حنين غدار
بينما تبدأ المفاوضات بين إيران وأميركا جولتها الرابعة هذا الأسبوع، بات من الواضح وجود أوجه خلاف متعددة وجدية سوف تتطلب وقتًا لحلها. يرغب الإيرانيون في الاحتفاظ بإنتاج الوقود النووي المتقدم الذي بدأوا به عندما انسحبت إدارة ترمب من الاتفاق الأصلي. كما يريدون رفع كل العقوبات، بما فيها تلك المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان والإرهاب.
بالنسبة لإدارة بايدن لا تُعد العودة إلى اتفاق أوباما لعام 2015 حلًا جيدًا. ترغب الإدارة في استغلال المفاوضات لوضع حد للصواريخ الإيرانية ولدعم إيران للإرهاب في المنطقة. كذلك يرغب الفريق الأميركي في التأكد من أن إيران لن تستمر في إنتاج الوقود اللازم للحصول على القنبلة في أي وقت قريب.
وهنا يكمن المأزق؛ لكل من إيران وأميركا رغبات مختلفة، ولا يوجد طرف منهما مستعد للتنازل في هذه المرحلة، لا سيما وأن وعد أميركا بعقد اتفاق مختلف وأكثر تأثيرًا ما يزال حديثًا. ومن الصعب أيضًا على الفريق الأميركي أن يقدم تنازلات تتعلق بمسألتي الصواريخ والإرهاب الإقليمي- حتى إن رغبوا في ذلك- نظرًا لأن الحلفاء في المنطقة، وتحديدًا إسرائيل، مستعدون للتعامل مع هذا التحدي بمفردهم سواء في وجود اتفاق أو عدمه. وسيكون على الولايات المتحدة النظر في هذا العامل. وفي حين تمارس إسرائيل ضغوطًا على مباحثات فيينا، تستمر إيران أيضًا في الضغط بزيادة جحم مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب في انتهاك للاتفاق.
وبالتالي، توجد أكثر من نتيجة لهذه المباحثات، وبالتالي سوف تكون مضامينها بالنسبة للمنطقة هائلة.
ما الذي تريده إيران؟
ترغب إيران ببساطة في استقرار مالي لزيادة سيطرتها على المنطقة وفرض نفسها كأكثر الأطراف نفوذًا في الشرق الأوسط. وحتى إن لم يتم رفع جميع العقوبات، سيكفي رفع العقوبات الخاصة بالنفط والغاز والبنوك وبعض الصناعات الأخرى، حتى تتمكن إيران من استعادة قدرتها على الوصول إلى قدر كبير من العملة الصعبة، والتي سوف تسمح للنظام بالحفاظ على استقرار مالي تحتاج إليه بشدة، وإعادة تمويل ميليشياتها الإرهابية في المنطقة.
سوف تتمكن الولايات المتحدة من التصريح بأنها أعادت إحياء الاتفاق– كما وعدت– وأنه تم احتواء التهديد النووي، ثم تستطيع بعد ذلك التركيز على أولويات أخرى مثل الصين وروسيا، في وجود دعم دولي ضروري.
وفي الوقت ذاته، يشعر شركاء أميركا في المنطقة بالقلق، لأن إيران إذا حصلت على ما تريد بالفعل– أي الهيمنة الإقليمية– فسيكونون هم الخاسرين في هذا الاتفاق. ولن تضبط إيران سلوكها السيئ في المنطقة، وسوف تستمر في تمويل وتسليح وتدريب واستخدام ميليشياتها ضد خصومها، وسيتمكن الحرس الثوري الإيراني– ماليًا وسياسيًا– من تنفيذ كل ذلك. وهذا تحديدًا ما حدث بعد توقيع الاتفاق مع إدارة أوباما في 2015 ولا يوجد ما يستدعي أن تغير إيران سلوكها هذه المرة.
وفي لقائه المسرب في مطلع الشهر الحالي، كان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف واضحًا: كان قاسم سليماني القائد السابق لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني هو القائد الفعلي لإيران، مما يعني أنه كان صانع القرار والمستفيد الأساسي من أي انفراجة اقتصادية. يعني ذلك أن أي انفراجة اقتصادية قد تنشأ عن اتفاق مع إدارة بايدن سوف تعود بالفائدة أيضًا على الحرس الثوري وعملياته الإقليمية، إن لم تتخذ الولايات المتحدة نهجًا مختلفًا.
وعلى الرغم من اغتيال سليماني، فإن مشروعه الهادف إلى إخضاع المنطقة للإمبراطورية الفارسية عبر وسائل عسكرية وطائفية لم يمت معه. وهذه هي المشكلة الأساسية التي يحتاج المجتمع الدولي أن يدركها: إبرام اتفاق مع إيران اليوم لن يحتويها؛ بل على النقيض سوف يطلق العنان لمشروع سليماني في المنطقة، حيث سيتسبب في دمار ويتجاهل مبادرات الديمقراطية والإصلاح الضرورية، كما هو الحال في لبنان وسوريا والعراق واليمن.
