Skip to main content

الفرنسيون لا يتحمسون كثيرا لقراءة آني إرنو

آني إرنو
AvaToday caption
لم يؤثر تراجع المبيعات هذا في الكاتب الأكثر مبيعاً غيوم ميسو، الذي حافظ على مكانته من خلال بيع أكثر من مليون كتاب عام 2022، وظل يشغل "رقم واحد" في قائمة الأكثر مبيعاً
posted onJanuary 29, 2023
nocomment

مثل كل عام، أصدر معهد "جي أف كا" مع صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية التقرير السنوي عن الروايات الفرنسية الأكثر رواجاً لعام 2022، وهذه القائمة المليئة بالمفاجآت تعطي صورة دقيقة عما يقرأه الفرنسيون ويحتفظون به في مكتباتهم، كما أنها تأخذ بعين الاعتبار الكتب ذات الحجم الصغير "كتب الجيب"، بسبب الإقبال الشديد عليها، وسعة انتشارها.

تباينت الأسماء التي تضمنتها القائمة لتحتوي كتاباً وكاتبات من مختلف الأعمار، ومن اتجاهات أدبية متنوعة تكشف كيف تداخلت عوامل وتصنيفات تفاعلية عدة تركت تأثيراً على النتائج، مثل السينما والجوائز وسعة الانتشار والأسماء المكرسة إبداعياً. كل هذا عكس وجهة نظر الجمهور الذي أقدم على شراء رواية ما، ودفع بصاحبها إلى قمة الهرم الترويجي، في مقابل استبعاد أعمال أخرى ربما كانت تحظى بشعبية وانتشار في وقت سابق، بخاصة أن عام 2022 اعتبر عاماً استثنائياً في عالم النشر، فقد شهد انخفاضاً في مبيعات الكتب بنسبة أربعة في المئة بسبب ارتفاع أسعار الورق، مقارنة بعام 2021.

لم يؤثر تراجع المبيعات هذا في الكاتب الأكثر مبيعاً غيوم ميسو، الذي حافظ على مكانته من خلال بيع أكثر من مليون كتاب عام 2022، وظل يشغل "رقم واحد" في قائمة الأكثر مبيعاً، محافظاً على لقب الكاتب "المليونير"، الذي تحقق رواياته أعلى المبيعات في سوق النشر منذ عام 2011. وهذا أصبح معتاداً بالنسبة إلى القراء، بحيث تم بيع ما يقرب من 1.4 مليون نسخة من روايته "آنجيليك" في عام 2022، الصادرة عن دار "كالمن ليفي"، كما يوجد ما لا يقل عن ثلاث من رواياته ضمن أكثر 10 كتب مبيعاً في قائمة الروايات. ميسو الذي ولد عام 1974، بدأ النشر عام 2001، وأصدر 20 رواية حتى الآن، ويعد من أكثر الروائيين الفرنسيين المعاصرين شهرة، على رغم أنه لا يحظى بترحيب من قبل النقاد، إذ تقوم أفكار رواياته على اعتماد عنصر التشويق والغموض، والجريمة أحياناً، كمحور أساسي للبناء الروائي، من أعماله  المترجمة إلى العربية التي جذبت له قراء عرباً: "مجهولة نهر السين" و"الصبية والليل" و"... وبعد" و"الحياة رواية" و"هل ستكون هنا؟". والطريف أن ميسو أعلن أنه سيكرس عام 2023 للبقاء وقت أطول مع عائلته، وأعلن أيضاً أنه ربما لن يكتب رواية جديدة هذا العام. فهل يتنازل حقاً عن عرشه؟

نجح الكاتب السويسري الشاب جويل ديكر، البالغ من العمر 37 سنة، في احتلال المرتبة الثانية بعد ميسو في قائمة الأكثر مبيعاً عن روايته السادسة "قضية ألاسكا ساندرز" التي باعت قرابة المليون نسخة.

وعلى رغم غيابه عن السباق في عام 2021، عاد ديكر بشكل مدو عام 2022، مع العلم أنه طوال الأعوام الخمسة السابقة لم يصل إلى هذا التصنيف أبداً. واصل ديكر استخدام اللعبة الأدبية نفسها في هذه الرواية أيضاً، معلناً أنها الجزء الثاني من رواية أصدرها سابقاً بعنوان "الحقيقة حول قضية هاري كوبر". وتقوم حبكة رواياته على قصة بوليسية جيدة الصياغة مضموناً وأسلوباً. وقد نشرهما في دار نشره الخاصة "روزي وولف" التي أنشأها عام 2021. تقع أحداث "قضية ألاسكا ساندرز" في بلدة هادئة في نيو هامبشير، عام 1999، حيث يتم العثور على جثة امرأة شابة على حافة بحيرة، وتمضي الأحداث في محاولات الشرطة للحصول على اعترافات الجاني وشريكه.

