تصعيد أمني خطير شهده العراق خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية بعد استهداف منزل رئيس البرلمان الجديد محمد الحلبوسي بصواريخ يعتقد أن فصائل موالية لطهران تقف خلفها، وتحاول من خلالها إيصال "رسائل ضغط" على القوى الساعية لتشكيل حكومة جديدة، وفقا لمحللين.
وتسبب الهجوم الذي وقع في محيط منزل الحلبوسي الثلاثاء في جرح طفلين من جراء سقوط ثلاثة صواريخ كاتيوشا، وذلك بعد ساعات على مصادقة المحكمة الاتحادية على إعادة انتخابه على رأس هذه الهيئة التشريعية.
سقطت الصواريخ "على مسافة 500 متر" من منزل الحلبوسي في قضاء الكرمة في محافظة الأنبار غرب بغداد، بحسب تصريح مسؤول أمني رفيع لوكالة فرانس برس.
وأشار المسؤول إلى أن الهجوم "استهدف" رئيس البرلمان، لكنه قال إنه لا يعلم ما إذا كان الحلبوسي متواجدا في المنزل حينها.
واليوم الأربعاء، أعلنت خلية الإعلام الأمني العثور على خمسة صواريخ معدة للإطلاق على قضاء الكرمة في الأنبار.
وذكرت الخلية في بيان "بعد الحادث الإرهابي الذي حصل يوم أمس في استهداف قضاء الكرمة، ومن خلال المتابعة والتفتيش، تمكنت مفارز وكالة الاستخبارات والتحقيقات الاتحادية في وزارة الداخلية من ضبط خمسة صواريخ معدة ومهيئة للإطلاق صوب القضاء ذاته".
وأضاف البيان "تم ضبط الصواريخ بمنطقة ذراع دجلة، وشرعت الأجهزة الأمنية المختصة بالتعامل مع هذه الصواريخ وفق السياقات، دون حادث يذكر".
وبعد هجوم الثلاثاء نشر الحلبوسي تغريدة تضمنت صورة لطفل أصيب في الهجوم وعد فيها بالاستمرار في العمل على إنشاء "دولة يسودها العدل ويزول عنها الظلم وتندحر فيها قوى الإرهاب واللا دولة".
وعادة ما يستخدم السياسيون العراقيون مصلح "اللا دولة" للإشارة الى الميليشيات والفصائل الموالية لطهران.
وأعيد انتخاب الحلبوسي زعيم تحالف "تقدم" السني (37 مقعدا) والبالغ 41 عاما، رئيسا للبرلمان، في التاسع من هذا الشهر، وكان يترأس البرلمان السابق منذ العام 2018.
وفي الأيام الأخيرة استهدفت هجمات عدة الأحزاب التي يمكن أن تتحالف مع تيار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر لتشكيل ائتلاف برلماني بغية الاتفاق على شخصية تتولى رئاسة الحكومة بعد الانتخابات التشريعية التي أجريت في العاشر من أكتوبر الماضي.
ففي الرابع عشر من هذا الشهر وقع انفجاران استهدف أحدهما المقر الحزبي لرئيس البرلمان في بغداد، والأخر لمقر تابع لتحالف عزم بقيادة خميس الخنجر، وكلاهما متحالفان مع الصدر.
وسبق هذه الهجمات هجوم بقنبلة صوتية على مقر للحزب الديموقراطي الكردستاني في بغداد، كما أفاد الإعلام المحلي.
وسبق ذلك هجوم بطائرة مسيرة على مقر إقامة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في المنطقة الخضراء قبل أكثر من شهر.
ويردد الصدر، الفائز الأول في الانتخابات بحصوله على 73 مقعدا، منذ عدة أشهر الحديث عن عزمه تشكيل حكومة "أغلبية وطنية" ممثلة بالأحزاب التي حصلت على أعلى عدد من الأصوات.
وتتعارض مواقف الصدر مع تلك التي تدعو إليها الفصائل الموالية لإيران، مطالبة بحلول تقليدية وتسوية لجميع الأطراف.
