيران؟

حيث يكشف أنهم توسطوا بشكل سري بين العراق وإيران أثناء الحرب العراقية الإيرانية، " كنا نجتمع في نيويورك، علي أكبر ولايتي وزير الخارجية الإيراني السابق، ووزير الخارجية العراقي السابق طارق عزيز، بحضور الأمين العام السابق للأمم المتحدة خافيير بيريز دي كويلار، وجاءني خبر أن بعض الإعلاميين الأميركيين بدأ يصلهم علم بذلك، فقررنا وقتها الانتقال إلى سويسرا، وانتقلت المفاوضات لإيقاف الحرب، إلى بيت الأمير سلطان بن عبدالعزيز في جنيف".

واستردك قائلاً "بدأ الخميني بالتصريحات العدائية وبمهاجمة العراق، ولسخرية القدر أنه كان هناك في بغداد تحت الإقامة الجبرية في عهد أحمد حسن البكر. هناك مصادفات غريبة والجاهل عدو نفسه. الشاه طلب من صدام حسين حيث كان هو من يمسك بزمام الأمور في العراق، طرد الخميني الذي كان يقيم لديهم وإلا سيأخذ شط العرب، وذلك بسبب تحريضه وإصداره لأشرطة "كاسيت"تستنهض الشيعة وتحرض عليه".

يكمل الأمير "نعرف جميعاً أن صدام حسين حاكم مجرم وسفاح بمعنى الكلمة، لكن الخميني أعلن في خطاب له أنه سيحرر العراق أولاً، ثم يتوجه لتحرير دول الخليج بالقوة… ولم يكن أمام القيادة السعودية سوى خيارين: السيء والأسوأ، فاختارت السيء، وتفسير القيادة السعودية للخلاف الذي يشعله الخميني أنه ليس خلافاً سنياً - شيعياً أو سياسياً، بل خلاف تاريخي فارسي - عربي وذو نظرة عنصرية من الخميني، ومثال بسيط على ذلك، أنه في الحرب العراقية الإيرانية 80% من الجيش العراقي كانوا من الشيعة وكانوا يحاربون ضد إيران، لأنهم لم يكونوا يحاربون "ولاية الفقيه" أو إيران الشيعية، بل الفارسية وكان صدام حسين يقنعهم بذلك".

ويضيف الأمير بشواهد عن دور إيران الواضح في المنطقة بقوله : "في لبنان مثلاً، حدثت اشتباكات بين حزب الله وبقية الأحزاب بشكل عنيف في  العام 2007، وكلفني الملك عبدالله أن أذهب إلى إيران وأقنعهم بإيقاف حزب الله عن القتال، ونحن نضمن المسيحيين والسنة، واقتنعوا أخيراً. وكان شرطنا أن يذهب السفيران السعودي والإيراني إلى مكان حدوث الاشتباكات، وبالفعل ذهبا وانسحب حزب الله بعد نصف ساعة أو ساعة. وهنا مكمن السخرية حين يقول حزب الله إن إيران لا تتحكم بتحركاتهم".

 

علي لاريجاني مع بندر بن سلطان

 

لكن الأمل مفقود - حسب حديث الأمير بندر - بأي تقارب سعودي إيراني، ويقول في سرده لعدة أحداث بعد عودته من واشنطن وبدء الحديث المباشر مع الإيرانيين، إن هناك أكثر من جهة تحكم إيران. ويضيف بشواهد ويقول "بعد ما جئت إلى مجلس الأمن الوطني، كان الملك عبدالله على اتصال مع الرئيس الإيراني الأسبق أكبر هاشمي رفسنجاني، الذي كان متفهماً للوضع العالمي، ورفنسجاني ندم أنه جاء بالمرشد الأعلى الحالي علي خامنئي كولي للفقيه وهو من رشحه كمرشد، رفسنجاني حاول مراراً وتكراراً إصلاح العلاقة السعودية - الإيرانية، وجاء بعده محمد خاتمي، الذي حاول القيام بذلك أيضاً وجرت اتصالات بين الملك عبدالله وبينه، وقلنا إنها فرصة جيدة للتحرك وإثبات حسن النوايا".

