تتخبط الولايات المتحدة في دوامة صراع سياسي واجتماعي وقضائي يزداد حدة يوماً بعد يوم مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في البلاد.
فبالإضافة إلى متاعب الرئيس السابق دونالد ترامب القضائية، التي ترافقت مع تصعيد حاد في لهجته الانتخابية وترويج مثمر لصورة الإدانة التاريخية، تزداد الشكوك في رئاسة جو بايدن وأدائه المستقبلي، إذ عدّ 77% من الأميركيين أن كبر سنّه يسلب منه أهلية تسلم الرئاسة مجدداً.
يستعرض «تقرير واشنطن»، وهو ثمرة تعاون بين «الشرق الأوسط» و«الشرق»، احتمال وجود خيار ثالث أمام الناخب الأميركي، كما يتطرق إلى وحدة الصف الديمقراطي في دعم بايدن، إضافة إلى استراتيجية الرئيس السابق دونالد ترامب المستقبلية في صراعه مع القضاء.
تستبعد لين سويت مديرة مكتب صحيفة «شيكاغو صن تايمز» في واشنطن أن تبقى أرقام الاستطلاعات على حالها، مشيرة إلى أن الناخب الأميركي سيتخذ قراره «بعد أكثر من عام استناداً إلى عوامل لا نعلم بها الآن». مضيفة: «إن نتائج الاستطلاعات اليوم تمثل اليوم لكنها لا تتنبأ بالضرورة بما سيحدث في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024».
من ناحيته يؤكد ترنت دافي نائب المساعد السابق للرئيس الأميركي جورج بوش الابن دقة الاستطلاعات الحالية التي تشير إلى تشكيك الأميركيين بعمر بايدن وأدائه وتوصيفهم لترامب بـ«الفاسد وغير الصريح»، فيقول: «ستتحدد نتائج الانتخابات بحسب المستقلين وسنرى خلال العام المقبل كيف يتجاوب المرشحون مع بعض الأمور، خاصة مع المسائل القضائية التي يواجهها ترامب...»، أما مايكل تروهيو المسؤول السابق في حملة المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون فقد رفض الانتقادات لبايدن بسبب عمره، مدافعاً عن أدائه، فقال بحزم: «إن دونالد ترامب وجو بايدن هما من نفس العمر، ولا يتوقع أن تتراجع طاقة الرئيس بايدن، وأتوقع أن يعاد انتخابه بسهولة».
وضمن الحديث عن أعمار المرشحين، يتساءل البعض: لماذا يفرض النظام الأميركي سناً معينة للترشح للرئاسة، أي 35 عاماً، من دون وجود سقف عمري للترشح؟ وتجيب سويت عن هذا مشيرة إلى أن «الصحة الجيدة أهم من السنّ»، فتقول: «إن نظامنا في الولايات المتحدة لا يضم سقف عمر لعدم الترشح للرئاسة، لكن أعتقد أن هناك مسألة أكبر من ذلك هنا: يستمر الجميع بالتحدث عن هذا الموضوع كمسألة عمر، لكن أعتقد أن النظر إليه من منظور الصحة طريقة بناءة أكثر».
ولعلّ أبرز تحدٍّ أمام الرئيس الحالي جو بايدن وأرقامه المتدهورة هو تدني شعبية نائبته كامالا هاريس، التي ستحل مكانه في حال حصول أي طارئ، لكن دافي يستبعد أن يعمد الرئيس إلى استبدالها، ويقول: «الرئيس بايدن سيلتزم بنائبة الرئيس هاريس طوال هذه الحملة، لأن اختيار مرشح آخر في هذه المرحلة سيؤدي إلى رد فعل عنيف من الديمقراطيين، لذا لا أعتقد أن هذا خيار مطروح». ويعدّ دافي أن اختيار ترامب لنائب له أكثر أهمية من اختيار بايدن نظراً لحماوة السباق الرئاسي في صفوف الحزب الجمهوري.
أما تروهيو فقد دافع دفاعاً شرساً عن هاريس فقال: «لا أعتقد أن هناك نسبة 1% لاستبدالها... أعتقد أنه حين يتعرّف الأميركيون إلى قصة حياتها وتاريخها وما قامت به لصالحهم في جميع أنحاء البلاد، فستتحسن أرقامها من دون شك. هذا الأمر يتطلب تعرف الشعب الأميركي إليها. لكن من دون تسليط الضوء عليها وحث الأميركيين على التعرّف إليها بشكل أفضل، ستظل أرقامها متدنية كما هي الآن».
يرجح دافي احتمال بروز مرشح ثالث في السباق إلى الرئاسة فيقول: «أعتقد أن هذا احتمال... فقد حصل الأمر سابقاً في الولايات المتحدة، إذ ترشح روس بيرو مرتين كمستقل، في الدورة الانتخابية الأولى بين كلينتون وبوش وقد لعب دوراً كبيراً، لذا أعتقد أن هناك رغبة في وجود مرشح من الوسط». ويعد دافي أن المرشح الثالث، رغم أنه لن يفوز، فإنه سيلعب «دوراً هائلاً» في الانتخابات، لأنه سيسحب الأصوات من المرشحين الأساسيين.