ويقول أستاذ العلاقات الدولية، هيثم الهيتي، إن هجوم الثلاثاء "هو رسالة تهديد للحلبوسي مفادها أننا نستطيع الوصول لك ولمقرك المباشر، وأنك ليس بسلام شخصيا".
ويضيف الهيتي أن هذه الأطراف "يمكن أن تستخدم وسائل أخرى لضربه وليس فقط الصواريخ"، مبينا أنهم "يريدون أن يقولوا نحن قادرون على الوصول لكل القيادات".
ويرى الهيتي أن القوى التي خلف هذه الهجمات تحاول "تهديد الأطراف السياسية الرئيسية التي تعمل اليوم على تشكيل الحكومة من أجل تغيير مواقفها".
بالمقابل يشير المحلل السياسي رعد هاشم إلى أن الهجمات بدأت منذ "إعلان التحالف بين الصدر وأطراف سنية رئيسة والحزب الديمقراطي الكوردستاني".
ويقول هاشم لموقع أن هذه "الجهات المتطرفة ممتعضة من التوافق الحاصل بين السنة و الكورد من جهة والصدريين من جهة ثانية".
ويضيف هاشم "هم يعتبرون أن هذا التوافق تسبب في شق الصف الشيعي، ويعتبرونه محاولة لسحب البساط من المكون الشيعي بأكمله وهذا غير صحيح، لأن ما يجري هي تحالفات سياسية ضمن استحقاقات انتخابية".
في تقرير نشرته وكالة رويترز للأنباء هذا الشهر، ذكر سياسيون ومسؤولون حكوميون عراقيون إن "خطوات الصدر لتهميش منافسيه الذين تدعمهم طهران منذ وقت طويل تنطوي على المخاطرة بإثارة حفيظة جماعاتهم المدججة بالسلاح".
وظهرت أقوى إشارة إلى قوة الصدر البرلمانية واستعداده لتجاهل الجماعات الموالية لإيران عندما أعادت الحركة الصدرية التي يتزعمها، ومعها تحالف برلماني سني و الكورد الميالون للغرب، انتخاب رئيس للبرلمان يعارضه المعسكر المتحالف مع إيران. وتمت إعادة انتخابه بأغلبية مريحة.
ووقعت مشادات عنيفة داخل البرلمان خلال جلسة انتخابات الحلبوسي وسادت فوضى تعرض خلالها رئيس الجلسة "لاعتداء" نقل على أثره الى المستشفى.
وفي وقت لاحق، أعلن الإطار التنسيقي في بيان أنه لن يعترف بنتائج الجلسة الأولى.
ويضم الإطار التنسيقي تحالف الفتح الممثل للحشد الشعبي الذي حصل على 17 مقعدا فقط مقابل 48 في البرلمان السابق، فضلا عن تحالف دولة القانون برئاسة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي (33 مقعدا)، وأحزاب شيعية أخرى.
ولعدة أسابيع، أصرت القوى الموالية لإيران على رفضها نتائج الانتخابات وقدمت طعنا للمحكمة الاتحادية لإلغائها، لكن المحكمة ردت الدعوى.
ويؤكد الهيتي أن استمرار أو توقف الهجمات المسلحة "يعتمد على عدد من العوامل، ومنها موقف الصدر من تشكيل الحكومة المقبلة، وكذلك مصير المفاوضات السياسية".
ويتابع الهيتي "إذا لم يحصل أطراف الإطار التنسيقي على مبتغاهم فستسمر هذه العمليات، وقد تزداد ويمكن أن تؤدي إلى عرقلة تشكيل الحكومة".
ويذهب رعد هاشم أبعد من ذلك ويشير إلى أن العراق "أمام منعطف خطير"، لافتا إلى أن "التفاقم الأمني قد يزداد" في المستقبل.
ويقول هاشم إن "المشكلة في الأطراف المعترضة هو أنها لا تعتمد أسلوب الحوار السياسي، وإنما تستخدم السلاح للحصول على مكاسب سياسية، وبالتالي الحوار معهم غير مجد لأنه سينتهي بالعنف لا محالة".
ويختتم بالقول "الهجمات الأخيرة هي رسائل ضاغطة، لكن فشل المفاوضات سيؤدي إلى تصعيد أخطر".