Skip to main content

إيران والانتقال إلى ثنائية الثيوقراطية والاستراتوقراطية

خامنئي
AvaToday caption
تسلم العسكر المفاصل الاقتصادية والإدارية إلى جانب دوره الأساس ولد نظاماً موازياً للنظام الثيوقراطي الشمولي في الممارسة والتطبيق، الديمقراطي في آليات انتقال وتغيير السلطة ما دون المرشد الأعلى
posted onOctober 7, 2021
nocomment

حسن فحص

بعد رحيل مؤسس النظام وزعيمه آية الله الخميني 1989، انتقل النظام الإيراني إلى مرحلة معقدة ومركبة، في ظل وصول رئيس الجمهورية حينها السيد علي خامنئي إلى موقع قيادة النظام، وأصبح ولياً للفقيه وآمر المسلمين.

فالزعيم الجديد للنظام، على الرغم من اشتغاله في موقع رئاسة الجمهورية وكثير من المواقع الأخرى المتفرعة عنها، أو تلك التي جاءت بناء على تكليف من ولي الفقيه، خلال فترة الحرب مع العراق، فإنه لم يجد الفرصة أمامه لتأسيس قاعدة سياسية أو شعبية يمكن الاعتماد عليها عند انتقاله إلى موقع القيادة، بخاصة في ظل شخصيات قيادية كانت ذات تأثير واسع على الرأي العام واتجاهات القرارات في الدولة والنظام، كالشيخ هاشمي رفسنجاني، الذي كان يتربع على رأس السلطة التشريعية، ويتولى مهمة وينوب عن المؤسس في المؤسسة العسكرية والمجلس الأعلى للدفاع، إلى جانب الموقع الذي تمتع به مير حسين موسوي في رئاسة الحكومة، وما في يده من صلاحيات تتجاوز صلاحيات رئيس الجمهورية، إضافة إلى آخرين يعدون من الكتلة الحاملة للثورة ومشروع الدولة الجديدة وكانت مقربة أو موضع ثقة المؤسس.

ومن موقعه في رئاسة الجمهورية وعضوية المجلس الأعلى للدفاع، نسج خامنئي خيوط علاقاته داخل صفوف وكوادر قوات حرس الثورة والتعبئة الشعبية العسكرية، تلك المؤسسة العسكرية الناشئة إلى جانب مؤسس الجيش النظامي، في محاولة لتعويض المحددات الدستورية في صلاحيات رئيس الجمهورية التي حولت الموقع إلى مجرد "باش كاتب" عند رئيس الوزراء، حسب تعبير أبي الحسن بني صدر أول رئيس للجمهورية بعد الثورة.

واستطراداً، هذه الإشكالية كانت أحد الدوافع الأساسية والبارزة لإدخال تعديلات دستورية في الاستفتاء الذي جرى عام 1988 التي صوت عليها باستفتاء شعبي لصالح إلغاء منصب رئيس الوزراء ونقل صلاحياته إلى رئيس الجمهورية، إلا أن تعديلاً دستورياً آخر حد من صلاحيات الرئيس عندما تحولت صلاحيات ولي الفقيه إلى "مطلقة" سمحت له بممارسة صلاحيات قد تتجاوز الدستور.

الانفتاح الذي قام به رئيس الجمهورية على المؤسسة العسكرية، وتحديداً حرس الثورة، سمح له بتكوين قاعدة صلبة تفرضه رقماً صعباً في معادلة السلطة، التي توزعت بين ثلاثة أقطاب رئيسة، شكل هو كولي للفقيه أحد أضلاعها، في حين شكل وصول الشيخ هاشمي رفسنجاني إلى منصب رئيس الجمهورية والسلطة التنفيذية تحت شعار "إعادة البناء والإعمار" الضلع الثاني، مستفيداً من الصلاحيات التي اكتسبها موقع الرئيس بعد التعديلات الدستورية، ما فرضه طرفاً شريكاً ومقرراً في معادلة السلطة الجديدة مع المرشد الأعلى الجديد ونجل المؤسس أحمد الخميني الضلع الثالث الذي لم يمهله القدر طويلاً، إذ توفاه الله في توقيت أثار لدى الأوساط الإيرانية السياسية والشعبية كثيراً من علامات السؤال والتعجب.

إلا أن علاقة المرشد والتأسيس الذي سبق أن قام به مع الحرس تحول لاحقاً إلى القوة الحاملة لمشروعه في موقع القيادة وولاية الفقيه، واليد الضاربة التي يتحكم بها وبمفاصلها من موقعه كقائد أعلى للقوات المسلحة. خصوصاً أن اختياره لموقع ولي الفقيه جاء بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية، بعد إعلان طهران قبولها قرار مجلس الأمن الدولي لوقف إطلاق النار رقم 598، وانكفاء هذه المؤسسة إلى الاهتمام بالشأن الداخلي، والسعي لتكون شريكاً في إعادة الإعمار وبناء مؤسسات الدولة الاقتصادية، انطلاقاً مما تعتبره حقها، تعويضاً عما قدمته في الحرب، مستخدمة شعار حماية منجزات الثورة والنظام كغطاء للنفوذ في مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية، فضلاً عن قطاعات الأمن والعسكر والإدارة.

