يواجه الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن وضعاً غير مؤكد بشكل متزايد عندما يتعلق الأمر بإيران بسبب تحركاتها الأخيرة، والإجراءات غير المتماسكة التي اتخذتها إدارة الرئيس دونالد ترامب المنتهية ولايته.
ومع أن طهران تعول على بايدن لتخفيف التوتر مع الولايات المتحدة، لكن الوضع مهدد بالتدهور والتحول إلى صراع مفتوح قبل انتهاء ولاية ترامب التي تسيطر عليها فوضى متزايدة.
فقبل نهاية العام، أرسل البنتاغون قاذفات “بي – 52” إلى الخليج ردا على التخطيط الإيراني المزعوم للهجوم وذلك بعد أن حلقت هذه الطائرة مرتين في سماء المنطقة قبل ذلك، وألغى أمرا بإعادة حاملة الطائرات نيميتز، وهذا وحده يعكس مدى الأجواء المشحونة خلال الفترة الانتقالية في الولايات المتحدة.
ولم تعلن إيران، الاثنين الماضي، أنها استأنفت تخصيب اليورانيوم المتقدم في انتهاك للاتفاق النووي فقط، بل احتجزت أيضا ناقلة نفط ترفع علم كوريا الجنوبية للضغط على سيول للإفراج عن قرابة سبعة مليارات دولار مجمدة بفعل العقوبات الأميركية.
هذا المزيج القابل للاشتعال، الذي يأتي قبل أسبوعين فقط من تنصيب بايدن، يهدد بعرقلة أو على الأقل تأخير آماله في إعادة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي الذي انسحب منه ترامب في عام 2018. ولكنه يطرح في المقابل تساؤلات حول مدى إمكانية وصول التوتر إلى مواجهة في المنطقة.
على مدى أسابيع، سيطرت المخاوف من قيام إيران بإذكاء التوتر، وزادت مع إحيائها الذكرى الأولى لمقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني. وكانت واشنطن في حالة تأهب للتعامل مع انتقام محتمل من طهران، أو من قبل ميليشيات متحالفة في العراق أطلقت في السابق صواريخ على منشآت أميركية في بغداد.
ورغم أنه لم يبد أن إعلان رفع نسبة تخصيب اليورانيوم والاستيلاء على السفينة التي ترفع علم كوريا الجنوبية مرتبطين باغتيال سليماني، إلا أن الخطوتين أثارتا التوترات في المنطقة، والتي لطالما كانت غير متوقعة؛ فجزء من القلق هو أن تحركًا خاطئًا واحدًا أو استفزازًا متعمدًا يمكن أن يشعل الحرب.
ولكن مراقبين، ومن بينهم ماثيو لي وروبرت بيرنز ولوليتا سي بالدور، أكدوا في تقرير لوكالة أسوشيتد برس أنه ليس هناك ما يشير إلى أن الولايات المتحدة تخطط لشن هجوم على إيران، رغم أن ترامب قال إنه سيرد على أي هجوم تشنه إيران أو الميليشيات التابعة لها في العراق يسفر عن مقتل أميركيين.
ولطالما كان للجيش الأميركي مجموعة متنوعة من الأسلحة والقوات في الشرق الأوسط يمكن استدعاؤها إذا اندلعت الأعمال العدائية، لكن ترامب نفسه سخر من فكرة الانغماس أكثر في حروب الشرق الأوسط.
ويبدو أن السيناريو الذي يقلق المسؤولين العسكريين الأميركيين هو قيام إيران بهجوم، سواء داخل العراق أو في أي مكان آخر في منطقة الخليج، وهو ما من شأنه أن يدفع ترامب للرد، مما يؤدي إلى تصعيد قد يشعل حربًا أوسع.
ويعتقد ماتيو لي أن هذا جزء من سبب احتفاظ الولايات المتحدة بحاملة طائرات في المنطقة على أساس شبه مستمر منذ مايو 2019، عندما أكد البيت الأبيض لأول مرة أن إيران كانت تخطط لشن هجمات على أفراد أميركيين.
