Skip to main content

الإدارة الاميركية الحائرة!

روبرت مالي
AvaToday caption
في مقدّم هذه الوقائع ان العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب على ايران ادّت مفعولها. هل ستتجاهل الإدارة هذه الوقائع وان المنطقة في 2021 ليست المنطقة في 2015 وانّ العقوبات الأميركية كشفت انّ ايران نمر من ورق؟
posted onFebruary 1, 2021
nocomment

خيرالله خيرالله

يتولّد لدى من يستمع الى شهادات كبار المسؤولين في إدارة الرئيس جو بايدن في مجلس الشيوخ، بمن في ذلك وزير الخارجية انتوني بلينكن، انطباع بانّ الإدارة راغبة في العودة الى الاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني. من اجل تأكيد الرغبة في العودة الى الاتفاق، عيّن بايدن روبرت مالي، او روب مالي، كما يناديه القريبون منه، مسؤولا عن ملفّ ايران. سيعمل مالي، الذي يتظاهر بانه يساري، والذي لا يخفي تعاطفه مع النظامين الإيراني والسوري فضلا عن "حزب الله" و"حماس"، مع وزير الخارجية ويقدّم تقاريره مباشرة اليه.

وقّع الاتفاق في شأن الملفّ النووي الايراني صيف العام 2015 في عهد الرئيس باراك أوباما. لعب بلينكن ومالي دورا في المفاوضات السرّية التي أدت الى الاتفاق الذي وقعته مجموعة الخمسة زائدا واحدا مع ايران، أي البلدان الخمسة ذات العضوية الدائمة في مجلس الامن والمانيا.

لكنّ هذه الرغبة الأميركية في العودة الى الاتفاق الذي مزّقه الرئيس دونالد ترامب في العام 2018 مرتبطة بعوامل أخرى تحدّث عنها وزير الخارجية الأميركي الجديد نفسه امام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الاميركي. بين هذه العوامل جعل الاتفاق مع ايران اكثر شمولا واتساعا على ان تشارك فيه دول أخرى في المنطقة مثل المملكة العربيّة السعودية وإسرائيل.

تعني عبارة اكثر شمولا انّه يفترض ان يتناول أي اتفاق مع ايران سلوكها في المنطقة، أي مشروعها التوسّعي، والصواريخ الباليستية التي تمتلكها فضلا عن طائرات من دون طيّار استخدمتها في مناسبات عدّة بطريقة مباشرة او عبر ادواتها المختلفة من ميليشيات تأتمر بأوامرها.

هل سيعمل روبرت مالي على تنفيذ هذه السياسة الأميركية التي تأخذ في الاعتبار ان الوضع في المنطقة كلّها تغيّر منذ العام 2015، بما في ذلك استغلال ايران للأموال التي حصلت عليها من إدارة أوباما بمجرّد توقيع الاتفاق في شأن ملفّها النووي لدعم ميليشياتها المذهبية في المنطقة؟ هذا هو السؤال الكبير الذي سيطرح نفسه، خصوصا ان كلّ ما صدر عن "مجموعة الازمات الدولية"، وهي منظمة غير حكومية يشرف عليها مالي يشير الى ان الرجل ينتهج خطا مؤيدا لإيران لا اكثر، خصوصا انّ هدفه الاوّل كان الدفاع عن الاتفاق في شأن ملفّها النووي من جهة وانتقاد كلّ ما قامت به إدارة ترامب من جهة اخرى. تتلخص مواقفه بانّ الاتفاق كان مفيدا وان كلّ ما قامت به إدارة ترامب كان سيّئا، بما في ذلك فرض اقصى العقوبات على "الجمهورية الاسلاميّة".

