من دون أن تؤكد أو تنفي مسؤوليتها عن اغتيال الضابط في الحرس الثوري الإيراني صياد خدايي، وضعت إسرائيل نفسها أمام تحد كبير، وفي غضون ساعات قليلة من نشر نبأ مقتله، خرج المسؤولون السياسيون والعسكريون في حملة تفاخر بقدرات يد إسرائيل الطويلة، في وقت رفعت الأجهزة الأمنية حال التأهب في السفارات والممثليات الإسرائيلية في مختلف أرجاء العالم، وأصدرت تعليمات خاصة لممثليها في بعض الدول حول تحركاتهم والتصريحات التي يطلقونها.
في موازاة ذلك، عقدت اجتماعات أمنية بمشاركة القيادات السياسية والعسكرية والأمنية، لتقييم الوضع، صدرت في نهايتها تعليمات جديدة للجيش الإسرائيلي بتكثيف التدريبات العسكرية في أسلحة الجوّ والبرّ والبحر، استعداداً لاحتمال ردّ إيراني على اغتيال خدايي.
وخرج مسؤولون أمنيون وعسكريون بحملة تحريض ضد خدايي واتهامه بالتخطيط لعمليات ضدّ أهداف وشخصيات إسرائيلية، وبحسب مسؤول أمني إسرائيلي، فإن خدايي مسؤول عن محاولات اعتداء كثيرة استهدفت إسرائيليين في كينيا وكولومبيا وقبرص وتركيا، ولم يتردد الإسرائيليون بالتفاخر بنجاح مقتله، واعتبروا اغتياله عملية نوعية بأهدافها، إذ لا علاقة له بالنووي الإيراني، بمعنى آخر، اعتراف إسرائيلي واضح باغتيالات سابقة استهدفت علماء وشخصيات إيرانية لها علاقة بالتطور النووي الإيراني وصناعة قنبلة نووية، وفي مقدّمهم قاسم سليماني ومحسن فخري زادة وأبو محمد المصري.
خدايي، ووفق مسؤول أمني إسرائيلي، هو العسكري الأول الذي يُقتل داخل إيران، وبذلك، الرسالة التي تبعث بها إسرائيل إلى طهران واضحة، وهي قدرتها على تحقيق أهدافها حتى في عمق إيران، وأن الحرب شاملة وليس في سوريا وغيرها.
وحرص عناصر من "الموساد" على نقل معلومات حول اغتيال خدايي، عبر صحيفة "جيروزاليم بوست"، التي كتبت، "قُتل الضابط البارز في الحرس الثوري الإيراني، بالرصاص في عملية منسقة بعناية، وكان يقود سيارته قرب منزله في شارع "محادي الإسلام"، في طهران، حوالى الساعة الرابعة بعد الظهر، حيث اقترب مهاجمان مجهولان يركبان دراجة نارية من سيارته، وسد الفجوة بسرعة بينهما وبين خدايي، ومن مسافة قريبة، وبسلاح كاتم الصوت، أطلق اثنان خمس طلقات ما أدى إلى مقتله على الفور".
وفي وقت اعتبر البعض العملية استمراراً لما سماها "حرب الظلال" بين البلدين، أي اغتيال الشخصيات التي تبقى مخفية عن الأنظار وتنفذ مهامها بسرية، تابع الإسرائيليون يتفاخرون، "عملية كهذه تستوجب قدرة استخبارية استثنائية في الدولة الهدف، وهي تتضمن بناء ملف عن هدف العملية: من التفاصيل الشخصية، شكل السلوك وأماكن السكن والعمل، وحتى مشاركته في أعمال معادية، وعلى فرض أن إسرائيل تقف بالفعل خلف العملية، تمرّ التصفية عبر مرشح له خبرة طويلة في عمل الموساد وجهاز الأمن والقيادة السياسية، كما أن للتوقيت وزناً أيضاً، وتؤخذ، كذلك، بالحسبان الظروف السياسية".
وفي حديثهم عن خدايي، وجهوا له مسؤولية تهريب أسلحة لـ "حزب الله"، و"الميليشيات الإيرانية" في سوريا، ومحاولات التموضع الإيراني في المناطق المحاذية للحدود مع إسرائيل.
واعتبرها بعض الإسرائيليين عملية "استثنائية ونوعية بل دقيقة للغاية، وهي رسالة واضحة لأذرع الأمن والاستخبارات الإيرانية أن عيون إسرائيل في كل مكان وزاوية، وإيران ستصبح ملعب الألعاب الخطيرة لعملاء إسرائيل"، واستثنائية، لأنها نُفذت في وضح النهار وليس في الظلام ومن دون ترك أي آثار.
وكانت إسرائيل قد نشرت أواخر الأسبوع الماضي، أن إيران حاولت، مرات عدة، اختطاف شخصيات إسرائيلية رفيعة بينها وزير الأمن السابق موشيه يعالون، وطرح وزير الأمن بيني غانتس تقريراً حول هذا الموضوع خلال زيارته إلى واشنطن، وادعى الإسرائيليون أن "الشاباك" (جهاز الأمن العام الإسرائيلي)، رصد خلال الأشهر الأخيرة "نشاطات للاستخبارات الإيرانية لتشجيع أكاديميين إسرائيليين ومسؤولين كبار في الأجهزة الأمنية على السفر إلى الخارج بهدف اختطافهم أو المساس بهم. ولتحقيق ذلك، انتحل عناصر الاستخبارات الإيرانية هوية محاضرين وصحافيين ورجال أعمال، وتواصلوا مع الإسرائيليين عبر البريد الإلكتروني".