صالح القلاب
في مثل هذه الأيام، قبل عام، أي يوم الجمعة الثالث من يناير (كانون الثاني) السنة الماضية، أعلنت الولايات المتحدة مسؤوليتها عن مقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني بغارة صاروخية قرب مطار بغداد، ومعه العراقي أبو مهدي المهندس، القيادي في الحشد الشعبي، بينما كانا عائدين من جولة عسكرية تشمل سوريا ولبنان.
والمعروف أنه، وخلافاً لوصف قائد حركة «حماس» التي توصف بأنها فلسطينية وهي غير ذلك، إسماعيل هنية له بأنه «شهيد القدس» فإنّ المعروف أنه بالفعل قاتل ومتورط في دماء السوريين والعراقيين واللبنانيين أيضاً وأنه لولاه ولولا دعمه للنظام السوري، على أسس طائفية ومذهبية، بالميليشيات والأسلحة، لما بقي بشار الأسد صامداً حتى الآن.
وحقيقةً، إن هذا ينطبق على حسن نصر الله في ضاحية بيروت الجنوبية التي غدت تحكم لبنان وتتحكم في هذا البلد كله من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه وأيضاً بكل طوائفه المسيحية والسُّنية، هذا وبالطبع بالإضافة إلى الطائفة الشيعية.
إنّ إسماعيل هنية كان قد غادر قطاع غزة في الثاني من ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي ولم يعد إليه، وكانت أولى مهامه في «الخارج» إبعاد خالد مشعل عن قيادة هذه الحركة التي كان قد أسسها الشيخ أحمد ياسين وبقي يتابع تطوراتها إلى أن اُستشهد في الثاني والعشرين من مارس (آذار) عام 2004 بضربة جوية إسرائيلية بعد خروجه من مسجد «المجمع الإسلامي» القريب من منزله، حيث إنه، أي هنية، لم يرافقه في فجر ذلك اليوم إلى هذا المسجد والعودة منه كما جرت العادة ومع تأكيد أنه من المستبعد جداًّ اتهام هذا المسؤول الفلسطيني، لا سمح الله، بأي دور له في هذه الجريمة التي ارتكبتها إسرائيل بعد محاولات فاشلة كثيرة.
المقصود هنا هو أنه لا يحق لقائد «حماس» إسماعيل هنية الذي خرج من غزة بلا عودة وأصبح متنقلاً بين طهران ودمشق وضاحية بيروت الجنوبية وإسطنبول وأيضاً بغداد في بعض الأحيان، أنْ يصف قاتلاً مثل قاسم سليماني بأنه «شهيد القدس»، فالمعروف أنّ هذا الرجل يُقال إنه هو من أقنع الروس بتدخلهم الداعم للنظام العلوي في سوريا، وإنه هو من رفع شعار «سوريا هي خط الدفاع الأول للمقاومة» والمقصود هي المقاومة الإيرانية... أي النظام (الإيراني)، وإنه مَن أدار معركة بشار الأسد ضد المعارضة السورية وعلى أساس طائفي ومذهبي، حيث إن القوات التي قادها لاستعادة ما كان «المعارضون» قد انتزعوه من هذا النظام كانت كلها ومن دون استثناء ميليشيات مذهبية كـ«حزب الله» اللبناني وميليشيات شيعية عراقية وبالطبع ميليشيات علوية سورية وبقيادة ضباط من «الحرس الثوري» الإيراني.
والمؤكد أنّ هذا هو دافع إيران، والمقصود هو النظام الإيراني وحراس الثورة الإيرانية وكل من يتبعهم ويقف معهم، من إنشاء كل هذه التشكيلات الطائفية التي باتت تتمدد في العراق وفي سوريا وأيضاً في لبنان والجزء الحوثي من اليمن، ما يعني أنّ المعركة مع هذا النظام وامتداداته في بعض دول هذه المنطقة وفي البحر الأحمر، بشواطئه الغربية وبمضيق باب المندب، هي معركة العرب كلهم، وأنه لا يجوز لقائد «حماس» الذي غادر غزة بلا عودة، أن يطلق كل هذه التصريحات التي دأب على إطلاقها والتي وصف في بعضها القاتل وأيضاً المجرم، قاسم سليماني، بأنه «شهيد القدس»... والعياذ بالله.
إنه لا شك إطلاقاً في أنَ من يستحق أن يوصف بأنه «شهيد القدس» ليس قاسم سليماني ولا أيّاً من أتباعه وكل من هم على شاكلته ومن بينهم حتى إسماعيل هنية نفسه، بل الشيخ الجليل الشهيد أحمد ياسين هو الذي يستحق بأن يوصف بمثل هذا الوصف، مثله مثل قوافل شهداء القضية الفلسطينية وعلى مدى قرن كامل من الأعوام المتلاحقة.
