د. باهرة الشيخلي
يتهم المتظاهرون العراقيون رئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي ومقتدى الصدر زعيم التيار الصدري، وثالثهم الأخطر زعيم ميليشيا بدر هادي العامري، ورابعهم قيس الخزعلي، زعيم ميليشيا عصائب أهل الحق، باسطا ذراعيه أمام ساحة التحرير، بمحاولة إجهاض الثورة الشبابية التحررية في العراق، ويقولون إن هؤلاء توجههم إيران لضرب ثورة أكتوبر، وهم يشكلون شركة متحدة لقتل المتظاهرين، وإن البقية يؤدون أدوارهم حسب إمكانيات كل منهم.
وهم لا يستبعدون اشتراك رئيس الحكومة الحالي مصطفى الكاظمي في التآمر على ثورتهم، فهو تعهد بحماية المتظاهرين، ثم قتلتهم قواته ولم يحرك ساكنا، ولكل واحد من هؤلاء أدواته ودوره المكلف به، وأن الجميع يحاول تطوير أدواته وتعظيمها، وفي مقدمتهم المالكي، الذي ما يزال يطمح للعودة بقوة إلى واجهة الأحداث، والطريق هو إرضاء طهران.
حفل خطاب المالكي تجاه المتظاهرين بالتناقض، وحسب ما يقتضيه دوره، الذي رسمه له النظام الإيراني، فعندما تظاهر ضده أبناء الأنبار والموصل وديالى وصلاح الدين إبان ولايتيه وصفهم بأنهم فقاعة، وأن أهدافهم نتنة، ثم عاد ليقول عنهم في 19 أغسطس الماضي إنهم يخربون ويقتلون ويسقطون المحافظات ويجبرون المسؤولين على تقديم استقالتهم. وفي 24 أكتوبر الماضي، قال إن المتظاهرين إخواننا وأبناؤنا.
وعندما كانت ميليشياته، حركة البشائر وربع الله، تعتدي على المتظاهرين، في الوقت نفسه الذي كان يطلق عبارات التعاطف معهم، ردوا عليه بدوس صوره بأقدامهم وأحذيتهم، مع التذكير بحقبة حكمه، التي حفلت بتناقضات وانتهاكات لا عدّ لها، في إشارة إلى أن محاولاته لخداعهم لن تمرّ عليهم.
أجمع العراقيون منذ الولاية الأولى لنوري المالكي على أنه أسوأ حاكم في تاريخ البلاد، فقد برهن طوال مدة ولايتيه على تحامله على العراق وكراهيته المرضية للبلاد، وبالقدر عينه يدخر ثأرا مبيتا ضد مواطنيه، مذ ساوم على التفريط بكركوك وعن استعداده للتنازل عن الموصل. ومن سلوكياته الأشد إيلاما طائفيته، التي كانت سببا رئيسا في تدمير المجتمع، وأفضى إلى حرب أهلية عام 2006.
وهو العدو اللدود لكل ما هو وطني، والمصمم على الإجهاز على العراق، وهو من أسس الفتنة الطائفية في البلاد، واستحدث الميليشيات وفرق الموت لتكون أدوات قتل للعراقيين وتشريدهم. وهو الذي أطاح بالدولة العراقية، وأضاع ثروة العراق ومدخراته. وهو الذي يطالب العراقيون جميعا بإخضاعه لمحكمة الشعب، عن لائحة لا حصر لها من الجرائم ضد الإنسانية وعن سلسلة انتهاكات، ارتكبها مع سبق الإصرار والترصد، حسب ناشطين في الحراك الشعبي العراقي.
وهذا لا يقوله الناشطون فقط، ففي دراسة قانونية نشرت في 27 أبريل 2014 رصد الباحث القانوني رحيم حسن العكيلي خروقات دستورية كثيرة ارتكبها رئيس مجلس الوزراء نوري المالكي، الذي صرح، مرة، أنه لم يخرق الدستور أبدا!
والحقيقة، كما يقول العكيلي، إن المالكي لم يبق نص في الدستور لم يخرقه، ولا يزال يمعن في ارتكاب خروقات دستورية وقانونية، ولم يسبق لأحد قبله أن فعل مثلما فعل بهذه الجرأة والعلنية.
وأحصى العكيلي 34 خرقا ارتكبه المالكي للدستور، لعل أهمها وأخطرها إجهاض الدور الرقابي لمجلس النواب، من خلال منع أي مسؤول تنفيذي من الذهاب إلى مجلس النواب إلا بإذن منه، ورفض ذهاب وزراء مطلوب استجوابهم عن مخالفات وفساد منهم وزير الشباب والرياضة ووزير التعليم العالي والقادة الأمنيين وغيرهم. المادة (61/ سابعا – ج) من الدستور، وتعطيل تنفيذ القوانين النافذة، رغم أنه عين في منصبه لتنفيذ القوانين وأهمها قانون الخدمة العامة وقانون التعريفة الجمركية وقانون رواتب مجلس الوزراء وقانون التقاعد الموحد الصادر سنة 2006، وهو مخالفة وحنث باليمين الدستورية.
