انضم فالح الفياض قائد الحشد الشعبي لقائمة العقوبات الأميركية التي سبقها إليه أقرانه من المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان وأعمال فساد في العراق، الأمر الذي قد يهدد مستقبل هذا الكيان شبه العسكري.
ولشرح أسباب انضمامه للقائمة السوداء، قالت وزارة الخزانة الأميركية إن الفياض قاد فصيلا مسلحا قتل مئات المتظاهرين بالذخيرة الحية، خلال حملة قمع لمظاهرات مناهضة للحكومة عام 2019، وذلك بالتنسيق مع الحرس الثوري الإيراني، المصنف على القائمة السوداء أيضا.
ويصف معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى الفياض بـ"حرباء سياسية ذات غريزة بقاء قوية"، قائلا إنه وافق على استخدام قناصة الميليشيات الذخيرة الحية ضد المدنيين، وإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع مباشرة على رؤوس المتظاهرين، "مما خلق أبشع صور المظاهرات وأكثرها رهبة في 2019".
وهذه الاتهامات لا تختلف كثيرا عن تلك التي كانت موجهة سابقا للأخوين قيس وليث الخزعلي من عصائب أهل الحق، وأبو زينب اللامي القيادي في كتائب حزب الله، والذين استهدفتهم العقوبات الأميركية في السادس من ديسمبر 2019.
وتثير العقوبات المتعاقبة على قادة ميليشيات الحشد الشعبي تساؤلات بشأن مصير الحشد الشعبي الذي يتألف من 160 ألف عنصر، وتحدد له الدولة ميزانية قدرها 2.6 مليار دولار.
ويصف النائب خالد المفرجي العقوبات على الفياض بـ"الكبيرة"، قائلا إنها ومن قبلها تلك المفروضة "على عدد كبير من الشخصيات السياسية والعسكرية التابعة للحشد الشعبي، ستزيد من تعقيد الوضع في العراق".
والفياض هو أرفع مسؤول عراقي تفرض عليه الولايات المتحدة عقوبات. وبحسب ما يقول مايكل نايتس، المتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية للعراق وإيران ودول الخليج، فإن الفياض هو السياسي الشيعي الأكثر أقدمية الذي أدرجته الولايات المتحدة على القائمة السوداء حتى الآن.
وفي وقت كانت تشتعل فيه المظاهرات بالعراق كان الفياض يجتمع مع مسؤولين أميركيين في واشنطن، ثم عاد إلى بلاده في الرابع من أكتوبر 2019، لينضم إلى ما وصفت بـ"الخلية الإيرانية" لقمع الاحتجاجات العراقية.
ومثلما أعربت وزارة الخارجية العراقية عن "استغرابها" من القرار الأميركي ضد رئيس الحشد الشعبي، قال منقذ داغر، رئيس المجموعة المستقلة للبحوث والدراسات في العراق، إن العقوبات ضد الفياض "مفاجأة" خصوصا بعد زيارته الأخيرة للولايات المتحدة، وتوليه منصبا رسميا، في الوقت الحالي.
بينما تقول المديرة التنفيذية ورئيسة الباحثين في منتدى صنع السياسات بلندن رنا خالد إن العقوبات على الفياض تأتي في سياق "إصرار الإدارة الأميركية على معاقبة وحصار أذرع وامتدادات إيران في العراق".
ويتفق معها إياد العناز الباحث في الشأن العراقي، مضيفا "واشنطن تريد أن تقول لإيران إنها تتابع وترصد تحركاتها في العراق لمنعها من الاستمرار في مشروعها السياسي التوسعي".
لكن المديرة التنفيذية ورئيسة الباحثين في منتدى صنع السياسات بلندن ترى أن الأذرع الإيرانية لطالما أدت دورا مزدوجا، وصفته بـ"المهم" في مرحلة الحرب على داعش "لتنسيق العمليات العسكرية بين قوات التحالف الدولي وبين كافة الأطراف الإقليمية المجاورة للعراق وتحديدا إيران".
ويعد العراق حليفا عسكريا وثيقا لكل من الولايات المتحدة وإيران. فقد قدمت واشنطن دعما عسكريا لبغداد لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية في الفترة بين عامي 2014 و2017.
أما قوات الحشد الشعبي، المدعومة إيرانيا، تقول إنها ساهمت في دحر داعش رغم تقارير منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش بشأن ارتكاب الميليشيات المنضمة للحشد انتهاكات بحق سكان المناطق التي احتلها داعش.
وفي هذا السياق، تضيف رئيسة الباحثين في منتدى صنع السياسات بلندن، لموقع "الحرة" قائلة: "معادلة الأمن تغيرت في العراق، وتلك الأطراف والشخصيات التي كانت تتفاوض وتنسق مع القوات الأميركية أصبحت خطرة، وذات نفوذ أمني متزايد، وتنسق هجمات على القوات الأميركية، إضافة إلى امتلاكها وسائل قمع خارج سيطرة الدولة العراقية التي أصبحت أداة لتلك القوة وغطاء فعال لها".