ويسلّط دافي الضوء على خطورة وجود منافسين لبايدن في صفوف حزبه الديمقراطي، فيقول: «روبرت ف. كيندي جونيور الذي ترشح ضد بايدن يحقق نتائج بين 20 إلى 25 % في الاستطلاعات، وهذا قد يشكل خطراً... لا أعتقد أنه سيشكل خطراً فعلياً على ترشيح الرئيس بايدن، لكن على مر التاريخ رأينا أنه كلما واجه رئيس حالي تحدياً من داخل حزبه، عادةً ما يكون ذلك ضاراً جداً للرئيس الحالي...»، لكن تروهيو يستبعد هذه النظرية، فيعد أن وجود أي مرشح ثالث سيسلب الأصوات من ترامب وليس من بايدن قائلاً: «كل أربع سنوات نسمع عن مرشح من طرف ثالث.
إذا ترشح السيناتور الديمقراطي جو مانشن من ويست فرجينيا للرئاسة، فكل ما سيقوم به هو أخذ الأصوات التي كانت موجهة إلى دونالد ترامب بما أن ولايته هي ولاية جمهورية. ونسمع أيضاً إشاعات عن احتمال ترشح حاكم ولاية ميريلاند السابق لاري هوغان، الذي سيأخذ أصوات الجمهوريين المعتدلين من دونالد ترامب». من ناحيتها تتحدث سويت عن صعوبة تأهل أي مرشح ثالث للسباق النهائي، مشيرة إلى ضرورة حصوله على عدد معين من المندوبين في الولايات لوضع اسمه على البطاقة الانتخابية فتقول: «هل يمكن أن يهدد مرشح مستقل موقع المرشح الديمقراطي أم الجمهوري؟ الإجابة نظرياً هي نعم، وذلك لأن الانتخابات تعتمد في الحقيقة على مجموعة صغيرة من الولايات المتأرجحة. إذن، إن استطاع مرشح من حزب ثالث أن يتخطى كل هذه القوانين والحصول على أعداد كبيرة من المندوبين الرئاسيين في الولايات المتأرجحة، فقد يؤثر ذلك على الانتخابات».
تعد سويت أن الإعصار الذي ضرب فلوريدا سوف يعطي فرصة لحاكمها رون ديسانتيس في تحسين أدائه وأرقامه مع الناخب، إذا ما قام بعمل حسن في السيطرة على تداعياته، الأمر الذي قد يدفعه إلى منافسة ترامب مجدداً: «حالياً في الولايات المتحدة، هناك إعصار رهيب ضرب فلوريدا. لذا، هذه فرصة لنرى ما يمكن أن يقوم به الحاكم وسط أزمة في ولايته، خصوصاً أنه يجب أن يساعد الجميع».
ويوافق تروهيو مع هذا التقييم، فيعد أن ديسانتيس «يملك فرصة حقيقية مع الإعصار، ليحاول إيجاد توافق يجمع بين الناس. وهذا هو الامتحان الحقيقي للحاكم وسنرى ما سيفعله حيال هذا الأمر».
يتباهى الرئيس السابق بجمعه مبالغ طائلة من التبرعات بعد صورة الإدانة التاريخية في جورجيا، ويقول دافي إن ترامب يتمتع بدعم هائل في الحزب الجمهوري لأنه «يؤمن ويعبر عما يشعر به». مضيفاً: «هناك فرصة كبيرة أن يعدّ الناخبون المستقلون في الوسط أن الديمقراطيين بالغوا في الاتهامات وأن يشعروا بنوع من التعاطف أو الشفقة التي يبحث عنها عندما يقول: إنهم يلاحقونني لأسباب سياسية...»، ويشير دافي إلى أن «المدعين العامين كافة وكل من يلاحقونه قانونياً، هم من الحزب الديمقراطي». وبمواجهة انتقادات تسييس الاتهامات بحق ترامب، خاصّة في ظل تحديد محاكمته في العاصمة واشنطن في الرابع من مارس (آذار) المقبل بالتزامن مع يوم «الثلاثاء الكبير»، وهو من أهم التواريخ الانتخابية الأميركية يقول تروهيو: «لسوء الحظ، فإن توقيت محاكماته سيتزامن مع المواعيد الانتخابية، بغض النظر عن التاريخ فلدينا 50 من الانتخابات التمهيدية، بالإضافة إلى مختلف الولايات التي ستختار المرشح عن الحزب الجمهوري. وهي تبدأ في فبراير (شباط) وتستمر حتى منتصف فصل الصيف - لذا مهما كان التاريخ الذي يختاره القاضي، فسيعترض عليه الجمهوريون ويزعمون أن له علاقة بالسياسة».
أما سويت فتقول إن ترامب «هو شخصية ليس لها مثيل في تاريخ السياسة الأميركية والثقافة السياسية»، مضيفة: «إنه شخص يحب التسويق، وقد استخدم صورة الإدانة للبيع... أو لزيادة التبرعات... لكن هذا يظهر قوته وولاء قاعدة ناخبيه. فليس هناك ما يمكن أن يزعزع موقفهم... إذ إن ظاهرة بقاء ترامب هي فصل سيدرََّس مراراً وتكراراً في تاريخ الولايات المتحدة».