Skip to main content

هل يتغير السلوك الإيراني إقليمياً؟

ميليشيا الباسيج
AvaToday caption
لم يسمع أحد عن تحرك إيراني لتصفية الوجود العسكري الإيراني المباشر في سوريا والدعم العسكري والمالي الذي يقدم للميلشيا الموالية لطهران في العراق
posted onJune 7, 2023
nocomment

سالم الكتبي

هناك شواهد عدة على إستمرار أجواء التقارب والإنفتاح بين طهران والعواصم العربية، حيث توجد مؤشرات قوية على إستئناف وشيك للعلاقات بين القاهرة وطهران، حيث رحب المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي باستئناف العلاقات مع مصر أثناء استقباله السلطان هيثم بن طارق سلطان عمان الذي زار إيران مؤخراً، وقال خامنئي إن بلاده ليس لديها أي مشكلة في عودة العلاقات بشكل كامل مع القاهرة في إطار التوسع في سياسات حسن الجوار، كما صدرت بعد ذلك بيوم إشارة جديدة من المتحدث باسم الحكومة الإيرانية الذي أكد إستعداد بلاده لتعزيز العلاقات مع مصر، وأن الرئيس إبراهيم رئيسي قد وجه باتخاذ الإجراءات اللازمة في هذا الشأن من جانب وزارة الخارجية الإيرانية.

الواضح أن سلطنة عمان قد لعبت دوراً بارزاً في إزالة التوترات وتذويب الجليد في العلاقات الإقليمية الإيرانية، سواء مع مصر أو قبلها المملكة العربية السعودية، وتشير التقارير إلى أن مسقط تقوم أيضاً بدور مشابه بين طهران وواشنطن في الوقت الراهن. بعض التقارير تقول إن مصر تدرس ملف التقارب مع إيران من كافة جوانبه، وأنها اتخذت فقط خطوات بشأن السماح للسائحين الإيرانيين بدخول مصر ضمن ترتيبات إجرائية محددة، وذلك ضمن رغبة القاهرة في تشجيع السياحة وزيادة تدفقات العملة الأجنبية للبلاد.

لا أحد يرفض أو يتحفظ على ما يحدث على صعيد التقارب أو الإنفراج الإقليمي سواء مع إيران أو تركيا، وأيضاً فيما يتعلق باتفاقات إقامة علاقات رسمية مع إسرائيل، فالأمن والاستقرار هو أحد المداخل المهمة لتحقيق السلام وترسيخ التعايش في منطقة الشرق الأوسط، ولكن تحقيق هذا الهدف لا يرتهن إلى الإتفاقات الإجرائية وتبادل السفراء فقط بقدر ما يرتبط بحدوث تحولات نوعية فعلية تنهي الأسباب والمظاهر والعوامل، التي فتحت الباب أمام التوترات من البداية.

على سبيل المثال، فيما يتعلق بإيران لا يلحظ المراقب أي تغير في السلوك الإيراني الإقليمي بالشكل الذي يوحي بأن طهران جادة في فتح صفحة جديدة مع جيرانها العرب، وأنها ستترجم كلامها وتصريحات قادتها إلى أفعال، ولاسيما فيما يتعلق باحترام مبدأ حسن الجوار والالتزام بعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، فلم يسمع أحد عن تحرك إيراني لتصفية الوجود العسكري الإيراني المباشر في سوريا والدعم العسكري والمالي الذي يقدم للميلشيا الموالية لطهران في العراق، ولم نسمع عن تحرك إيراني للضغوط على الحليف "الحوثي" في اليمن، أو "حزب الله" في لبنان لإنهاء الأزمة في هذين البلدين العربيين وتنقية الأجواء والعودة إلى مظلة الوحدة الوطنية الجامعة.

في هذه المسألة هناك وجهتي نظر، أولهما تقول بأن التقارب مع طهران يشجعها على تبني خطوات مماثلة لإنهاء تدخلاتها الإقليمية تدريجياً وأن هذا التقارب يمكن أن يكون "محفزاً" على ذلك باعتباره رسالة إيجابية للإيرانيين، وهذه وجهة نظر لها وجاهتها في عالم السياسة البراجماتية، والثانية تقول بأن التقارب مع إيران يفترض أن يتم وفق قاعدة "خطوة مقابل خطوة"، أي أن أي خطوة عربية يفترض أن تقابلها خطوة إيرانية مماثلة، ولكن هذه السياسة تبدو عصّية على التطبيق في الحالة الإيرانية تحديداً، وخصوصاً فيما يتعلق بمسألة وقف التدخلات الإيرانية في شؤون الدول العربية، فطهران لديها ما تعتبره رد منطقي في كل حالة على حدة، ولديها طاقات تفاوضية تستطيع من خلال أن تمضي في جولات تفاوضية، ولو بالسنوات، حتى وإن دار الحوار في حلقات مفرغة متوالية، ولنا في مفاوضات الوفود الإيرانية مع ممثلي القوى الكبرى فيما يتعلق بالملف النووي مثالاً على ذلك (إستغرق التفاوض على إتفاق عام 2015 سنوات عدة إنتهت بصفقة يعتبرها معظم الخبراء والمتخصصين في مصلحة إيران).

بين هذا وذلك، هناك من يرى أن الإنفتاح على إيران وإغلاق باب التوترات ولو مؤقتاً يلبي مصلحة إستراتيجية عربية لجهة نزع الذرائع عن التدخلات والممارسات والسلوكيات الإيرانية المثيرة للفوضى والاضطرابات، فضلاً عن توفير المناخ الإقليمي الداعم للتنمية الذي تحتاجه إستراتيجيات التنمية الطموحة في دول مجلس التعاون بالأخص، وهذا صحيح تماماً ولا جدال في ذلك، ولاسيما أن إيران لديها مشروع توسعي ممتد لا يقبل المساومة من وجهة النظر الإيرانية، حيث تم إستثمار وإنفاق عشرات المليارات من الدولارات في العراق وسوريا واليمن ولبنان وغيرها، ولا اعتقد شخصياً أن طهران يمكن أن تتخلى عن ذلك ـ كلياً أو جزئياً ـ قبل أن تحقق أهدافها بعيدة المدى، سواء بالاعتراف الإقليمي والدولي بدورها ومكانتها أو بالتحول إلى قوة نووية إقليمية ومن ثم ضمان الهدف النهائي وهو إستمرار النظام الإيراني وترسخ قوته وتحقق أهدافه.

في الأخير يمكن القول أن سلوك إيران الإقليمي يصعب تغييره خلال المدى المنظور بغض النظر عن أجواء التقارب والانفراج الإقليمي، وهذا بحد ذاته يعني أن طهران تكتفي بالشعارات وتحقيق مصالحها وتحييد المواقف والسياسات العربية حيالها، من دون أن تقدم أي تنازلات تذكر، ولكن هذا لا ينفي منطقية الرهان على إمكانية تغيير السلوك الإيراني، وأرجحية خطوات التقارب بين طهران والعواصم العربية لأنه لا بديل في ظل الواقع الحالي عن محاولة إقناع طهران بعوائد الأمن والاستقرار، خصوصاً في ظل معاناة الاقتصاد والشعب من عواقب السياسات الإيرانية العدائية المستمرة منذ عقود وسنوات طويلة.