تتالت خلال الآونة الأخيرة زيارات مسؤولين أميركيين وإيرانيين إلى بيروت وسط صراع إقليمي محتدم بين الدولتين، فيما يعاني البلد أزمات سياسية واقتصادية ولا تلوح في الأفق بوادر للخروج من متاهة الشغور الرئاسي وقوبلت زيارة الوسيط الأميركي آموس هوكستين في 30 أغسطس/آب الماضي ووزير خارجية إيران أمير عبداللهيان بعده بيوم إلى بيروت بالكثير من التأويلات حول تصادفهما.
ما إن كانتا للتصعيد كما يحصل في العراق وسوريا، أم لاتفاق على الاستقرار، لا سيما بعد بدء التنقيب عن النفط جنوب لبنان.واستحوذت ملفات الحدود مع إسرائيل والطاقة والرئاسة اللبنانية أيضا على أجندات الزيارتين الأميركية والإيرانية إلى بيروت.
ودعا هوكستين إلى الهدوء والاستقرار "ضمانا لأمن البر والبحر ومحيط آبار النفط المستثمرة في حقل كاريش (جنوب لبنان) ومحيطه في إسرائيل وتلك التي تخضع للاستكشاف في البلوكين 8 و9 اللبنانيين".
وقبل مغادرته بيروت أعلن المسؤول الأميركي أنه بعد بدء الحفر واستخراج النفط جنوب لبنان "حان الوقت للعمل من أجل ترسيم الحدود البرية مع إسرائيل".وبوساطة أميريكية دامت عامين نجح لبنان وإسرائيل في أكتوبر/تشرين الأول 2022 في التوصل إلى اتفاق لترسيم حدودهما البحرية، حددت بموجبه المناطق الاقتصادية الخاصة بالجانبين في البحر المتوسط حيث بدأت بيروت التنقيب عن النفط في 24 أغسطس الماضي.
أما زيارة عبداللهيان إلى لبنان فتزامنت مع تطورات إقليمية ودولية هامة في ظل استئناف العلاقات الدبلوماسية الإيرانية السعودية وكذلك التحركات الأميركية في الشرق الأوسط والتهديدات الإسرائيلية لحلفاء إيران بالمنطقة.
وخلال زيارته إلى بيروت قال وزير الخارجية الإيراني إنه "واثق بأن أي تصعيد إسرائيلي سيفجر حرباً تطوي صفحة إسرائيل"، مشيرا إلى أنهم "يدعمون استقرار لبنان وسرعة توافق القادة على انتخاب رئيس جديد للبلاد".
وقل الكاتب والمحلل السياسي اللبناني وائل نجم إن "كل شخصية في زيارتي المسؤولين الأميركي والإيراني حملت رسالة خاصة بها وبالساحة اللبنانية".
وذكر نجم أن عبداللهيان أراد أن يؤكد على وقوف إيران إلى جانب حلفائها في هذا الوقت العصيب الذي تشهد فيه المنطقة تطورات غير مسبوقة كما في شرق سوريا والسويداء وحتى في العراق أو فلسطين.
ومنذ 25 أغسطس/آب تشهد مدينة كركوك شمال العراق احتجاجات أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى على خلفية إخلاء مبنى قيادة العمليات المشتركة وتسليمه إلى الحزب الديمقراطي الكوردستاني، فيما تشهد عدة مناطق سورية في مقدمتها محافظتا درعا والسويداء، احتجاجات على قرار النظام رفع أسعار الوقود.
ويعاني اللبنانيون منذ عام 2019 أزمة اقتصادية غير مسبوقة أدّت إلى انهيار قياسي بقيمة العملة المحلية مقابل الدولار، فضلا عن شح بالوقود والأدوية وانهيار القدرة الشرائية مع وجود حكومة تصريف أعمال محدودة الصلاحية لعدم انتخاب رئيس جديد للبلاد منذ نحو عام.
ولفت نجم إلى أن زيارة المسؤول الإيراني تأتي "في إطار التأكيد على تأثير طهران في ساحات المنطقة وتمسكها بذلك وعدم تخليها أو تقديمها أي تنازل حالياً".