ويقيناً، إنه عار وعيبٌ وغير جائز، لا لإسماعيل هنية ولا لغيره، بأن يصف قاتلاً مذهبياً مثل قاسم سليمان بأنه «شهيد القدس»، وذلك في حين أن المعروف أنّ أول ثورة فلسطينية هي ثورة عز الدين القسام الذي كان أول الشهداء الفلسطينيين على مستوى القادة، وهذا مع أنه من مواليد جبلة السورية في عام 1883 والذي دُفن بعد استشهاده عام 1935 في قرية «نزلة زيد» في جنين، وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ حركة «حماس» تطلق على جناحها العسكري اسم هذا الشهيد الكبير أي «كتائب عز الدين القسام»!
ثم ومرة أخرى... إنه لا يحق لإسماعيل هنية أن يوزع ألقاب الشهادة والبطولات على معارفه وأصحابه ورموز هذا النظام الإيراني الذي دأب على تمزيق هذه المنطقة العربية مذهبياً وطائفياً؛ فهذا الجنرال قاسم سليماني، الذي هناك من يؤكد وبالأدلة الدامغة أن يديه ملطختان بدماء الأبرياء وبدوافع مذهبية، لا يستحق أن يوصف بأنه «شهيد القدس»، فشهداء القدس يعرفهم الشعب الفلسطيني المجاهد كلهم وآخرهم ياسر عرفات (أبو عمار) الذي تم اغتياله بالسمّ الزعاف من «الموساد الإسرائيلي»، وهذه مسألة مؤكدة ومعروفة... والمفترض أن الفرنسيين يعرفون هذا أكثر من غيرهم.
وهنا فإنني أجد أنه عليّ بعد كل هذه الفترة الطويلة أن أعلن ما بقيت أصمت عنه انتظاراً لأن «يكشف» الإخوة والأشقاء في القيادة الفلسطينية ما يعرفونه حول الدور الإسرائيلي في اغتيال هذا القائد الفلسطيني الكبير الذي كان أول الرصاص بالنسبة للثورة الفلسطينية المعاصرة التي انطلقت في عام 1965، وهو أنني قد اتصلت بالرئيس محمود عباس (أبو مازن) وسألته عن حال (أبو عمار) وكان رده: «إنها في غاية السوء»، وأضاف: «إنه بإمكانك أن تتصل به لتعرف كل شيء»، وعليه فقد اتصلت بهذا الرجل العظيم الذي كنت قد عرفته منذ البدايات ورافقته على مدى سنوات طويلة، وهكذا فقد جاءني صوته عبر الهاتف ضعيفاً وحزيناً عندما سألته عن صحته وقال: «لقد قدْروا عليّ يا حبيبي يا صالح... خلاص لقد انتهى كل شيء».
إنها لحظة ما كنت أتوقعها رغم أن (أبو عمار) رحمه الله، قد تعرض لمحاولات اغتيال كثيرة إحداها كانت خلال مغادرته بيروت في عام 1982، وكنت أحد الذين رافقوه في هذه الرحلة من لبنان إلى أثينا ومنها إلى تونس ومنها إلى «فاس» المغربية، حيث انعقدت القمة العربية الثانية بمبادرة من المملكة العربية السعودية وبجهد من الملك فهد بن عبد العزيز، رحمه الله، الذي كان وقتها ولياً للعهد في تلك المرحلة التي كانت صعبة وخطيرة.
وهكذا، فإن ما أريد أن أقوله هو أن وصف «شهيد القدس» لا ينطبق إطلاقاً على قاسم سليماني ولا على أي من أمثاله، وإنه ينطبق بالتأكيد على «شهيد القدس» الأول عبد القادر الحسيني، مواليد القسطل المقدسية في عام 1908، وأحد قادة «منظمة الجهاد المقدس» والذي استُشهد في الثامن من أبريل (نيسان) عام 1948 ودُفن في منطقة باب الحديد في هذه المدينة المقدسة.
وعليه، وفي النهاية، فإن وصف «شهيد القدس» الذي أطلقه (الأخ) إسماعيل هنية على قاسم سليماني لا ينطبق عليه وأيضاً لا يستحقه، وإنما ينطبق وبالتأكيد على (أبو عمار) وأيضاً على الشهيد (أبو جهاد) وعلى كبار شهداء القيادة الفلسطينية.