محمد خلفان الصوافي
السر في الاهتمام الإعلامي العالمي بأي تطورات تحصل في علاقات دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وإيران يكمن حول طبيعة هذه العلاقة فهي التي تقرر الحالة السياسية والأمنية لمنطقة الشرق الأوسط بأكملها وليس الخليج فقط.
ومن هذه الزاوية، فإنه يكون من الطبيعي والعادي جدا أن نجد تلك المحاولات المجتهدة لتفسير الخطوة الإماراتية المفاجأة التي تمثلت في زيارة الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان مستشار الأمن الوطني لدولة الإمارات إلى طهران في ديسمبر الماضي. وكذلك التنقيب والنبش عن آخر ما توصل إليه الحوار السعودي – الإيراني بوساطة عراقية من أجل تقريب وجهات النظر، بل وحتى تلك الزيارة التي قام بها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي منذ أيام إلى العاصمة القطرية الدوحة للمشاركة في مؤتمر الغاز والتي يعتقد البعض أن أبعادها تتعدى الهدف المعلن.
فكل تلك التحركات الحالية والماضية تسعى لمحاولة فتح باب سياسي، لوضع آفاق لعلاقات مختلفة لمستقبل المنطقة وربما لمعادلات إقليمية جديدة تضع أبناء هذه المنطقة في حالة من رغد العيش لما تمتلكه هذه المنطقة من ثروات.
ربما لو ناقشنا ما يربط دول الخليج العربي بإيران من عوامل جغرافية سنجد أننا نتشارك معها في أهم مضيق بحري وهو مضيق هرمز ذو الأهمية الاستراتيجية العالمية، كما أننا نتشاطأ معها على امتداد الساحل الخليجي، هذا غير تلك العلاقة التاريخية والإنسانية والاقتصادية الممتدة بفعل الجوار الجغرافي والمبني على التفاعل المتبادل.
وبالتالي فالعلاقة بهذا الوصف وهذه الدرجة لا بد أن تكون علاقة تتصف بالحيوية والنشاط من كل النواحي بل وعلاقة متجددة ليس لأنها تقرر مصير المقومات الأساسية لبناء أمن المنطقة الممتدة بين أفريقيا وآسيا ولا بد أن تكون لها تأثيراتها في السياسة الدولية نتيجة لحجم الثروات الطبيعية فيها.
التفكير الاستراتيجي الخليجي بفتح صفحة جديدة من العلاقات مع إيران وهي محاولات ليست جديدة أو وليدة اللحظة، عادة ما ينتظر أن تقابلها في الوقت نفسه رغبة إيرانية بطريقة قادرة على تغيير نظرتها تجاه جوارها الخليجي والعربي وأن يتم تبادل وجهات النظر في المخاوف وحالة التوجس والقلق التي تشعر بها هذه الدول من الطموحات الإيرانية ومشروعات تدخلاتها في الشأن العربي وعدم الوقوف على “التعطيل” لكل خطوة خليجية إيجابية تقوم بها هذه الدول سعيا منها لاستقرار المنطقة وفق منطق الجميع مستفيد.
فدون أخذ إيران بجدية لمخاوف الدول الخليجية من سياسة التدخل في الشأن الداخلي، والتهديد المستمر لأذرع إيران لأمن المنطقة والممتد على مدى أكثر من أربعة عقود، أعطت إشارات لعدم احترامها لسيادة الجار العربي الممتد من العراق إلى اليمن. بل ينبغي العمل من الإيرانيين كبادرة لحسن النية على إزالة تلك المخاوف، لأن أي حديث عن تحسين العلاقات لتحقيق الاستقرار المطلوب يكون بعيد المنال لو اقتصر على مفاوضات مع الدول الكبرى في فيينا أو غيرها من العواصم الغربية إلا إذا كان الهدف هو الحديث والتفاهم حول ملفات خاصة بين الغرب وإيران، أما عن استقرار المنطقة ففي هذا الإطار تتوجب المكاشفة والمصارحة السياسية مع الجيران أولا لبناء علاقات حقيقية.
هواجس الدول الخليجية والعربية (كون أن الأمن القومي العربي موحد)، يدركها صانع القرار في طهران، وهي بلا شك ليست غائبة في أي لقاء دبلوماسي عربي – إيراني خاصة وأنها واضحة بشكل كبير في الوضع العراقي واللبناني والسوري واليمني وبالتأكيد أن الإيرانيين أيضا مقتنعون بأن إزالتها كعقبة أمام التقارب مع الخليجيين أمر مهم ويحسن من الثقة والنوايا باعتبارها مرحلة أولى لاستقرار منطقة الشرق الأوسط التي تعتبر أكثر منطقة ملتهبة في العالم.
عند الحديث عن العلاقات الخليجية – الإيرانية علينا أن نستذكر حقيقتين ثابتتين منذ السبعينات من القرن الماضي. الحقيقة الأولى أن “ترمومتر” المنطقة ودرجة الهدوء أو السخونة السياسية مرتبطة بطبيعة العلاقة الخليجية – الإيرانية.
الحقيقة الثانية: أن المبادرات الإيجابية والرغبة الصادقة لبناء الشراكات التنموية تكون دائما ما تصدر من الطرف الخليجي، فهل نجد صدى إيجابيا من الجار الإيراني لنتشارك معا في بناء مستقبل المنطقة كلها؟