Skip to main content

حكومة مقتدى شرقية وغربية أيضا

مقتدى الصدر
AvaToday caption
بتحالف مقتدى مع هذه الجماعات المشكوك في ذمتها الوطنية والأخلاقية جعل المواطنَ العراقي يغسل يده من حكومته المتخيَّلة بالماء والصابون، وذلك لمعرفته بأنها لن تكون، في أحسن أحوالها، إلا شرقية بامتياز، وغربية بامتياز أيضا
posted onFebruary 14, 2022
nocomment

إبراهيم الزبيدي

لا يكلُّ مقتدى الصدر ولا يمل من ترديد عبارة “لا شرقية ولا غربية”. كما لا يكل الإعلام العراقي والعربي ولا يمل من ترديد نفس العبارة، نقلا عنه، دون التمعن في حقيقة تشابك القوى المحلية والإقليمية والدولية المانع لولادة حكومته المُتخيَّلة التي حدد، هو وحده، شكلها ومضمونها.

فإذا كان صادقا في رغبته في تشكيل حكومة خالية من التبعية للأجنبي ومن الفساد والمحاصصة، فهو غشيم سياسة، وذلك لأن المقاعد الـ73 التي حصل عليها في الانتخابات الأخيرة، بغض النظر عن ماهية الذين أعطوه أصواتهم ونزاهة اقتراعهم، لا تؤهله ليكون الزعيم الأوحد القادر على فرض إرادته على الآخرين. كما لا تسمح له بالتحالف إلا مع نفس السياسيين العراقيين المتوفّرين على الساحة، وهم المخبرون والوكلاء المعتمدون لدولة الشرق (إيران)، أو لدولة الغرب (الولايات المتحدة)، أو لكلتيهما.

أما إذا كان عارفا بأنه لن يستطيع تجاوز نظام المحاصصة، وبأنه ملزم بتشكيل الحكومة بالتحالف مع جمهورية أربيل، وجمهورية محمد الحلبوسي وخميس الخنجر ومشعان الجبوري وأحمد الجبوري (أبومازن)، ودولة هادي العامري، ومتأكدا من استحالة قدرته على رفض تخصيص رئاسة الجمهورية للمكون الكردي، ورئاسة البرلمان للمكون السني، ورئاسة الحكومة للمكون الشيعي، ثم يُصر رغم كل ذلك على حكومة “لا شرقية ولا غربية” فهو بهلوان يظن بأنه يضحك على الناس، ولكنه لا يضحك إلا على نفسه، مع سبق الإصرار والترصد.

فثورة تشرين المغدورة، حين طردت حكومة عادل عبدالمهدي، وفرضت قانون الانتخاب الجديد، وأجبرت مصطفى الكاظمي على إجراء الانتخابات المبكرة، لم تكن تريد استبدال فاسد بفاسد، ولا عميلا بعميل، بل كانت تقاتل من أجل طرد جميع الفاسدين المتشاركين في السلطة منذ 2003 وحتى اليوم، وإقامة دولة مؤسسات عاقلة عادلة موحدة تقول بأفضلية الرجل الصالح في المكان الصالح بعيداً عن المقاييس الطائفية والعنصرية والعشائرية والمناطقية التي اخترعها الحاكم الأميركي بول بريمر، وفرضها بقوة السلاح والمال، بمباركة المرجعية وإيران.

ومن أجل فهم طبيعة التحالفات التي يريد بها مقتدى إصلاح ما لا يمكن إصلاحه علينا أن نراجع تصريحا أدلى به النائب أحمد المساري القيادي في كتلة الحلبوسي لقناة دجلة قال فيه “نتمنى أن يتفق الحزبان الكورديان على مرشح واحد لرئاسة الجمهورية، ولكن إذا لم يتحقق هذا الاتفاق فنحن (كتلة تقدم) سنصوّت لمن صوّت لنا. وهذا التزام”. ويسأله المذيع “من الذي صوّت لكم؟”، فيرد “الحزب الديمقراطي الكوردستاني، أما الاتحاد الوطني الكوردستاني فلم يصوت لنا، وخرج نوابه من القاعة”.

