يرتبط تاريخ فن الكاريكاتير في مصر بوجود الصحافة المصرية، وظهورها الفعلي خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وشهدت تلك الفترة ظهور العديد من الصحف التي صدرت بمجهودات فردية، كتب لبعضها الإستمرار، بينما توقف العديد منها ولم يستمر سوى بضع سنوات. من بين هذه الصحف على سبيل المثال صحيفة "وادي النيل"، و"أبو نضارة" التي أنشأها يعقوب صنوع، وهو كاتب ومسرحي ورسام كاريكاتير كذلك. في ذلك الوقت كاد فن الكاريكاتير أن يكون حكراً على الفنانين الأجانب العاملين في الصحافة المصرية، لكنه شهد في ما بعد احتراف العديد من الرسامين المصريين الذين زينوا برسوماتهم صفحات المجلات والصحف المصرية، واشتهر العديد منهم مثل الفنان رخا الذي تتلمذ على يد صاروخان، وهو من أصول أرمينية، ويعد واحداً من أبرز رسامي الكاريكاتير في تاريخ الصحافة المصرية.
وفي مطلع القرن العشرين لم تكد تخلو صحيفة أو مجلة من المجلات الصادرة في مصر من وجود مساحة مخصصة لهذه الرسوم الساخرة، التي كان بعضها يوجه انتقادات لاذعة للسلطة وقتها، وللعديد من الأوضاع الإجتماعية. لذا يعتبر الكثيرون فن الكاريكاتير مرآة حقيقية لواقع بل لاهتمامات الناس في فترة ما، إذ يمكنك بسهولة وأنت تطالع رسوم الكاريكاتير التي تعود إلى فترة العشرينيات أو الثلاثينيات أن تتعرف إلى أهم القضايا الملحة على الساحة السياسية والإجتماعية وقتها، فالصورة الساخرة تقدم الأمر على نحو شديد التلخيص والوضوح في آن.
ومن هنا تأتي أهمية وجود متحف لتاريخ هذا الفن في مصر، وهي الفكرة التي كانت تراود الفنان المصري محمد عبلة لسنوات حتى استطاع تحقيقها بالفعل، بإنشائه متحف الكاريكاتير في مدينة الفيوم، افتُتح هذا المتحف للجمهور عام 2009 وكان يضم وقتها نماذج لرسوم الكاريكاتير لفنانين راحلين ومعاصرين، ومع الوقت اتسعت مقتنيات المتحف من هذه الرسوم، حتى صار واحداً من أهم المتاحف المتخصصة في مصر والشرق الأوسط.
يأتي هذا المشروع الطموح كمحاولة يقوم بها الفنان محمد عبلة، كما يقول، لكسر حالة المركزية التي تميز الحراك الثقافي المصري. ففي الوقت الذي تتركز فيه غالبية الفعاليات الثقافية في القاهرة، وينصب معظم الإهتمام الإعلامي على ما يدور في العاصمة من فعاليات وأحداث، يحاول عبلة الانسلاخ بعيداً عن سطوة المدينة ونهمها للإستئثار بالمشهد. وتعد قرية تونس التي يقع فيها المتحف واحدة من الأمكنة السياحية والثقافية الهامة في مدينة الفيوم، ليس لوجود المتحف وحده، فالقرية تضم عدداً من مراسم الفنانين، وورشاً عدة لصناعة الخزف، إضافة لطبيعتها الخلابة وقربها من إحدى أهم البحيرات الطبيعية وهي بحيرة قارون. وتعد القرية اليوم مقصداً للعديد من الفنانين المصريين والأجانب الذين يهربون إليها بعيداً من زحام القاهرة وصخبها المتواصل.
من أجل تسليط الضوء على هذا المشروع الطموح استضاف غاليري ديمي في القاهرة معرضاً مهماً يضم نماذج من أهم رسوم الكاريكاتير، من مقتنيات متحف الفيوم. يقام المعرض تحت عنوان "متحف الكاريكاتير: فيوم القاهرة" ويستمر حتى نهاية هذا الشهر،ويضم جانباً من أهم محتويات متحف الكاريكاتير الذي أنشأه محمد عبلة، ويعد فرصة للجمهور القاهري لمشاهدة مجموعة من هذه الأعمال المهمة والنادرة لرواد هذا الفن في مصر. وعن أسباب تخصيص معرض خاص لفن الكاريكاتير يرى مدير غاليري ديمي الفنان محمد دمراوي أن فن الكاريكاتير هو أحد الفنون القريبة من قلوب الجمهور في مصر، لأنه من أكثر الفنون تعبيراً عن الواقع، ولتفاعله الدائم مع الأحداث، ولاعتماده كذلك على السخرية، وهو الأسلوب الأكثر قرباً لذائقة المصريين.
واستناداً إلى ذلك، تبلورت الفكرة وخرجت إلى الوجود، بالتعاون مع متحف الكاريكاتير في الفيوم. تشمل المعروضات أعمالاً لـ 36 فناناً من أجيال متنوعة، بدءاً من أعمال الرواد، ومروراً بمختلف الأجيال، وصولاً إلى الجيل الحالي. بين هؤلاء على سبيل المثال تبرز أعمال الفنانين أحمد حجازي وأحمد طوغان وألكسندر صاروخان وجمعة فرحات وجورج بهجوري وصلاح جاهين ومحمد حاكم وحسن حاكم ومحيي الدين اللباد، وغيرهم.