Skip to main content

موسكو تدخل العراق من بواباتهِ الخلفية

الساحة الحمراء في موسكو
AvaToday caption
عندما أثارت الاحتجاجات الضخمة المناهضة للحكومة في أواخر عام 2019 قلق العديد من الدبلوماسيين الغربيين، وتراجع البعض بسبب المخاوف الأمنية، ظلت السفارة الروسية مفتوحة
posted onSeptember 5, 2020
nocomment

استثمرت الولايات المتحدة مئات المليارات من الدولارات في الأمن العراقي لكنها تواجه منافسة متزايدة على النفوذ من روسيا، التي تمارس لعبة جيوسياسية واسعة وإن كانت هادئة بتقدم لم يستجب له كبار صانعي السياسة في واشنطن.

ويقود العراق الآن رئيس جمهورية ورئيس وزراء مواليان للولايات المتحدة، وهما برهم صالح ومصطفى الكاظمي. ومع ذلك، يعرف الكرملين أنهما في وضع غير مستقر وسيواصلان التنافس على النفوذ في البلاد بهدوء. وفي ضوء زيارة الكاظمي إلى واشنطن الشهر الماضي، وأهمية توسيع العلاقات الأميركية العراقية، زادت مصالح روسيا أهمية.

عارض الكرملين في 2003 الغزو الذي قادته واشنطن للإطاحة بصدام حسين الذي نصب نفسه كما جوزيف ستالين، حيث تسبب سقوطه في خسارة روسيا لموقعها الاستراتيجي في العراق، ودق ناقوس الخطر بشأن المستقبل. وكما قال محلل روسي في أبريل من ذلك العام “لقد سلّط الصراع الأميركي العراقي الضوء على مطلب روسي عام بأن نستعيد مكانتنا كقوة عظمى”.

وتقول المحللة آنا بورشفسكايا في آيرا وينر بمعهد واشنطن إنه منذ ذلك الحين عمل الكرملين على العودة إلى العراق. وعلى نطاق أوسع، نصّب الرئيس فلاديمير بوتين نفسه على أنه بطل ضد الإملاءات الأميركية المتصورة، خاصة بعد الاحتجاجات السلمية للثورات التي اجتاحت المنطقة ما بعد الاتحاد السوفيتي في أوائل منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حيث يبقى بوتين مقتنعا بأن الولايات المتحدة دبرتها لإضعاف روسيا.

وضاعف إعدام صدام في ديسمبر 2006 قلق الكرملين بشدة. وهكذا، لا تختلف مصالح موسكو في العراق عن غيرها في أي مكان آخر في المنطقة، فقد صُوّرت كرد فعل على النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة.

وحقق الكرملين بعض الإنجازات في العراق في 2008، بعد أن ألغى بوتين معظم ديون البلاد البالغة 12.9 مليار دولار والتي تعود إلى الحقبة السوفيتية مقابل صفقة نفط بقيمة 4 مليارات دولار. وفي 2012، دخلت شركتا لوك أويل وغازبروم النفطية سوق الطاقة في كوردستان العراق.

ولكن الجهود الروسية تسارعت في السنوات الأخيرة، منذ 2014، عندما احتاج العراق إلى مساعدة فورية في محاربة داعش، وأخّرت واشنطن المساعدة العسكرية التي كانت بغداد في أمسّ الحاجة إليها.

وردّت موسكو على الفور، وهو أمر يتذكره الكثير من العراقيين إلى يومنا هذا، وبعد سنتين وصل أحد أكبر الوفود الروسية منذ سنوات إلى العراق للبناء على هذه الجهود ومناقشة المزيد من التعاون الأمني، وعلى مر السنين، تبع ذلك المزيد من استثمارات الطاقة، في كل من العراق وكوردستان أيضا، إلى جانب صفقات الأسلحة وغيرها من الأنشطة.

وتؤكد بورشفسكايا الباحثة، التي تركز على سياسة روسيا تجاه الشرق الأوسط، أنه بناء على محادثات أجرتها مع عراقيين في 2019، فإنه يواصل الكثيرون منهم النظر إلى روسيا كدولة تتفهم خطر الإرهاب السني أكثر من الغرب، وربّما يسلط هذا التصور الخاطئ الضوء على مدى انتشار روايات موسكو الزائفة في الشرق الأوسط وقابلية تأثّر المنطقة بها في غياب بديل أفضل.

وفي حقيقة الأمر، دائما ما تتعلق مساعدة موسكو بكسب النفوذ، وبالتأكيد، لم يقاتل الكرملين داعش بأي اتساق، بل وربما عززه في بعض الأحيان.

وتعد الطاقة قطاعا رئيسيا لنفوذ موسكو في العراق، وبدأت صفقات الطاقة الروسية في البلاد تكتسب طابعا أكثر استراتيجية في 2017 عندما أقرضت شركة الطاقة الروسية العملاقة روسنفت 3.5 مليار دولار لحكومة أربيل، ووقعت اتفاقية تجمع حزمة من عقود الطاقة الإضافية.

