اتهمت صحيفة "وول ستريت جورنال" في مقالة رأي روسيا بشن حرب في مجال الطاقة تعمم من خلالها أسعاراً مرتفعة لإثارة اضطرابات اجتماعية وتمكين الأحزاب الشعبوية.
وجاء في المقالة، وهي بقلم دانيال يرغين، نائب رئيس مؤسسة "أس أند بي غلوبال" للتحليلات الاقتصادية، ومايكل ستوبارد، الخبير الاستراتيجي الأول في قطاع الغاز لدى "إس أند بي غلوبال لمعطيات السلع" التابعة للمؤسسة: "لقد فتحت الجبهة الثانية للمعركة على أوكرانيا – حرب في مجال الطاقة في أوروبا. لا غموض يشوب استراتيجية فلاديمير بوتين. لقد أعلنها في مؤتمر اقتصادي استضافته سانت بطرسبورغ في يونيو (حزيران): أسعار مرتفعة للطاقة تجلب صعوبات إذ تنتشر في الاقتصاد الأوروبي، ما سيولد اضطرابات اجتماعية، وهذا يعني أن الناس سيصوتون وفق ميزانياتهم المثقلة. وهذا بدوره سيؤدي إلى بلوغ السلطة أحزاب شعبوية تغير، على حد تعبيره، "النخب" في أوروبا".
ولفتت الصحيفة إلى "أن الهدف الأبرز من ذلك هو المساهمة في وصول حكومات إلى السلطة في أوروبا لا تكون ملتزمة بدعم أوكرانيا، بالتالي تفتيت التحالف الغربي. وهذه الاستراتيجية قيد التطبيق بالفعل. فالشهر الماضي، انسحب حزب يميني من التحالف الحاكم في إيطاليا، مشيراً إلى "الخيار السيئ" الذي تواجهه الأسر الإيطالية "بين دفع فاتورتها الكهربائية أو شراء الطعام".
وأجبرت الخطوة رئيس الوزراء ماريو دراغي الذي زار أوكرانيا في يونيو للتعبير عن دعم إيطاليا لأوكرانيا، على الاستقالة".
وأضافت المقالة أن الحرب الدائرة في مجال الطاقة لا تتعلق بالأسعار فحسب، بل تمهد الطريق إلى الشتاء، متسائلة عن قدرة أوروبا على تخزين الغاز وتلبية الطلب الإضافي الذي سينجم عن احتياجات التدفئة في الطقس البارد.
وذكرت "وول ستريت جورنال" أن روسيا عام 2021، وفرت 38 في المئة من إجمالي استهلاك الغاز في الاتحاد الأوروبي، "وكانت تلك التجارة تستند إلى وصف روسيا (وقبلها الاتحاد السوفياتي) نفسها بأنها مورد موثوق للغاز، فكل ما كان يحدث سياسياً لم يكن ليؤثر في التدفق عبر خط الأنابيب. كان الأمر "أعمالاً بحتة" تحتكم إلى السوق وحركة العرض والطلب، ولكن لم تعد هذه الحال بعد الآن. حتى قبل الحرب الأوكرانية، كان الكرملين قد بدأ في خفض الإمدادات. وفي الآونة الأخيرة، يخفض الشحنات عبر خط الأنابيب "نورد ستريم"، الذي يمتد مباشرة من روسيا تحت بحر البلطيق لمسافة 750 ميلاً (ألف و200 كيلومتر) إلى ألمانيا. وقبل افتتاح الخط عام 2011، أشاد به الاتحاد الأوروبي باعتباره "مشروعاً يعطي الأولوية إلى [تأمين موارد] الطاقة"، لكن ذلك كان زمناً آخر".
وأشار المؤلفان الخبيران إلى أن روسيا اليوم، "متذرعة بأسباب فنية، خفضت تدفق الغاز في "نورد ستريم" إلى أقل من 20 في المئة من المستويات الطبيعية، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار أكثر. وحتى كتابة هذه السطور، خفضت روسيا شحنات خطوط الأنابيب إلى أوروبا بأكثر من 70 في المئة. والنتيجة هي بلوغ أسعار الغاز الطبيعي سبعة أو ثمانية أضعاف المعدل الطبيعي للعملاء الأوروبيين، أو ما يعادل 380 دولاراً لبرميل النفط". ولفتا إلى أن الأسعار المرتفعة في أوروبا تستقطب واردات من الغاز الطبيعي المسال كانت لتقصد مناطق أخرى في العالم في الأوضاع الطبيعية. فصادرات الولايات المتحدة من المادة تستقطبها عادةً آسيا، لكن هذا العام، توجه ثلثاها تقريباً إلى أوروبا.
ووفق الصحيفة، تكافح أوروبا للعثور على إمدادات جديدة، فألمانيا تسرع في بناء منشآت لاستيراد الغاز الطبيعي المسال، إذ لا تملك أياً منها، ووقع الاتحاد الأوروبي مذكرة مع مصر وإسرائيل لاستيراد الغاز منهما، وتدعم ألمانيا وإيطاليا مشاريع لتطوير الغاز الطبيعي المسال في السنغال وموزمبيق على التوالي، وتسرع الولايات المتحدة وتيرة تطوير مشاريع جديدة في هذا المجال، لكن أياً من هذه المشاريع لن يكون جاهزاً بحلول هذا الشتاء أو الشتاء الذي يليه. وأعادت ألمانيا تشغيل معامل للكهرباء تعمل بالفحم كان من المقرر إقفالها نهائياً، كذلك أجلت إغلاق آخر ثلاثة من مفاعلاتها النووية الكهربائية بهدف توفير ما يتوفر من غاز للتدفئة بدلاً من توليد الكهرباء.
وأشار المؤلفان إلى إصدار الاتحاد الأوروبي دعوة إلى خفض استهلاك الغاز بنسبة 15 في المئة، لكن الدعوة لم تلقَ قبولاً لدى الدول الأعضاء كلها، كما أن طرق تطبيق الخفض لا تزال قيد المناقشة. "هل تخفض الصناعة الألمانية التي تعاني بالفعل من ارتفاع الأسعار استهلاكها بما يضر بالتوظيف؟ أو هل ستجبر الأسعار المرتفعة والركود الاقتصادي الذي يلوح في الأفق المستهلكين على خفض الاستهلاك؟ وفي غضون ذلك، ستثقل الأعباء الاقتصادية العمل السياسي في أوروبا". ولفت الكاتبان إلى أن أوروبا أمنت 67 في المئة من احتياجاتها الشتائية من الغاز الطبيعي، ويعمل الكرملين على عرقلة تأمين النسبة الباقية. "وعلى غرار زحف نابليون إلى روسيا عام 1812 وغزو ألمانيا الاتحاد السوفياتي في الحرب العالمية الثانية، ستتوقف نتيجة [الحرب في مجال الطاقة] على مدى شدة الظروف الجوية. وهذا ما لا يستطيع السيد بوتين والقادة الأوروبيون التحكم فيه، لكنهم جميعاً يستطيعون الاتفاق على أمر: الشتاء آتٍ".