ولا يزال للولايات المتحدة آلاف الجنود في العراق.
وفي أواخر 2020، تزايدت هجمات بصواريخ الكاتيوشا عبرت نهر دجلة، واتجهت صوب المجمع الدبلوماسي الأميركي شديد التحصين الذي بُني لكي يكون أكبر سفارة أميركية في العالم، وسط المنطقة الخضراء ببغداد، حيث وجهت الاتهامات لـ"كتائب حزب الله" و"عصائب أهل الحق" وميليشيات أخرى ولائية منضوية تحت لواء الحشد الشعبي.
وبحسب رئيسة الباحثين في منتدى صنع السياسات بلندن، فإن الولايات المتحدة لا تريد "نموذجا جديدا ومستنسخا لقاسم سليماني وأبو مهدي المهندس في هذه المنطقة، لذلك تحاول تدارك واحتواء حركة هذه الشخصيات بأسرع وقت".
وقبل عام، قتلت الولايات المتحدة أبو مهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي، في غارة بطائرة مسيرة عند مطار بغداد، ومعه قاسم سليماني الجنرال الإيراني الذي كان يقود العمليات بين حلفاء طهران في المنطقة.
وبموجب العقوبات الأميركية، يوضع المدرجون على اللائحة السوداء للمصارف، ويمتنع المستثمرون من التعامل معهم، ويقيد سفرهم، وتنبذهم الإدارات الأميركية.
ورغم أنه لم يُعيَن أي عراقي مصنف على القائمة السوداء كوزير في الحكومة أو كمحافظ، تثار التساؤلات بشأن الالتفاف على ذلك بعدما أرسلت بغداد رسميا القيادي في كتائب حزب الله أبو زينب اللامي إلى مصر، مع ضباط عراقيين لتلقي تدريب لمدة عام، مخصص لأفراد الجيش، ليصبح ضابطا كبيرا في الجيش، حسبما تنبأ لواء عراقي سابق.
وقال لواء عراقي سابق إن ضم اللامي لهذا التدريب الذي أجرته أكاديمية ناصر العسكرية العليا في مصر "ليس طبيعيا".
وبحسب المصدر، فإن ابتعاث متدربين لمثل هذه الأكاديمية التي تهيأ كبار القادة في الجيوش لإدارة وحدات عسكرية كبيرة يخضع لعدة عوامل لم تضعها وزارة الدفاع العراقية في اعتباراها عند إرسال اللامي.
وفيما يتعلق بقدرة هذه الشخصيات على الالتفاف على العقوبات، تقول رنا خالد: "الولايات المتحدة قد تحاصر أو تغير الأشخاص، لكنها تعجز عن تغير الواقع السياسي والأمني العراقي الذي تهيمن عليه إيران والقوى التابعة لها".
ونتيجة للعقوبات المفروضة عليهم، تصادر جميع ممتلكات ومصالح المعاقبين وأي كيانات أو مؤسسات يملكونها بشكل مباشر أو غير مباشر داخل الولايات المتحدة.
إلا أن منقذ داغر يقول "العقوبات مؤثرة؛ لكن تأثيرها محدود لأن العراق يعتمد كثيرا على الاقتصاد النقدي (الأموال السائلة) مقارنة بالبنوك أو الحوالات الدولية".
ولا يعتقد رئيس المجموعة المستقلة للبحوث والدراسات في العراق "أن المدرجين على القائمة السوداء يملكون شركات في دول تلتزم بتنفيذ هذه العقوبات".
وأضاف "جميع من عوقبوا في العراق مازالوا يمارسون أنشتطهم عبر كثير من الطرق الملتوية".
ويؤكد الباحث إياد العناز على هذه النقطة بقوله "لم يتأثر من شابه العقوبات سابقا وبقي يمارس دوره وحياته السياسية".
وفي المقابل، يشدد الباحث بمعهد واشنطن مايكل نايتس، في مقال تحليلي، على أهمية توقيت وضع رئيس الحشد الشعبي على القائمة السوداء الأميركية، قائلا: "تأتي هذه الرسالة في الوقت المناسب بشكل خاص مع اقتراب موعد الانتخابات العراقية في النصف الثاني من عام 2021".
وأضاف أن التوقيت "قد يمنح العراقيين الأمل في أن تعمل الولايات المتحدة مع جهات فاعلة دولية أخرى لضمان تصويت حر ونزيه".
ويرى نايتس أن الهدف الأساسي من إدراج فياض على القائمة السوداء "ليس لتغيير سلوكه، بل الإظهار للسياسيين العراقيين الآخرين وقادة قوات الأمن أن هناك تكلفة لدعم انتهاكات حقوق الإنسان والفساد الشبيه بالمافيا على أعلى مستويات الدولة".
لكن البرلماني العراقي خالد المفرجي يقول "هناك إصرار من كل هذه الشخصيات المدرجة على القائمة السوداء على مواصلة الطريق الذي بسببه فُرضت هذه العقوبات".