وتشير الدراسة إلى خروقات شملت معظم أوجه الحياة في العراق ومنها:
إنشاء سجون سرية، كسجن الشرف وغيره من العشرات من السجون في وزارة الداخلية والثكنات العسكرية مما يشكل خرقا للمادة (19/ ثاني عشر – ب) من الدستور والتي تنص على أنه “لا يجوز الحبس أو التوقيف في غير الأماكن المختصة”. إضافة إلى انتشار التعذيب المنهجي للموقوفين من أجل انتزاع اعترافات منهم؛ خلافا لنص المادة (37/ أولا – ج) بوجوب تحريم “جميع أنواع التعذيب النفسي والجسدي والمعاملة غير الإنسانية”.
تفتيش المنازل بلا إذن قضائي، الاعتقال بلا قرارات قضائية، وإخضاع المحكمة الاتحادية العليا واستعمالها لتحقيق مصالح سياسية وحزبية ضيقة، ابتداء من تفسير الكتل الأكبر وإلغاء قانون تحديد الولايات، وإخضاع الهيئات المستقلة لسلطته، ونزع صلاحيات مجلس النواب وتعطيل دوره التشريعي والرقابي.
مصادرة حرية الإعلام، واغتيال الإعلاميين والاعتداء عليهم وحرمانهم من الحماية، وغلق القنوات الفضائية أو التشويش على بثها، وتقييد حق التظاهر والاعتداء على المتظاهرين، وخرق حصانة النواب الدستورية، مثل اعتقال النائب أحمد العلواني في الأنبار، والنائب عبد ذياب العجيلي رئيس لجنة التعليم وزير التعليم العالي السابق، وإلقائهم في التوقيف.
هدم مبدأ التداول السلمي للسلطة، من خلال التمسك بالكرسي بطرق غير مشروعة والطعن بقانون تحديد الولايات أمام المحكمة الاتحادية وإلغائه، والصرف خارج الموازنة، إذ صرف “دولته” أكثر من سبعين مليار دولار خارج قانون الموازنة، خلافا للقواعد الدستورية، التي لا تجيز إنفاق دينار واحد من المال العام إلا بقانون.
تبني الميليشيات ودعمها، وتشكيل حكومة ناقصة، إذ شكل حكومته الثانية من دون تعيين وزير للدفاع ولا وزير للداخلية خلافا للدستور، وإنشاء أجهزة عسكرية غير دستورية خارج إطار الجيش والشرطة مثل جهاز مكافحة الإرهاب.
توزيع الأراضي بطريقة كيفية، وبلا أسس قانونية على كبار المسؤولين والمقربين، والتدخل في البنك المركزي وإبعاد رئيسه العالم الكبير الدكتور سنان الشبيبي، استخدام الجيش لقمع الشعب العراقي وبلا إذن مجلس النواب، كما حصل في الزركة والحويجة والأنبار، وغيرها.
تشكل تلك المخالفات الدستورية لرئيس مجلس الوزراء غيضا من فيض خرقه وإهماله لأحكام الدستور العراقي النافذ لسنة 2005، لأن “دولته” ابتلع الدولة ومؤسساتها وجيّرها لخدمته وخدمة بقائه على الكرسي، فرفع شعار “دولة القانون”، فأضحت في ظل سنوات حكمه العجاف، حسب العكيلي، دولة الانتهاكات والميليشيات، دولة المفخخات والتصفيات.
في أكتوبر 2007 اتهم القاضي راضي حمزة الراضي، الرئيس الأسبق للجنة النزاهة العامة المكلفة بالتحقيق في ممارسات الفساد في العراق، المالكي أمام لجنة الرقابة في الكونغرس بإعاقة التحقيق في قضايا الفساد، وأشار إلى الصعوبات، التي تواجهها لجنة النزاهة في أداء مهامها، لافتا إلى أنها باتت هدفا لأعمال العنف بمقتلِ 31 من العاملين فيها، موجها أصابع الاتهام إلى المالكي بإعاقة عمل اللجنة، قائلا أمام لجنة الرقابة والإصلاح الحكومي “لقد رفض رئيس الوزراء وحكومته الاعتراف باللجنة واستقلال القضاء وفق ما ينص عليه القانون، وذلك من أجل إجراء تحقيق في ممارسات الفساد بعيدا عن التأثيرات الطائفية والسياسية”.
من نتائج الانتهاكات والخروقات الدستورية الكثيرة، التي ارتكبها المالكي، أن فقد أدنى مقبولية له في الشارع العراقي، وتورطه الأخير في محاولة إجهاض الثورة الشبابية العراقية زادت طينه بلة، ولا يستبعد أن يصعّد المتظاهرون العراقيون مطالباتهم بتقديم المالكي إلى المحاكمة عن هذه الخروقات وغيرها.