Skip to main content

خيبة أمل إيرانية من الادارة الأمريكية الجديدة

إيران
AvaToday caption
الوضع العام في إيران لايبشر بخير مطلقًا بسبب العقوبات الأمريكية،فالأنهيار الاقتصادي وصل مستويات غير مسبوقة،بإرتفاع معدلات البطالة وتدني مستويات المعيشة،وزيادة الأسعار وأنهيار العملة الوطنية
posted onFebruary 2, 2021
nocomment

د. سليم الدليمي

    تفائل الإيرانيون كثيرًا بنتائج الإنتخابات الأمريكية ،وعلى الأخص ماحصل لترامب في أخر أيام حكمه من محاولات لعزله ومن ثم محاكمته بتهمة التحريض على اقتحام الكونغرس الأمريكي،ومما زاد في تفائلهم أكثر؛أن الرئيس المنتخب بايدن قد اختار فريقه من مسؤولين سبق لهم وخدموا مع ادارة الرئيس الأسبق باراك أوباما،وكذلك مع نائب الرئيس-انذاك-جوبايدن،وبالتحديد اشخاص كانت لهم مشاركة فعلية في المفاوضات الماراثونية التي جرت في عواصم مختلفة بدءًا من مسقط إلى اسطنبول ثم جنيف وباكو وصولاً إلى فيينا،منها ماهو معلن ومنها سري لم يكشف عنه من أجل التوقيع على الإتفاق النووي..وعلى وجه الخصوص جون كيري،وانتوني بلنكن،وجاك سيلفان،ووليم بيرنز،وروبرت مالي.

      وقد مارس الإيرانيون في الأيام الأخيرة من حكم الرئيس السابق دونالد ترامب الكثير من الصبر بإنتظار مرور عاصفة التهديدات التي اطلقها ترامب وطاقم ادارته،في محاولة من الادارة في واشنطن لمنع إيران من إرتكاب أي عمل عسكري يهدد حياة الجنود والعاملين الأمريكيين في المنشآت والمصالح الأمريكية في المنطقة،رغم أن إيران بالمقابل،قد تعرضت لخسائر لاتعوض خلال السنة الأخيرة من حكم ترامب،يقف في مقدمة هذه الخسائر مقتل قائد قوة القدس الإيرانية،قاسم سليماني بضربة أمريكية في بغداد،ومقتل كبير علماء إيران في المجالين النووي والصاروخي محسن فخري زاده في طهران،وان كانت اصابع الإتهام كلها تشير إلى إسرائيل على أنها هي من قامت بتنفيذ عملية الإغتيال،فضلاً عن استهداف يعتقد أنه إسرائيلي لموقع نووي مهم في منشآة ناطنز النووية قرب طهران..علاوة على التنسيق الأمريكي –الإسرائيلي في شنّ غارات وقصف لمواقع الميليشيات الموالية لإيران في سوريا والعراق،نتج عنها مقتل العشرات بما فيهم ضباط وجنود من الحرس الثوري الإيراني.

     وقد اجتهد الإيرانيون كثيرًا في إبراز كل مالديهم من قدرات عسكرية وإستخبارية للولايات المتحدة وإسرائيل في الأشهر الأخيرة من حكم ترامب من خلال ممارسة اللعبة التي يجيدونها وهي قصف السفارة الأمريكية في بغداد وقواعد أمريكية أخرى،رغم محدودية تأثيرها العسكري،ولكنها دفعت الولايات المتحدة للتهديد برد عنيف على الميليشيات،وإغلاق سفارتها في بغداد ونقلها إلى إقليم كوردستان العراق.وكذلك خوض الجيوش الإيرانية في تمارين وتدريبات عسكرية،فقد نفذت القوات الإيرانية سلسلة من الفعاليات العسكرية في البر والبحر والجو،بلغ عددها (10)عشرة مناورات على حد ماذكره رئيس الأركان الإيراني محمد باقري،وقد اشتملت تلك المناورات على مشاركة صواريخ بعيدة المدى،وطائرات درونز مختلفة الأنواع والأحجام والمهام..وتمارين بالذخيرة الحية في بحر العرب والخليج العربي،وعلى مساحة إيران الجغرافية،وكان الهدف إظهار قوة إيران وتخويف أعدائها..فضلاً عن نشاط دبلوماسي،تمثل بزيارات مكوكية قام بها وزير الخارجية الإيراني لعدد من الدول منها روسيا وتركيا ودول مجاورة أخرى لشرح وجهة نظر بلاده تجاه تطورات العلاقة مع الولايات المتحدة.