وعلق المفرجي على تصريح للفياض، قال فيه إن العقوبات لن تؤثر على مسيرته السياسية والوظيفية، بقوله: "هو ماض في تقديم الخدمات لمؤسسة الحشد الشعبي والحكومة، أعتقد أن الأمر سيكون محرجا جدا للكاظمي الذي يعتمد بشكل واضح وصريح على الفياض".
وبعد يومين من إدراجه على القائمة السوداء، اجتمع الرئيس العراقي برهم صالح مع الفياض، مؤكدا "ضرورة تعزيز سلطة الدولة والأجهزة الأمنية في تحقيق الأمن والاستقرار".
وهنأت قوات الحشد الشعبي الفياض على إدراجه على القائمة السوداء، قائلة على تويتر "نبارك لصديق الشهداء رئيس هيئة الحشد الشعبي الأستاذ فالح الفياض انضمامه مع الشرفاء الذي تعتبرهم الإدارة الأمريكية أعداء". كما أشاد به حزب الله اللبناني المدعوم من إيران.
وفي ظل عدم تعليق رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي على إدراج الفياض، وصف مستشار الأمن الوطني قاسم الأعرجي العقوبات بـ"الخطأ الذي يجب تصحيحيه".
وفي الرابع من يوليو الماضي، أعفى الكاظمي الفياض من اثنين من مناصبه الثلاثة (مستشار الأمن القومي ورئيس جهاز الأمن الوطني)، ليظل محتفظا برئاسة هيئة الحشد الشعبي.
ورجح المفرجي أن توثر عقوبات الفياض على حكومة الكاظمي مستقبلا.
وأوضح قائلا: "أعتقد أن أطرافا ذات علاقة سياسية بالحشد الشعبي ستطالب الكاظمي بخطوات حقيقة لتوضيح موقفه من هذه العقوبات ومدى التزامه بها".
وعن إمكانية إقالة الكاظمي للفياض بعد إدراجه على القائمة السوداء، تقول رئيسة الباحثين في منتدى صنع السياسات بلندن: "الحقيقة التي لا تغطى بغربال، حكومة الكاظمي وافقت عليها هذه القوى والشخصيات التي تحاول الولايات المتحدة اليوم محاصرتها وسحب الشرعية منها".
وأضافت "حكومة الكاظمي مخترقة من قبل تلك القوى التي تمتلك نفوذا يفوق نفوذ رئيس الوزراء نفسه، ولديها تشعب يفوق قدرات الدولة العراقية. لا أحد يستطيع إقالة تلك القوى".
ولا يذهب إياد العناز الباحث في الشأن العراقي بعيدا عن ذلك، قائلا إن الحكومة العراقية "لا تستطيع" القيام بأي إجراءات إضافية؛ كالإقالة أو الإعفاء من المسؤوليات الأمنية والإدارية للعناصر المشمولة بهذه العقوبات "لأنها لا تمتلك أدوات المواجهة".
ومع توقع أن تشمل عقوبات أميركية مقبلة شخصيات وميليشيات أخرى بالحشد الشعبي، تستبعد رنا خالد إدراج هذه الهيئة الرسمية على القائمة السوداء الأميركية، خصوصا مع تعيين بريت ماكغورك في الإدارة الجديدة للرئيس جو بايدن، كمنسق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمجلس الأمن القومي.
وكان ماكغورك موفدا لدى التحالف الدولي ضد تنظم الدولة الإسلامية، لكنه استقال في ديسمبر ٢٠١٢ بعد قرار الرئيس دونالد ترامب الانسحاب من سوريا.
وتقول رنا خالد إن العراق اعتمد هيئة الحشد الشعبي "كمؤسسة رسمية أمنية في زمن حكومة حيدر العبادي التي كانت تنسق مع ماكغورك".
بعد ستة أعوام على تشكيلها، تشهد فصائل حشد العتبات نشاطا غير معتاد بدأته أول ديسمبر الجاري بعقد مؤتمر لا تزال فعالياته متواصلة، بينما يتباين فهم دلالاته، في ظل تخوف من قتامة الوضع السياسي والأمني في العراق.
وأضافت "ماكغورك من أهم داعمي الكاظمي" منذ أن كان يشغل الأخير منصب رئيس جهاز المخابرات.
وتابعت "الإدارة الأميركية في ذلك الوقت لم تظهر أي مؤشرات على أنها ضد اعتبار الحشد الشعبي كمؤسسة أمنية شرعية في العراق".
وعلى العكس من المتوقع، سوف تستمر هذه المؤسسة، خصوصا أن ماكغورك نفسه يتمتع بعلاقات جيدة مع أغلب القوى والقيادات الشيعية المنضوية في الحشد الشعبي، وفقا لما تقوله رئيسة الباحثين في منتدى صنع السياسات بلندن.
لكنها توقعت أن يتغير نفوذ قيادات في الحشد "لتصبح منسجمة مع قوانين الدولة العراقية، وتنسق الملف الأمني مع الحكومة".