وهذا يعني أن كتلة الحلبوسي تتعامل مع الاستحقاقات الوطنية بالمقايضة. فنكايةً بنواب السليمانية الذين لم يصوتوا للحلبوسي سوف يصوت نواب ائتلاف “تقدم” لأي واحدٍ يرشحه حليفهم القوي المستبد مسعود بارزاني أيا كان، وكيفما كان. ويشترك في هذه الثقافة الانتهازية المصالحية مع المتحالفين الآخرين، بالتمام والكمال.

أما قسم النائب الجديد على أن “يؤدي مهماته ومسؤولياته القانونية بتفان وإخلاص، وأن يحافظ على استقلال العراق وسيادته، ويرعى مصالح شعبه بأمانة وحياد” فهو عند جماعة الحلبوسي وأخواتها حديث عن السلاطين.

وبتحالف مقتدى مع هذه الجماعات المشكوك في ذمتها الوطنية والأخلاقية جعل المواطنَ العراقي يغسل يده من حكومته المتخيَّلة بالماء والصابون، وذلك لمعرفته بأنها لن تكون، في أحسن أحوالها، إلا شرقية بامتياز، وغربية بامتياز أيضا.

فجماعة الإطار التنسيقي (نوري المالكي وهادي العامري وقيس الخزعلي وفالح الفياض) كانت إيرانية – أميركية، ثم أصبحت إيرانية خالصة. وجماعة محمد الحلبوسي وخميس الخنجر ومثنى السامرائي وكربولي إخوان وباقي النباتات الطفيلية السنية إيرانية – قطرية – إماراتية – تركية – سعودية، وأميركية أيضا. وجماعة مسعود تركية – أميركية – إسرائيلية باعتراف زعمائها، والاعتراف سيد الأدلة.

يقول صاحبي المقرب جدا من اللاعبين الكبار الحاليين في السياسة العراقية “إن ما تريدونه من مقتدى يا عراقيين أكبر من قدرته على إنجازه، فاعذروه، فليس أمامه سوى هؤلاء الحلفاء، بكل عيوبهم المستور منها والمكشوف”.

حسنا إذن. لمَ لا يصمت؟ ولمَ لا ينزل عن ظهر حصانه ويترك الحكومة الجديدة تخرج من قشرة بيضتها الفاسدة، ويترك القرار لشرفاء العراقيين، فإما ثورة جديدة لا تبقي ولا تذر، وإما التسليم بقدَر الله وقسمته، والاستسلام لشلل المتخابرين مع الأجنبي والقتلة والمختلسين؟

فما دام هؤلاء على رأس الوليمة فلن يقف نوري المالكي وولده وصهراه ووزراؤه ومستشاروه، وعمار الحكيم ومعاونوه، وهادي العامري وقيس الخزعلي وأبوعلي العسكري وأبوفدك ومحمد الحلبوسي وسليم الجبوري وأحمد الجبوري (أبومازن) ومشعان الجبوري وعبعوب وكاكا هوشيار زيباري، جميعا، حزمة واحدة، أمام القضاء العادل المستقل، وعلى شاشات التلفزيونات العراقية والعربية والأجنبية، إحقاقا للحق، وإزهاقا للباطل، وحماية لأجيال الوطن القادمة من بلاوٍ كثيرة آتية لا ريب فيها.

وإزاء هذا الواقع المأزوم، هل نتوقع أن يفاجئنا مقتدى بواحدٍ من قراراته الانقلابية البهلوانية التي عوَّد عليها العراقيين، فيعلن اعتزاله السياسة ليريح ويستريح؟

ففي الرابع من أغسطس 2013 أعلن اعتزاله السياسة. ويومها كتبت له رسالة بعنوان شكراً أخي مقتدى (elaph.com) دعوتُ فيها الله أن يغريَ اعتزالُه رجالَ دينٍ آخرين من زملائه المتكسبين من الحكم والسياسة فيتوبوا، مثله.

ولكنه، بسرعة فائقة، تراجع عن اعتزاله وعاد إلى السياسة. ثم عاد مرة أخرى في فبراير 2014، فاعتزل السياسة أيضا، وغادر إلى خلوته في قم، ثم رجع إليها بعد أسابيع.

وفي انتظار عودته الإلزامية القريبة إلى التوافق، من جديد، مع قطط البيت الشيعي الإيراني السمان، فمن الأنفع والأشرف والأكرم له، والحالة هذه، أن يعتزل السياسة، مرة ثالثة. والثالثة ثابتة، كما يقول المثل الشعبي. وها نحن منتظرون.