    لقد تنفس الإيرانيون الصعداء يوم 20 يناير/ كانون الثاني 2021،مع تسلم بايدن الحكم ورحيل ترامب،وقد ظنّ الإيرانيون بدايةً أنهم أمام مرحلة جديدة من العلاقات والانفتاح الأمريكي تجاههم،وان رياح التغير الأمريكية في العلاقة مع بلادهم قادمة لامحالة،بالنظر إلى أن موظفي الإدارة يميلون إلى وجهة نظر تقول بضرورة العودة إلى الإتفاق النووي مع إيران،فضلاً أن العودة للإتفاق كانت احد برامج بايدن الإنتخابية،رغم إعلانه تحفظه على مسائل أخرى،كان يرى ضرورة معالجتها قبل العودة الأمريكية المقررة.

     ومع بدء جلسات الإستماع لتثبيت اعضاء الإدارة والمستشاريين للحكومة الأمريكية في الكونغرس،تبين أن هناك جزء مفقود من النص الذي ظلّ الرئيس بايدن يردده وهو العودة للإتفاق،والنص المفقود هو ان الإدارة الجديدة ليس نسخة من ادارة أوباما التي رعتّ توقيع الإتفاق،وأن بايدن وادراته تريد اضافة مواد جديدة للإتفاق لتحسينه،وهذه المواد تتعلق بعودة سريعة لإيران عن خرقها لأجزاء مهمة من الإتفاق مع إشراك كل من السعودية والإمارات في أي مباحثات جديدة بشأن البرنامج النووي ،ومعالجة برنامج الصواريخ الإيراني الذي بات يهدد بمدياته البعيدة دول حليفة للولايات المتحدة وإسرائيل،فضلاً  عن المنشآت الأمريكية في الخليج،وضرورة النظر في نشاط إيران المؤذي والمزعزع للإستقرار في المنطقة في العراق وسوريا ولبنان واليمن،مضافًا إليها إلتزام إيران بمباديء حقوق الإنسان في التعامل مع شعبها.

وقد بدءت الولايات المتحدة تحركًا واسعًا على هذا الصعيد تمثل باتصالات هاتفية أجراها الرئيس جو بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلنكن مع نظراءه في الدول الأوربية للتشاور بطريقة التعاطي مع الملف النووي الإيراني وفي أخر تصريح له نشرت يوم 1 فبراير 2021،قال بلنكن إنه إذا عادت إيران للالتزام بالاتفاق،فستسعى واشنطن لبناء"اتفاق أطول وأقوى" يتناول مسائل أخرى"صعبة للغاية".كذلك زار قائد القيادة الوسطى الأميركية الجنرال كينث ماكنزي الكويت وإسرائيل للتنسيق بشأن أي تطورات مستجدة للوضع مع إيران،كما اعادت واشنطن إرسال طائراتها الاستراتيجية العملاقة من طراز) B52H)لإظهار مدى جدية وتصميم الولايات المتحدة على التصدي لتصرفات إيران .