لعله ليس خفياً أن ميسو وديكر، وما بينهما من تنافس في نسبة المبيعات، يطرحان أيضاً توازياً إبداعياً على مستوى المضمون، من جانب اعتماد التشويق والحبكة الدرامية البوليسية المعقدة التي تجذب نوعاً معيناً من القراء، قوي الحضور، وهذا ما يفسر احتلال جويل ديكر للمركز الثاني بعد ميسو.

أما الاسم الثالث في القائمة، فقد قلب قائمة التتويج رأساً على عقب، واعتبر مفاجأة من العيار الثقيل، إذ شغلته الروائية الشابة ميليسا دا كوستا، البالغة من العمر 32 سنة، والتي تم اكتشافها أدبياً العام الماضي، فقد نشرت في دور نشر صغيرة قبل أن تصل إلى دار "ألبان ميشيل"، وتحقق روايتها المركز الثالث مع زيادة بالمبيعات، مقارنة بالعام السابق، حيث بيعت 845 ألف نسخة من روايتها "البديلة".

بينما تراجع تصنيف الكاتبة فيرجيني غريمالدي لتحتل المركز الرابع، ثم تلاها الكاتب بيير ليميتر، وفرانك تيليز، وظهرت فاليري بيرين في المركز الثامن، يليها مارك ليفي، ثم اكتملت القائمة مع الكاتبة ماري برناديت دوبوي.

اما الكاتبة آني إرنو فحلت في المركز السابع، واعتبرت القائمة أن وجود إرنو ضمن المراكز الـ10 الأولى يعود لحصولها على جائزة نوبل للآداب، لأن وجودها في تصنيف الأكثر مبيعاً يحدث للمرة الأولى، مما يدل على أن هذه الجائزة المرموقة لا تزال تجذب القراء الفرنسيين على نطاق واسع. وباعت إرنو 633 ألف نسخة من روايتها "السنوات" في عام 2022، وعلق جان تشارلز غرونشتاين المدير التجاري لمؤسسة غاليمار قائلاً، "حققت جائزة نوبل للآداب تأثيراً كبيراً في مبيعات إرنو برز مع زيادة الطلب على كتبها"، مؤكداً أن وجود الروائية في قائمة الأكثر رواجاً مرتبط أيضاً بشعبيتها، وقال، "يجب أن نتذكر أن آني إرنو قبل هذه الجائزة المرموقة، كانت بالفعل مؤلفة ناجحة وروائية تتمتع بسمعة دولية قوية، إذ تمت قراءتها على نطاق واسع في الولايات المتحدة وألمانيا وإسبانيا، على سبيل المثال، وهي تحظى بتقدير عديد من الأجيال، بما في ذلك الشباب، إلى جانب أن رواياتها جذبت السينمائيين لتحويلها إلى أفلام".

لعل الجدير بالملاحظة أيضاً أن الكاتبة الفائزة بجائزة "الغونكور" لعام 2022 بريجيت جيرو، تغيبت عن القائمة، وقد باعت روايتها "العيش سريعاً" الصادرة عن دار فلاماريون، ما يقارب من مئتي ألف نسخة، لكنها ظلت بعيدة من قائمة الأكثر مبيعاً.

الروايات الـ10 المختارة تنوعت موضوعاتها وفق ما يلبي حاجة الأذواق المختلفة، بين الأدب النخبوي كما هو عند آني إرنو في روايتها "السنوات"، وبيير لوميتر وروايته "الصمت والغضب"، الذي يقدم رواية اجتماعية عظيمة تدور أحداثها في فرنسا، عام 1952، ويطرح من خلالها حكاية أسرة كبيرة، ويناقش قضايا تتعلق بحقوق العمال، وحق النساء بالإجهاض، إضافة إلى وجود جريمة قتل، مما أعطى النص جرعة من الغموض أو السرية.

أما رواية "البديلة" للكاتبة الشابة ميليسا دا كوستا، فإنها تقدم إبحاراً استثنائياً في عالم الفن والرسم والموسيقى والأدب، تتحدث عن لوحات فنية، وأغنيات سيزارا إيفورا، وقصائد بودلير، كما ترصد المشاعر الشائكة بين الشغف والسيطرة والتلاعب العاطفي، وتغوص في أعماق النفس البشرية المظلمة عبر علاقات حب متداخلة ومؤذية تكشف الجانب المظلم للروح البشرية وتعقيدات الرغبة الحسية، بين الشفقة والتعاطف، الحب والكراهية.

ويجد عشاق المغامرات والجاسوسية مرادهم أيضاً في رواية مارك ليفي "نوا" التي تقدم وقائع مشوقة تدور بين لندن وكييف، وصولاً إلى روما، حيث تقع مواجهات وصراعات هدفها إنقاذ مجموعة من الأرواح من براثن الأعداء.