ويبدو أن التقليب غير المعتاد لنيميتز من قبل وزير الدفاع بالوكالة كريستوفر ميلر، يقوض جهود القيادة المركزية الأميركية لإقناع إيران بأنها لن تدفع إلى شن هجوم على القوات الأميركية.
وكانت إعادة نيميتز مطروحة على الطاولة لأسابيع، حيث كانت الحاملة في انتشار طويل وكان من المقرر أن تعود إلى الولايات المتحدة بنهاية العام الماضي، ولكن تم تمديد جولتها لبضعة أسابيع لتوفير الدعم لعمليات انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان والعراق والصومال.
ومع تصاعد التوترات مع إيران في منتصف ديسمبر الماضي، أرادت القيادة المركزية إبقاء نيميتز في مكان قريب. وبدلاً من ذلك، أعلن ميلر في آخر أيام 2020 أنه أمر بإعادتها إلى الولايات المتحدة، وبعد ثلاثة أيام اتخذ قرار إبقائها في الخليج.
وفاجأ إلغاء أمر إعادة نيميتز بعض مسؤولي الدفاع، مما يشير إلى أن القرار ربما تم اتخاذه في البيت الأبيض وليس نتيجة الحجج الجديدة من ضباط الجيش.
وعبر فيبين نارانغ، أستاذ العلوم السياسية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، عن ذلك التردد بالقول إن لدى الولايات المتحدة الآن شكل جديد من أشكال الردع ألا وهو الردع الفصامي.
ويعتقد الباحث الأميركي أنه بدل أن يظهر إبقاء نيميتز في الخليج كدليل قوة، فهو قد يرسل إشارة خاطئة بأن الفوضى المطلقة تسود في واشنطن الآن، وإذا كنت تريد القيام بمحاولة ما ضد الولايات المتحدة، قد يكون الوقت مناسبا الآن.
ويرى نارانغ أن الاحتمال ضئيل بأن تشن الولايات المتحدة عملية عسكرية، لكنه يشير إلى تزايد صعوبة التكهن بتصرفات دونالد ترامب الذي ما زال يرفض الاعتراف بهزيمته.
يكاد يجزم الكثير من المحللين والمتابعين للمتغيرات المتسارعة في الشرق الأوسط أن على إدارة بايدن التوفيق بين عدد من النزاعات والخلافات والتوترات إذا كان من شأن سياستها تجاه إيران أن تحظى بأي فرصة للنجاح.
وفي مقدمة هذه الأمور إدارك بايدن أن كلا من إسرائيل والسعودية ودولة الإمارات، ترغب في الحصول على تطمينات بشأن تحركات الولايات المتحدة تجاه إيران، خوفا من أن تتصرف هذه الدول بطرق من الممكن أن تؤدي إلى تعقيد الإستراتيجية الأميركية.
وسوف تشعر الإدارة الجديدة بوجود حاجة ملحة لإعادة فرض قيود على البرنامج النووي الإيراني، حتى بينما تتناول القضايا الأخرى، ولكنها لا تريد أن تجعل التفاهمات بشأن البرنامج النووي رهينة للتقدم الخاص بالصواريخ الباليستية أو التحديات الإقليمية.إلا أن تلك الدول متشككة بشأن الاتفاق النووي، وتخشى أن تتخلى الولايات المتحدة عن نفوذها مبكرا، كما أنها قلقة من أن تؤدي مصالح إدارة بايدن في عملية التفاوض إلى غض الطرف عن تهديدات إيران لجيرانها، كما ترغب الدول الأوروبية في أن تعود واشنطن إلى الاتفاق النووي، بينما من المرجح أن يعارض معظم الجمهوريين في الكونغرس أي عودة إلى الاتفاق النووي الذي لا يتعامل مع أحكام الآجال المحددة، أو الصواريخ الباليستية، أو إثارة إيران للمشاكل في الشرق الأوسط.
وحتى في الوقت الذي تسعى فيه إدارة بايدن إلى الحفاظ على نفوذها على إيران وإظهار التكاليف الباهظة لسلوكها السيء، فإنها ترغب أيضا في أن تكون قادرة على تقديم حوافز لسلوك أفضل تجاه جيرانها الإقليميين.