طارق الحميد
مع عودة «طالبان» للحكم دون طلقة رصاصة واحدة، حيث تم الانسحاب الأميركي من أفغانستان بجرّة قلم، وفق الاتفاق الذي تم في قطر، باتت لـ«طالبان» حدود متاخمة من شرق إيران ولمسافة قرابة 950 كلم.
وطوال الأعوام العشرين الماضية نعمت إيران بسنين، وليس شهر عسل، عبر تلك الحدود الإيرانية - الأفغانية حيث شكّل الاحتلال الأميركي لأفغانستان تأميناً للحدود الأفغانية الإيرانية، كما نعمت إيران بنفس الأمر على الحدود العراقية - الإيرانية.
وطوال الأعوام العشرين الماضية والولايات المتحدة تحدّ إيران من الشرق حيث أفغانستان، وتحدّها أيضاً من الغرب حيث العراق بحدود 1458 كلم، وكانت إيران المستفيد الوحيد، لكن اليوم انقلبت الطاولة.
من الشرق لإيران عادت «طالبان»، كما أسلفنا من دون طلقة رصاصة، وبالتالي الآن هناك الأوضاع المأساوية في أفغانستان التي من شأنها الضغط على إيران من ناحية اللاجئين، وهناك الخلاف العَقَدي، وغيره.
صحيح أنه ليس في السياسة قواعد تواصُل على أُسس عَقَدية، لكن العلاقة بين «طالبان» وإيران تحاط بخلافات حقيقية، وقد تتصاعد، ولتتضح الصورة فإن القصة هنا ليست «طالبان» فحسب، بل إن أي فوضى في أفغانستان من شأنها بث القلق في إيران.
حسناً، ماذا لو انسحب الأميركيون من العراق؟ مَن يضمن ما الذي سيخلّفه ذلك الانسحاب؟ ومَن يضمن الطريقة التي ستنسحب بها القوات الأميركية؟ ومَن سيضمن ما الذي سيحدث بعد ذلك هناك؟
هل تهتز الحكومة المركزية العراقية؟ هل يعود التطرف؟ هل تتحرك بقايا «البعث» مستلهمين عودة «طالبان»؟ ربما يرى القارئ أن هذه الأسئلة هي عبارة عن مبالغات، لكن الأكيد، وحسبما سمعته من مصادر، فإن طهران تفكر هكذا، وتشعر بالقلق.
تعودت إيران طوال الأعوام العشرين الماضية على أمن حدودها مجاناً، بل بطريقة طريفة، حيث أمّن الأميركيون حدود إيران من ناحية الشرق والغرب، وتفرغت إيران لمناكفة الأميركيين، وكانت تتمنى رؤية هزيمتهم واستغلت وجودهم، لكنّ طهران تعي توابع خروجهم.
اليوم على إيران أن تؤمّن حدودها مع أفغانستان، وبعدها حدودها مع العراق، وبات عليها أن تعاني من توابع اللعبة التي أدمنتها في المنطقة، حيث كانت طهران طوال الأعوام العشرين الماضية تلعب لعبة «قبضة الحدود» هذه.
فعلتها إيران مع إسرائيل من ناحية جنوب لبنان، وفعلتها مع دول الخليج من ناحية العراق، ثم من ناحية اليمن، وفعلتها مع العراق أيضاً من ناحية الحدود السورية - العراقية، واليوم باتت إيران نفسها ضحية لعبة «قبضة الحدود» هذه.
وعليه هل كان الانسحاب الأميركي من أفغانستان لتواجه إيران فاتورة أمنها واستقرارها، ولتتذوق من نفس الكأس؟ أشك، حيث لا استراتيجية أميركية واضحة، والإدارة الأميركية أساساً عاجزة عن الدفاع عن موقفها الآن.
ولذا فقد يكون الخطأ الأميركي هذا هو الأمر الوحيد الصواب بالانسحاب من أفغانستان ثم العراق... نعم ستكون هناك فوضى، لكن لن تنجو منها إيران، وطهران تعي ذلك وتشعر به، خصوصا أن الإيرانيين لعبوا مطولاً في المنطقة، وبعيداً عن أراضيهم، والآن النار على حدود إيران.
خلاصة القول: انتهت سنوات النوم في العسل، حدودياً، بالنسبة إلى إيران.