تتحرك أطراف سياسية عراقية مقربة من إيران لتسوية ملفات ساسة سنّة مقربين من تركيا سبق أن اتهموا بالتورط في أعمال إرهابية وبينهم من أدين قضائيا واضطر إلى الفرار إلى خارج البلاد، على غرار نائب رئيس الجمهورية الأسبق طارق الهاشمي الذي يرتبط بعلاقات وثيقة مع حركة الإخوان المسلمين.
ورغم الاختلاف المذهبي والأيديولوجي بين الأحزاب الشيعية التي قادت العراق بعد سنة 2003 والحركات السياسية التابعة لجماعة الإخوان، إلاّ أنّ ذلك لم يمنع التقاء مصالح الطرفين حيث كان التنسيق بين إيران الداعمة لتلك الأحزاب، والإخوان في العراق من الثوابت التي استند إليها الوضع الذي نشأ في البلد بعد سقوط نظام حزب البعث على يد الجيش الأميركي.
ويكفي أن رشيد العزاوي الأمين العام الحالي للحزب الإسلامي الذراع العراقية لحركة الإخوان قضى نحو نصف حياته في إيران، وهو ما يفسر صلاته الوثيقة برجالات طهران في بغداد مثل نوري المالكي وهادي العامري وفالح الفياض وغيرهم.
وكشفت صحيفة “العرب” اللندنية من مصادر سياسية واسعة الاطلاع أن رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض، يتحرك شخصيا لإبرام تسويات قضائية تسمح بعودة شخصيات سياسية سنية إلى العراق من بعض المنافي.
ومن بين هذه الشخصيات نائب رئيس الجمهورية الأسبق طارق الهاشمي الذي سبق للتلفزيون الرسمي العراقي أن عرض ما قال إنّها اعترافات فريق حمايته ومرافقيه الشخصيين وعدد من أقاربه بارتكابهم جرائم ذبح وتفجير واختطاف بين 2006 و2010، بتوجيه شخصي منه ومتابعته المباشرة.
ومن بين الكثير من الساسة السنّة الذين تعرضوا إلى ملاحقات قضائية بتهم الإرهاب والفساد، ولاسيما في عهد رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، يُنظر إلى الهاشمي بعين الريبة في الأوساط السنية والشيعية على حد سواء.
والهاشمي ضابط في الجيش العراقي السابق تمّ إبعاده من الخدمة بسبب شبهات فساد، وقد برز بعد 2003 كقيادي كبير في الحزب الإسلامي وتبوأ مناصب مهمة فيه حتى أنه تولى منصب أمينه العام لمدة أربع سنوات. لكنه استقال من الحزب ليشارك في انتخابات سنة 2010 عبر قائمة “علمانية” يقودها الليبرالي الشيعي إياد علاوي.
ووصفت خطوة الهاشمي هذه بالانتهازية لأنها نقلته إلى منصب لم يكن يحلم به وهو نائب رئيس الجمهورية، إذ كان من المستحيل أن يحصل عليه لولا قفزه من قارب الحزب الإسلامي.
واتهم الهاشمي بادئ الأمر باستخدام صلاحيات وإمكانيات منصبه في تنفيذ عمليات ذات طابع طائفي. وبالرغم من حرصه على أن تتسرب هذه الاتهامات إلى الشارع السني كي يستثمرها على المستوى السياسي إلاّ أنه لم يحظ بشعبية تُذكر، حتى أن نبأ صدور مذكرة قبض بحقه سنة 2011 بتهمة القتل العمد لم يلق أي تفاعل من قبل الجمهور السنّي.
وفرّ الهاشمي إلى إقليم كردستان العراق ثم إلى تركيا حيث جدد اتصالاته بحركة الإخوان وانخرط في السياق العام لمواقفها.