تقدم مشروع المرشد الأعلى واتضاح معالمه كان يعني بالضرورة تقدم واتساع دور ونفوذ مؤسسة الحرس في جسد الدولة والنظام، وهو ما تكرس بعد تحجيم ومحاصرة دور ونفوذ رفسنجاني تمهيداً لإخراجه من معادلة الشراكة التي تحولت إلى ثنائية على مدى أكثر من عقد بينه وبين المرشد نتيجة غياب أحمد الخميني.

وانتقلت الشراكة التاريخية بين القطبين الممثلين للمؤسسة الدينية وما يشكلانه من ترجمة للبعد الأيديولوجي للنظام، إلى شراكة أو معادلة جديدة من نوع مختلف، تقوم على ثنائية المرشد ومؤسسة حرس الثورة، ضمن أو في إطار تصور واضح لدى المرشد بأن تلعب دور الرافعة لمشروعه في مواجهة ما يبرز من تحديات على طريق تثبيت سلطته المطلقة.

 

ويمكن القول إن الدور الذي لعبته هذه المؤسسة في تفكيك مصادر التهديد والمشاريع التي تتعارض مع رؤية المرشد كمحور ومصدر للسلطات والمواقف في مختلف المستويات، كان دوراً خطيراً وسيفاً ذا حدين.

ففي الوقت الذي تولت هذه المؤسسة مهمة التصدي للمشروع الإصلاحي الذي قاده الرئيس الأسبق محمد خاتمي، وإنهاء الثقل والإرث الذي يمثله رفسنجاني تاريخياً وسياسياً واجتماعياً وفكرياً وأيديولوجياً، فإنها في المقابل عملت على توسيع قاعدة نفوذها، وبدأت تتحول بالتدريج من شريك تابع إلى شريك مضارب، انتقلت من مؤسسة تلتزم التوجيهات والتوجهات التي يرسمها المرشد وتعمل على تنفيذها بما هي أداة في يد النظام، إلى مؤسسة تصنع الحدث والقرار من دون أن تقترب من كسر الهيكل العام لموقع ولي الفقيه والصلاحيات التي يتمتع بها.

واتسع دورها وتوسع ليخرج عن محدداته الدستورية وعقديتها العسكرية من الحفاظ على النظام ومؤسساته أمام التهديدات الداخلية والخارجية إلى الإمساك بالمفاصل الاقتصادية حد الإطباق عليها على حساب القطاعات الخاصة على مختلف المستويات.

النقلة التي قامت بها مؤسسة الحرس وانتقالها للإمساك بالعصب الاقتصادي للدولة والنظام من خلال السيطرة على المؤسسات الصناعية والزراعية والإنتاجية بمختلف أنواعها وحتى في قطاع البنى التحتية والإعمار والمشاريع الاستراتيجية في استخراج المعادن والنفط والغاز وصولاً إلى القطاعات التجارية والاستيراد والتصدير والنقل البري والبحري والجوي، كرست ثنائية جديدة في السلطة والنظام، إذ انتقلت من ثنائية (الثيوقراطية - الديمقراطية) إلى ثنائية جديدة هي (الثيوقراطية – الأستراتوقراطية). أي سلطة تقوم على الشراكة بين البعد الديني الأيديولوجي مع الطبقة العسكرية التي تمسك بالمفاصل الإدارية والاقتصادية والأمنية.

أي أن هذا المسار، أي تسلم العسكر المفاصل الاقتصادية والإدارية إلى جانب دوره الأساس ولد نظاماً موازياً للنظام الثيوقراطي الشمولي في الممارسة والتطبيق، الديمقراطي في آليات انتقال وتغيير السلطة ما دون المرشد الأعلى، حول النظام إلى شبيه بالنظام الاستراتوقراطي Stratocracy، ويرتكز في تثبيت سلطته على إسناد المناصب الحكومية إلى ضباط وقادة عسكريين حاليين أو متقاعدين، مع فارق وحيد هو أنه ليس فيه أحكام عرفية معلنة أو مباشرة.

وإذا ما كان شرط النظام الاستراتوقراطي أن يكون على رأسه قائد المؤسسة العسكرية، فإن ولي الفقيه أو القائد أو المرشد الأعلى وحسب التوصيف الدستور هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، ما يشكل الغطاء الشرعي والقانوني لهذا النوع من السلطة والحكم، انطلاقاً من الدعم الذي توفره السلطة السياسية وتحميه السلطة العسكرية من خلال القانون والدستور وقواعد شعبية مؤيدة لها، كون هؤلاء الأشخاص الآتين من المؤسسة العسكرية لهم الحق في الانتخاب أو الاختيار أو الحكم، كونهم مواطنين خدموا الوطن ومصالحه من المواقع التي جاؤوا منها، وقادرين على الاستمرار في تقديم هذه الخدمات والدفاع عن المصالح الوطنية في المواقع التي سيتولونها.