تفرض البطالة المتنامية خلال جائحة فيروس كورونا ضغطاً على الأزواج، إذ تُظهر البيانات تسببها بـ"ازدياد ملحوظ" في خطر الانفصال، بحسب نتائج دراسة حديثة أجريت في خمس دول أوروبية.
ووفقاً لهذه الدراسة التي نُشرت حديثاً وأجراها المعهد الوطني للدراسات السكانية الذي يجمع البيانات من فنلندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وبلجيكا، فإن البطالة لها "تأثير ملحوظ" على خطر الانفصال. ففي فرنسا، تزيد البطالة هذا الخطر بنسبة 50 في المئة لدى الرجال و40 في المئة لدى النساء.
وقالت غير آن سولاز (الخبيرة الاقتصادية والديمغرافية في المعهد)، لـ"وكالة الصحافة الفرنسية" فرانس بريس، إن ثمة علاقة بين الأمرين، "لكن هذا لا يعني أنها سببية"، إذ قد تكون البطالة "مؤشراً إلى أن علاقة الزوجين لم تكن جيدة".
التوتر
أكدت إستيل (اسم مستعار) البالغة 36 عاماً، أنها وزوجها "لم يواجها مشكلات أبداً"، وتعزو انفصالهما بشكل مباشر إلى فقدان وظيفة زوجها في نهاية أبريل (نيسان) 2020 "بسبب الأزمة الصحية".
خلال فترة الإغلاق الأولى خلال ربيع العام الماضي، وجدت الشابة نفسها في شقة تبلغ مساحتها 35 متراً مربعاً في نيس جنوب شرقي فرنسا، مع زوجها المتخصص في تكنولوجيا المعلومات وطفلهما البالغ خمس سنوات، الذي يعاني فرط النشاط، وهو أمر "ولّد توتراً".
وقالت الشابة وهي عاطلة من العمل لأسباب صحية، "شعر زوجي بالمسؤولية إذ لم نعد قادرين على تغطية نفقاتنا". وأضافت، "انتهى به الأمر بالقول "عليكما أن تذهبا" لم يعد بإمكانه النظر في وجهينا".
"اختلالات وظيفية"
ويربط تييري، وهو في الخمسينيات من العمر، أيضاً "بشكل واضح" بين وضعه المهني وانفصاله عن شريكته، بعدما وجد نفسه يعمل عن بعد في مارس (آذار) 2020 في وجود زوجته وأولادهما.
وقال هذا المسؤول في الموارد البشرية في سويسرا، إن "الوجود تحت سقف واحد طوال الوقت" كشف "اختلالات وظيفية". وهو فقد وظيفته في يونيو (حزيران)، ما جعل زوجته تشعر "بعدم الأمان". وقرر الزوج الانفصال في أغسطس (آب).
وبينت الدراسة أن البطالة لها آثار سلبية أقل على الأزواج خلال فترة الركود. وشرحت آن سولاز، "هناك شك أقل في وجود مشكلة شخصية" عندما تكون البطالة منتشرة، مقرةً بأن البيانات "ليست حديثة جداً" (معظمها قبل عام 2010)، لكنها "لا تعتقد أن ذلك قد يغير الكثير".
النموذج العائلي الكلاسيكي
كذلك أظهرت البيانات أن البطالة تزعزع استقرار الأزواج أكثر عندما تطال الرجال. لكن الخبيرة الاقتصادية راشيل سيلفيرا، لاحظت أن هذا الأمر يصح أكثر في بلدان مثل ألمانيا وبلجيكا، "حيث لا يزال النموذج العائلي كلاسيكياً بمعنى أن الرجل هو غالباً المصدر الرئيس لدخل العائلة"، أما في فرنسا فالوضع مختلف.
وفي مواجهة هذا الوضع، يصاب البعض بالصدمة. وقال غيوم (55 عاماً)، وهو عاطل من العمل منذ فترة طويلة، "أنا محظوظ بشكل لا يصدق، لدي زوجة مثالية، نتحمل كل هذا برباطة جأش".
لكنه أضاف، "الوضع يجعل الحياة غير مريحة على المستوى المادي"، وهذا أمر "يقلق إلى حد كبير، لا يمكنني أن أقول إن ذلك لا يؤثر في الرغبة الجنسية على سبيل المثال".
التوثيق غير كاف
تعمل ألكسندرا (اسم مستعار)، البالغة 44 عاماً، من المنزل وتعيش مع مالك مطعم باريسي مغلق منذ نهاية أكتوبر (تشرين الأول). وعلى الرغم من الوضع المالي المضطرب، تؤكد أنه "في الواقع، لا يوجد أي توتر لأنه يشغل نفسه، فهو يخضع لدورات تدريبية ويصنع مشروب الرّم...". هذا هو "المفتاح"، كما قالت، "والأهم من ذلك، أنه يساعد في الأعمال المنزلية".
وهذا الرابط بين الأسرة والبطالة ليس موثقاً بشكل كاف، لأنه يتعذر "وضع مقاربة عالمية شاملة لمفهوم الأسرة"، كما قال عالم الاجتماع جاك كوماي، الذي كتب تقريراً عن هذا الموضوع في عام 1999.
وأضاف أن "المفهوم الاجتماعي الطاغي للأسرة هو السعادة والتضامن بين أفرادها، وتمتع هذه الخلية الاجتماعية بنوع من الاستقلال الذاتي في مقابل الاختلالات التي يعانيها المجتمع ككل"، مشيراً إلى أن "البطالة مدمرة بالنسبة إلى تماسك العائلات".