    كل هذه الشروط التي تريدها الولايات المتحدة لتحسين الإتفاق ازعجت إيران كثيرًا،والتي كانت تنتظر من الادارة الأمريكية الجديدة جائزة لصبرها على تصرفات ترامب،مما دفعها للإعلان بأنها لن تعود للإتفاق النووي إلا بعد أن ترفع الولايات المتحدة العقوبات التي فرضتها ادارة ترامب،وانها لن تتراجع عن زيادة نسبة التخصيب من النسبة الحالية وهي(20) بالمائة،والعودة بها إلى(3.67)بالمائة مثلما نص الإتفاق قبل خمس سنوات،ووقف بناء منشآت نووية جديدة،والتخلص من مخزونها الكبير من الماء الثقيل واليورانيوم  المخصب.وعقدت لهذا الأمر اجتماعات وحورات على كافة الأصعدة في الداخل والخارج،ونقلت رسائل إلى الجيران وحلفائها في الإتفاق روسيا والصين ،وعبرت عن رفضها الشديد لمناقشة موضوع الصواريخ بإعتباره جزء من أمنها القومي،واكدت انها مصممة على الاحتفاظ بحقها في الدفاع عن البلاد أمام أي تهديد.

      الواقع يشير إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية وإيران يرغبان بالعودة إلى الإتفاق،ولكن بوجهة نظر كل تقول( أن يتقدم الخصم أولاً)،أي أن الولايات المتحدة ترى أنها على حق في ضرورة تراجع إيران عن خرقها للإتفاق والعودة عن انتهاكاتها لكي تسمح للولايات المتحدة بالعودة للإتفاق وتخفيف العقوبات عن إيران خصوصًا في المجال الانساني كبداية،فيما ترى إيران أنها مازالت في الإتفاق وان على الولايات المتحدة العودة اولاً لأنها هي من انسحبت وليس إيران،وعليها أن ترفع العقوبات لأنها غير قانونية وخارج إطر الأمم المتحدة،وترفض بشكل قاطع أي حضور عربي للمفاوضات المستقبلية معها،كما تعترض وبقوة الحديث عن برنامجها الصاروخي،وهي ليست بوارد التحاور بشأن تدخلاتها ونفوذها في المنطقة.

    رغم كل ذلك نجد أن إيران ورغم الحديث عن قرب إمتلاكها للدورة النووية مما يفتح أمامها صنع لسلاح نووي،إلا أن الوضع العام في إيران لايبشر بخير مطلقًا بسبب العقوبات الأمريكية،فالأنهيار الاقتصادي وصل مستويات غير مسبوقة،بإرتفاع معدلات البطالة وتدني مستويات المعيشة،وزيادة الأسعار وأنهيار العملة الوطنية،والحجم الكبير من المشاريع المتوقفة بسبب نقص قطاع الغيار،وازياد حالات الاحتجاج والتظاهر بسبب عدم دفع الرواتب وإفلاس البنوك والشركات،وتدني معدلات التوظيف،وهجرة العقول ورؤوس الأموال،فضًلا عن تفشي فيروس كورونا الذي اطاح بالمنظومة الصحية للبلاد،فضلاً عن الصراع السياسي بين اقطاب النظام الإيراني،بين مُصلح ومحافظ،وكل يريد أن يثبت نظريته التي تتمحور حول صحة الإتفاق النووي مع الغرب من عدمه،والتعامل مع جائحة كورونا والوضع الاقتصادي السيء،والرئيس الإيراني المقبل حيث أن إيران على استحقاق انتخابي لإختيار رئيس جديد للبلاد،يسعى الحرس الثوري وبقوة أن يكون هذا المنصب بالتحديد من حصته هذه المرة.بالإضافة إلى ذلك،إعلان اطراف أخرى في الإتفاقية عن إمتعاضّها من تصرفات إيران كألمانيا وفرنسا وبريطانيا  التي ترى أن إيران قد تجاوزت الخطوط الحمراء من الإتفاق وأنها تسعى لحيازة سلاح نووي،وأنها تقوض كل الجهود بعودة سريعة من قبل الولايات المتحدة إلى الإتفاق.

 أمام الحرب الكلامية في الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي والتراشق الدبلوماسي والسياسي وتبادل الإتهامات بين الولايات المتحدة وإيران منذ 20 يناير 2021،وليومنا هذا،يثار تسائل؛ في حال استمرت حرب الأعصاب والضغوطات وعضّ الأصابع هذه بين واشنطن وطهران،مَن سيتنازل ويستسلم ويرضخ لشروط خصمه،ويوافق على العودة إلى الإتفاق النووي أولاً ؛إيران،أم الولايات المتحدة؟.