بغض النظر عن الخط الذي سيسير فيه مالي، سيبقى السؤال مرتبطا بمدى تأثيره على الادارة الجديدة التي ستجد نفسها عاجلا امام وقائع جديدة. في مقدّم هذه الوقائع ان العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب على ايران ادّت مفعولها. هل ستتجاهل الإدارة هذه الوقائع وان المنطقة في 2021 ليست المنطقة في 2015 وانّ العقوبات الأميركية كشفت انّ ايران نمر من ورق؟

الاهمّ من ذلك كلّه، هناك الصواريخ الإيرانية. الصواريخ في خطورة البرنامج النووي الإيراني. في النهاية لو امتلكت ايران كلّ ما تريده من قنابل نووية، يبقى السؤال ما الذي ستفعله بهذه القنابل؟ اما الصواريخ الايرانية، فقد استخدمت في مناسبات عدّة كانت آخرها قصف مطار عدن قبل اسابيع قليلة. أصيب مطار عدن إصابة دقيقة بصواريخ اطلقت من منطقة تعز، أي من مسافة تزيد على مئة كيلومتر جوّا، وذلك في وقت كانت تحط في المطار طائرة مدنية تنقل أعضاء الحكومة اليمنية الجديدة. اكثر من ذلك، يطلق الحوثيون صواريخ إيرانية بين وقت وآخر في اتجاه الأراضي السعودية. قبل ذلك، في أيلول – سبتمبر 2019، اصابت صواريخ إيرانية منشآت لشركة "أرامكو" السعودية في منطقة ابقيق داخل المملكة. وقد اثر ذلك مؤقتا على صادرات النفط السعودي.

عاجلا ام آجلا، سيتبيّن ان لا مفرّ من التعاطي مع مسألة اسمها الصواريخ الإيرانية. ليس معروفا كيف سيتصرّف المسؤولون في الادارة الأميركية الجديدة. لكنّ الأكيد انّ كل النظريات التي ينادي بها روبرت مالي لا تساعد في احراز أي تقدّم في مجال تحويل ايران الى دولة طبيعية تهتمّ بشؤون شعبها ورفاهه بدل تصدير ازماتها الى خارج حدودها.

الأكيد انّ تسليم ملفّ ايران الى شخص مثل روبرت مالي لا يوحي بالثقة، بل يطرح أسئلة في ما يخصّ طريقة عمل إدارة بايدن وقدرتها على ان تبني على ماحققته إدارة ترامب بدل التنكر لها. ففي السنة 2000، كان مالي بين الذين وقعوا مقالا صدر في نشرة "نيويورك ريفيو اوف بوكس" (New York Review Of Books) يبرر موقف ياسر عرفات في القمة التي جمعت بينه وبين الرئيس بيل كلينتون وايهود باراك رئيس الوزراء الإسرائيلي في كامب ديفيد. كانت الحجة التي اعتمدها مالي ان باراك لم يقدّم شيئا لـ"ابو عمّار" وان الرئيس الفلسطيني لا يتحمّل أي مسؤولية عن فشل القمّة الثلاثية. هذا ليس صحيحا، بل كان يمكن القول انّ رئيس الوزراء الاسرائيلي لم يقدّم لعرفات وقتذاك شيئا كافيا وكان مفترضا بالزعيم الفلسطيني الاخذ والردّ بدل جعل بيل كلينتون يشعر باليأس منه ويوصي خليفته جورج بوش الابن بوقف أي تعامل معه.

اساء أشخاص مثل روبرت مالي الى القضيّة الفلسطينية. اساء من حيث يدري او لا يدري. هل كان حسن النيّة ام لا؟ مثل هذا الامر ليس معروفا، لكنّ كلّ ما فعله وقتذاك انّه لعب دوره في اخذ الزعيم الفلسطيني الى الهاوية والى القطيعة مع واشنطن. عمليا، خدم اليمين الإسرائيلي، من منطلق انّه أميركي يهودي من اصل مصري متعاطف مع قضايا الشعوب!

ستظهر الايّام والاسابيع المقبلة هل لدى إدارة بايدن سياسة شرق أوسطية وخليجية واضحة ام انّها إدارة حائرة. هل تعرف ما هي ايران بنظامها الحالي او لا؟ هل تعرف ان أشخاصا مثل روبرت مالي او غيره لا يمكن ان يغيّروا شيئا في السلوك الإيراني؟ سيبقى مطروحا ما العمل بالصواريخ الإيرانية وكيف يمكن وضع حدّ لمحاولات ايران ضرب الاستقرار الإقليمي عبر هذه الصواريخ وعبر ميليشياتها المذهبية، اكان ذلك في العراق او في سوريا او في لبنان او اليمن.