ويتطرق رئيس السابق للأستخبارات السعودية عن زياراته المتعددة لإيران و لقاءه مع المرشد الحالي للمجهورية الإسلامية الإيرانية حيث يضيف " في الرحلة طلبت أن ألتقي بالمرشد الإيراني علي خامنئي، والسبب أنه في المرات السابقة لم يتحقق أي شيء، والتقيت به فعلا، وهو يجيد اللغة العربية، والدليل أنه كان يصحح للمترجم بالفصحى، وقلت له يا "سماحة الإمام" دعنا نتحدث بدون مترجم، العجيب أنني خرجت من ذلك الاجتماع بانطباع إيجابي فهو رجلٌ متنور وقارئ".

يقول أيضاً " هذه المرة في طهران عام ٢٠٠٧، كان حازماً صارماً بدون تعابير وجه، وقبل توديعه لي وشكري للاريجاني على تعاونه ودعوته للسعودية إن أراد. قال لي خامنئي "لماذا لا تجلس يوماً إضافياً؟" فقلت له: "لدي موعد مع الشيطان الأكبر"، فقال "من الشيطان الأكبر"؟ وأجبته "الولايات المتحدة الأميركية، لدي موعد مع الرئيس". وكسر خامنئي حدة تعابير وجهه بضحكة وقال "كيف تصفهم بذلك؟ أليسوا أصدقاء لكم؟" فقلت "نعم وأصدقاء استراتيجيين كذلك، لكن خشيت أن أقول لك سأذهب إلى أميركا فتسألني أميركا الجنوبية أو الشمالية؟ فاستخدمت المسمى الذي تستخدمونه".

بعد الاستطراد يعود الأمير بندر للحديث عن سبب عدم جلوس السعوديين والإيرانيين على طاولة واحدة : "الإجابة لدى الإيرانيين، نحن قمنا بمد جميع الجسور وقمنا بمحاولات للتواصل، وهذا ما يردده المراقبون الغربيون دائماً: لماذا لا تجلسون على الطاولة؟".

مصادفة عجيبة حدثت للأمير بندر لدى زيارة من زياراته لإيران. كان اسم قاسم سليماني يتردد في جميع الأحداث التي ترد إلى الأجهزة السعودية، لكن الصورة مغيبة ومخفية، أو بشكل أدق لم يكن لدى السلطات السعودية أي وصف تقريبي لقاسم سليماني، وفي هذا اللقاء حدثت الصدفة ويسردها الأمير حين قال " دخل علينا شخص خلال الاجتماع لم نره من قبل في جميع الزيارات الأربع لإيران، دخل ونحن في منتصف الاجتماع، وجلس في آخر مقعد، وكان معي الأمير سلمان بن سلطان و مساعدي رحاب مسعود. كان الأمير سلمان يضع هاتفه الجوال على وضعية "الهزاز" حتى لا يخرج نغمة، وعند تلقيه اتصالاً أخرج جواله للرد، وفجأة خرج الشخص الذي كان يجلس في زاوية القاعة بسرعة، ودخل آخر وتوجه نحو لاريجاني وهمس في أذنه. بعد ذلك طلب لاريجاني الإنفرد بي وذهبنا إلى المكتب، فقال: "ما حدث غير أخلاقي ومعيب، كيف تقومون بتصوير قاسم سليماني من جوال أحد أفراد وفدكم؟" فاستغربت وقلت "نصور سليماني!" قال "نعم، الأمير سلمان التقط له صورة ولهذا خرج". فضحكت وأجبت: "شكراً لك لأنك أخبرتنا كيف هو شكل قاسم سليماني، دائماً أسمع عنه وعن تحركاته ونتائجها السيئة، شكراً لك لأنك عرّفتنا على ملامح وجهه وسنعود الآن لملفاتنا ونتفحصها أكثر".

لم يكتف السفير السعودي السابق لدى واشنطن بمثالين أو ثلاثة للإجابة عن سبب عدم الجلوس على طاولة واحدة مع العدو الأشهر للسعوديين في المنطقة، ويضيف قصة أخرى بقوله : "بعد شن تنظيم القاعدة عمليات إرهابية في السعودية، ذهبنا إلى إيران، وسلمناهم أسماء مطلوبين أمنياً وأعضاء في تنظيم القاعدة، فوعدتنا السلطات الإيرانية بإرسالهم، وفتح صفحة جديدة مع الرياض. وبالفعل، أرسلوا طائرة، ولكن حين استقبلناها في المطار فوجئنا أن من وصل على متنها، هنّ نساء وأطفال المطلوبين، أما المطلوبون أنفسهم فاحتفظت بهم إيران وقدمت لهم الرعاية".