    هذا السؤال لن يجد له أجابة واقعية ومنطقية بالوقت الراهن أو في المدى القريب على الأقل..فجميع الأطراف الأعضاء في إتفاق فيينا النووي لعام 2015،منشغلون بترتيب أوضاعهم الداخلية ومواجهة أزمة كورونا والتي نتج عنها تراجع مخيف في اقتصاديات هذه الدول،فضًلا عن وجود متغيرات كبيرة في المنطقة ستؤثر حتمًا في الرؤية الأمريكية وهي الأهم في هذه المسألة،فالرئيس الجديد بايدن ليس غريب على المنطقة ولا على غرف ومطابخ السياسة الأمريكية،وهو وأن دعا خلال حملته الإنتخابية إلى عودة أمريكية للإتفاق النووي،ولكنه صحح ذلك القول في مقابلة صحفية انه لن يعود إلا بشروط،سبق لنا ذكرها،وعلى القيادة الإيرانية أن تعيّ أن بايدن ليس صورة طبق الأصل من أوباما وأن عام 2015والأعوام التي سبقته لاتشبه عام 2021،والمتغير الثاني، ان هناك عقوبات كبيرة وصارمة ومحطمة للاقتصاد الإيراني ومشاريع طهران في المنطقة، ومن الأولى لبايدن أن يستثمر هذه العقويات لدفع إيران لتقديم تنازلات بدل رفعها دون رؤية تطبيق إيراني فعلي لشروط ادارته،والمتغير الثالث،هو دخول إسرائيل على خط المواجهة المباشرة مع إيران،والتي اعلنت في أكثر من مناسبة عن استعدادها لتوجيه ضربة لبرنامج إيران النووي ،وأنها لن تسمح لإيران بإمتلاك قنبلة نووية،أما المتغير الرابع،فهو أن دول المنطقة لم تعد كما تريد أن تبنيّ  إيران ستراتيجياتها،فقد امتلكت هذه الدول قوة عسكرية وبنّت نفوذ وعلاقات وبإمكانها الآن التأثير في الكثير من التوجهات الدولية بالضد من مشاريع إيران وخططها.والمتغير الخامس؛أن إيران ايضًا لم تعد إيران ماقبل إغتيال سليماني وفخري زاده،وأن تأثيرها في العراق وسوريا ولبنان لم يعد كما كانت عليه أعوام مابعد الإتفاق وقبل خروج الادارة الأمريكية منه،وانها تنتظر ماستنتجه الإنتخابات الرئاسية القادمة من مسؤول تنفيذي يتولى ادارة ملف بصعوبة العلاقة مع الولايات المتحدة.

يبقى أن نقول  في النهاية،أن ماكل ماتخطط له قابل للتنفيذ،وليس هناك وصفة طبية صالحة لمعالجة الصراع الإيراني-الأمريكي بشأن البرنامج النووي.التوتر بين إيران والعالم الغربي كبير ومتوارث وربما مُستحكم، وقضياه عديدة وممتدة ومتشعبه،وليس من السهل تفكيك قضايا الصراع بسهولة،فلولايات المتحدة مقتنعة أن مشاكل المنطقة كلها مترابطة ومتداخلة مع البرنامج النووي وان العودة لإتفاق(5+1) بالشروط الإيرانية ومنها إنهاء العقوبات دون حلّ باقي القضايا سيّضر أكثر مما يعالج الوضع المتوتر في الشرق الأوسط،وعليه ستستمر واشنطن بأستخدام حزمة (عقوبات ترامب) لإجبار إيران للتراجع عن خروقاتها في الميدان النووي،وكذلك عبر إعادة بناء تحالفاتها مع أوربا ودول أخرى في المنطقة،حينها ستكون إيران مجبرة على العودة لتطبيق شروط الإتفاق أو مواجهة ضربة عسكرية لمنشآتها النووية،حاولت وتحاول دفعها لحين فكّ شفرة التعامل مع الادارة الأمريكية الجديدة،وتولي رئيس جديد زمام الحكم في طهران على الأقل.  

باحث في شؤون إيران والخليج