خيارات أميركا ومؤشرات على اختلاف الاستراتيجية
إذا كان هذا يثير قلق إدارة بايدن، فيجب أن توضع سياسة– سواء عبر الاتفاق أو خارجه– للتعامل مع هذه التهديدات التي لا تعرض أمن المنطقة للخطر فحسب، بل وتهدد مصالح أميركا في المنطقة أيضًا. أحد الأمثلة على ذلك هو عودة الحركات المتطرفة مثل داعش إلى المنطقة، مع ما تمثله من تهديدات مباشرة لأمن ومصالح الولايات المتحدة.
في تلك الحالة– إذا أصر الإيرانيون والأوروبيون على التمسك بإبعاد مسائل الصواريخ والأنشطة الإقليمية عن طاولة المفاوضات– يمكن أن تتعامل إدارة بايدن مع هذه المسائل على نحو منفصل. إحدى الوسائل لتحقيق ذلك عن طريق رفع تكلفة إرهاب إيران في المنطقة، عبر استراتيجية تركز على المنطقة وتحقق التنسيق مع الحلفاء الإقليميين وتجمع بين المساعي الدبلوماسية والعقوبات والوسائل العسكرية.
ولكن إذا لم يكن هذا يثير اهتمام أميركا، حيث يجعل انسحاب أميركا من المنطقة هذا الاحتمال أكثر إمكانية، سيكون على دول المنطقة مواجهة إرهاب إيران بنفسها– ربما مع مزيد من التنسيق بين إسرائيل ودول عربية أخرى.
هل هناك أي مؤشرات على السيناريو المحتمل؟
حتى الآن توجد بعض الإشارات على سياسة أميركا في المنطقة، على الرغم من كونها لا تزال غير حاسمة وليس من الواضح إذا كانت جزءًا من استراتيجية أو مجرد رسائل.
في البداية، كانت رسالة بايدن بشأن سوريا، ففي فبراير (شباط)، أمر بايدن بشن غارة جوية على سوريا تستهدف بنية تحتية إيرانية، انتقامًا من ضربة شنتها إيران على أربيل. وفي الفترة الأخيرة، أوضحت وزارة الخارجية الأميركية أن إدارة بايدن لن تقيم علاقات دبلوماسية مع نظام الأسد، بسبب ارتكاب الأخير جرائم ضد الإنسانية.
ولكن كانت الرسالة الأحدث والأكثر مباشرة عندما أعلنت وزارة الخزانة الأميركية يوم الثلاثاء فرض عقوبات على سبعة مواطنين لبنانيين بزعم وجود صلة بينهم وبين حزب الله.
في بيان له أعلن وزير الخارجية الأميركي بلينكن: «إن التهديد الذي يمثله حزب الله للولايات المتحدة وحلفائنا ومصالحنا في الشرق الأوسط وعلى مستوى العالم، يتطلب من دول العالم اتخاذ خطوات لتقييد أنشطته وتعطيل شبكاته».
وأضاف بلينكن أنه فرضت عقوبات على سبعة أشخاص بسبب «تحركاتهم لأجل أو باسم حزب الله أو مؤسسة القرض الحسن، التي تقدم غطاء لنشاط حزب الله المالي».ويعمل أحد هؤلاء الأشخاص السبعة واسمه إبراهيم علي ظاهر «مديرًا للوحدة المالية المركزية في حزب الله، والتي تشرف على الميزانية العامة الخاصة بالتنظيم».وأوضح بلينكن: «استخدم الأفراد الباقون غطاء الحسابات الشخصية للتهرب من العقوبات التي تستهدف مؤسسة القرض الحسن وتحويل حوالي 500 مليون دولار أميركي باسم المؤسسة».
في إشارة إلى أن هذه العقوبات تعزز الإجراء الأميركي ضد «ممولي حزب الله الذين يقدمون دعمًا أو خدمات إلى حزب الله»، تعهد بلينكن بأن «تواصل الولايات المتحدة إجراءاتها لإيقاف عمليات حزب الله».
قوبل الإجراء والتصريح بترحيب من كثيرين- ظنوا أن الحكومة سوف تسير على نهج استراتيجية أوباما بعدم تعطيل المباحثات النووية- باتخاذ إجراءات عقابية ضد إيران ووكلائها. سوف تتضح الأمور مع مرور الوقت، وعلى الرغم من أن هذه المؤشرات تبدو مبشرة، فإنها لا تشكل استراتيجية أو سياسة. ولكن أيا كان ما سيحدث في فيينا، لا يجب أن تدفع المنطقة الثمن.