ويعتقد مراقبون أن التحرك الإيراني نحو إعادة الهاشمي وغيره من الشخصيات السياسية السنية المُبعدة قد يشكل أداة ناجعة لإحداث المزيد من الانقسامات في الجسد السني، قبل انتخابات عامة مبكرة من المقرّر أن تجرى صيف العام القادم ولا يستبعد أن تحدث تغييرات في معادلة الحكم في العراق.
ولن تكون الأحزاب الشيعية التي قادت العراق خلال الفترة الماضية وهي تتقدّم لتلك الانتخابات في وضع مريح مثل الذي اعتادت عليه من قبل، ذلك أنّ النتائج السلبية لفترة حكمها أصبحت ماثلة للعيان ومؤثّرة في واقع العراقيين، حتّى أنّ الأوساط الشيعية التي تعتبرها تلك الأحزاب خزّانها الجماهيري والانتخابي ثارت ضدّها في الانتفاضة التي اندلعت منذ أكتوبر 2019 وأدان المحتجون خلالها الطبقة الحاكمة وطالبوها بالتنحّي.
وعلى هذه الخلفية انطلقت بشكل مبكّر عملية ترتيب الأوراق ومساعي نثر التحالفات السياسية والحزبية وإعادة تشكيلها استعدادا لتلك الانتخابات غير مضمونة النتائج.
وتدرك إيران وأتباعها في العراق أن تشظي المشاريع السياسية السنية هو أفضل ضمان للحصول على حلفاء سنّة بمقاسات محددة قبل الانتخابات وأثناءها وبعدها. ولن تجد إيران أفضل من الخط الإخواني للعمل معه في العراق حيث يسجل التاريخ تعاونا فاعلا بين الطرفين منذ 2003.
ويقول مراقبون إن إيران تسعى إلى بناء تفاهم مع تركيا، وتحديدا رئيسها رجب طيب أردوغان في العراق، ليكون بديلا عن أي تفاهم مع الخليج أو الولايات المتحدة ويمكن للحزب الإسلامي العراقي أن يكون بوابة مثالية لهذا التعاون.
ورغم المشاركة الثابتة للسياسيين العراقيين السنّة في العملية السياسية الجارية في العراق منذ أكثر من سبعة عشر عاما، إلاّ أنّ هؤلاء السياسيين لم يستطيعوا تشكيل رقم فاعل في معادلة الحكم، ولم يحقّقوا منجزات تذكر للمكوّن الذي يقولون إنّهم يمثّلونه، كما لم ينجحوا في حمايته ودرء أخطار كثيرة حفّت به ومضارّ لحقته بالفعل، بسبب كثرة الصراعات بينهم ودخولهم في تحالفات غير متكافئة مع القوى الشيعية المسيطرة على مقاليد السلطة سعيا وراء تحقيق مكاسب شخصية.
ومؤخّرا برز الصراع مجدّدا بين الشخصيات والقوى السياسية السنيّة من خلال قيام بعض تلك الشخصيات بجهود لإزاحة السياسي السنّي الصاعد محمّد الحلبوسي من رئاسة البرلمان.
وقاد هذا الجهد الرئيس الأسبق للبرلمان العراقي أسامة النجيفي القريب من فكر جماعة الإخوان المسلمين وذي العلاقة الوطيدة بتركيا وذلك بتأسيسه جبهة جديدة تمثل كتلة سياسية تضم 35 نائبا وشخصية سُنيّة تحمل اسم الجبهة العراقية للعمل ضدّ الحلبوسي الذي برز خلال السنوات الأخيرة بشكل مفاجئ رغم حداثة عهده بالعمل السياسي قياسا بالنجيفي وغيره من السياسيين السنّة المخضرمين.
وتشارك في الجبهة الجديدة شخصيات سنّية معروفة مثل أحمد الجبوري ورشيد العزاوي وفارس الفارس وطلال الزوبعي ومحمد إقبال. وتقول مصادر سياسية إنّ أنقرة تنسّق بدقّة مع النجيفي عملية التمكين للجبهة الجديدة وتعرض خبرتها السياسية ومساعدتها المالية لإنجاحها