وحول زيارة هوكستين، قال نجم إنه "أراد أن يفحص الموقف اللبناني بغرض الدخول في مفاوضات أو مباحثات غير مباشرة للوصول إلى ترسيم أو تحديد الحدود البريّة مع فلسطين المحتلة".
وأشار إلى أن المسؤول الأميركي كان "يهدف لتوصيل رسالة من خلال جولاته يؤكد خلالها أن لبنان لا يقع بشكل كامل تحت سيطرة حزب الله أو أن الحزب واقع تحت ضغط كبير بحيث أنّه لا يمكنه منع تجوّل هوكستين في أرجاء لبنان".
وتابع أن "لبنان يُستخدم كساحة رسائل بين الأطراف كافة المؤثرة بمشهد المنطقة وأخذت ربما هذا الشكل بهذا الوقت، لكن الخشية أن تأخذ أشكالاً أخرى في مرحلة لاحقة تكون الفوضى المنضبطة أو غير المنضبطة عنوانها الرئيسي".
وفي هذا الإطار، قال الكاتب والمحلل السياسي قاسم قصير المقرب من حزب الله إنه "يستبعد أن تكون هناك علاقة مباشرة بين ما يحصل في العراق وسوريا برسائل أميركية أو إيرانية في المنطقة، إلا إذا تطورت الأمور إلى صراع كبير".
وأوضح قصير أن زيارة عبداللهيان تأتي في إطار التواصل مع المسؤولين اللبنانيين والقيادات اللبنانية لوضعها في أجواء التطورات التي تحصل بالمنطقة وخصوصا الاتفاق السعودي الإيراني والوضع في سوريا والاتفاق الإيراني الأميركي".
وينفي قاسم قصير أن يكون تزامن زيارة المسؤولين الأميركي والإيراني إلى لبنان مقصودا، لكنه يرى أن الزيارتين تصبان في دعم الاستقرار وتدعوان إلى إيجاد حلول سياسية لأزمات البلاد.
وأشار قصير إلى أن "دعم لبنان والشعب اللبناني وقوى المقاومة ثابت في السياسة الإيرانية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي" على حد تعبيره.
وعن المشكلة العالقة على الحدود قال قصير "هناك جهات لبنانية رسمية تتواصل مع الأميركيين لمعالجة ملف الحدود والخيمتين وملف قرية الغجر ويبدو أن هوكستين دخل على الخط لملف الحدود البرية".
ومنذ منتصف يوليو/تموز الماضي شهدت المنطقة الحدودية بين لبنان وإسرائيل توترا أمنيا بسبب محاولات القوات الإسرائيلية تجريف أراض وإنشاء جدار إسمنتي بالمنطقة وهو ما يرفضه الجانب اللبناني لكون المنطقة تحتلها تل أبيب ترافق ذلك مع إطلاق صواريخ من جهة مجهولة إلى إسرائيل.
وفي 11 يوليو/تموز المنصرم، قدم لبنان شكوى رسمية لدى الأمم المتحدة ضد إسرائيل على خلفية "تكريس" احتلالها للجزء اللبناني من بلدة "الغجر" الحدودية.
بدوره لفت المحلل السياسي اللبناني طوني بولس المعارض لحزب الله إلى أن "الطرفين الأميركي والإيراني أعطيا دفعا بسيطا لقضية ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل وحل النقاط العالقة".
وأوضح بولس أن زيارة المسؤولين الأميركي واللبناني "تركت نقطة الاشتباك في الغجر والتي يريد بها حزب الله الاستمرار في الاحتفاظ بسلاحه بحجة أن هناك أراض ما زالت محتلة من قبل إسرائيل"، مشيرا إلى أن "الزيارتين تعكسان رسائل طمأنة داخل وخارج لبنان وأن هذا البلد ليس ساحة صراع".
وفيما يخص الملف الرئاسي المتعثر منذ نهاية أكتوبر 2022، قال بولس إن "الطرفين ينفيان دعمهما لأي من المرشحين، ويربطان الحل باتفاق القوى السياسية اللبنانية".