وبثّ القرض الحياة في حكومة إقليم كوردستان ووفر لها درجة مهمة من النفوذ في مواجهة حكومة بغداد التي تريد السيطرة على مبيعات نفطها، حيث أصبح عليها التعامل مع روسنفت بشأن هذه المسألة، وفي 2018، اشترت روسنفت أكبر حصة في خط أنابيب النفط الذي تملكه حكومة إقليم كوردستان والرابط بين الإقليم وتركيا ووافقت على بناء خط أنابيب غاز مواز.

وبالنسبة لموسكو، تجسّد الطاقة أداة للسياسة الخارجية، إذ تنجرّ عن السيطرة على خط الأنابيب آثار جيوسياسية طويلة الأمد تتجاوز مجرد الربح المادي، وهذا هو سبب اهتمام موسكو بالسيطرة على موارد الطاقة العراقية. ففي العام الماضي، بلغ إجمالي الاستثمار الروسي في قطاع الطاقة العراقي 10 مليارات دولار.

وتحدث المسؤولون الروس في مطلع السنة الحالية عن مضاعفة هذا الرقم ثلاث مرات، وتبقى التطلعات مهمة حتى لو لم تتجسّد هذه الأرقام على أرض الواقع، ولكن علاقات موسكو بالعراق تتجاوز الطاقة فوفقا للسفير الروسي لدى بغداد مكسيم ماكسيموف، سجّل البلدان 60 زيارة بين المسؤولين العراقيين والروس في 2019، أي بمتوسط خمسة وفود كل شهر.

وبالإضافة إلى ذلك، وفي أغسطس الماضي، حصل العراق إلى جانب لبنان على صفة مراقب في محادثات أستانة التي تقودها موسكو بشأن سوريا، والتي استخدمها الكرملين على مر السنين لإنشاء مسار دبلوماسي مواز بشأن سوريا لاستبعاد الولايات المتحدة والمعارضة الحقيقية لبشار الأسد.

حرصت روسيا على إخفاء علاقاتها مع الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران، والتي ينبغي أن تكون سببا لقلق واشنطن، نظرا لشراكة روسيا مع إيران في الشرق الأوسط، ففي أبريل 2012، ذكرت قناة آر.تي الروسية الناطقة باللغة العربية أن ممثل مقتدى الصدر، الشيخ مهند الغراوي، كان يزور موسكو، وواجه الصدر وميليشياته مقاومة شرسة للجهود الأميركية في العراق.

وعلى مر السنوات، نصب الصدر نفسه على أنه سياسي مؤثر لعب مع جميع الأطراف، وهي ميزة ظهرت على الأرجح لموسكو التي تفعل الشيء نفسه، كما سافر أعضاء من ميليشيات الحشد الشعبي المرتبطة بإيران إلى موسكو في سبتمبر 2019. وحسب ما ذُكر، التقى السفير الروسي ماكسيموف مع زعيم الحشد الشعبي فالح الفياض في أغسطس، كما يتزايد حديث كبار السياسيين العراقيين، في السرّ، عن علاقات الحشد مع موسكو.

وتبقى موسكو ملتزمة بالضغط من أجل النفوذ في العراق، رغم مخاطر ذلك، فعندما أثارت الاحتجاجات الضخمة المناهضة للحكومة في أواخر عام 2019 قلق العديد من الدبلوماسيين الغربيين، وتراجع البعض بسبب المخاوف الأمنية، ظلت السفارة الروسية مفتوحة، بينما نظّم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف جولة في كل من بغداد وأربيل.

ومع تشكيل الحكومة الحالية في سياق الاحتجاجات، لم تكتف موسكو بالمراقبة، بل عملت على تأمين النفوذ والصلات واستمرت في جهودها إلى اليوم.

ولا تفتقر موسكو إلى خيوط اتصال مع الحكومة العراقية الحالية، وفي مايو، ذكرت الصحف الروسية أن الكاظمي دعا بوتين، عبر مكسيموف، لزيارة بغداد، كما لم يفوت الكرملين فرصة التدخّل كلما ازداد التوتر بين بغداد أو أربيل وواشنطن. وعلى سبيل المثال، عندما تصاعد التوتر إثر الضربات الجوية الأميركية التي أودت بحياة الجنرال الإيراني قاسم سليماني، ناقش المسؤولون الروس والعراقيون تعميق التعاون العسكري.

ليست موسكو على وشك تعويض الولايات المتحدة أو إيران في العراق، بدلا من ذلك، يبني الكرملين نفوذه بهدوء في القطاعات الرئيسية ويدعم القوى المعادية لأميركا في البلاد، وفي وقت تواجه فيه موسكو المنافسة، فهمت أهمية الصراع الجيوسياسي بالنسبة للعراق الذي شهد تناقص التزام واشنطن تجاهه. ولا تُظهر موسكو أي علامات للابتعاد عن إيران على الرغم من الخلافات التكتيكية وتواصل الاقتراب من الصين، وهي جهة فاعلة أخرى تشق طريقها نحو العراق.

وسيجري العراق انتخابات برلمانية مبكرة في الصيف أو الخريف من سنة 2021، وإذا فازت القوى الموالية لإيران بالمزيد من المقاعد، فسيسمح ذلك لموسكو بزيادة نفوذها، وبالتالي، يجب على الولايات المتحدة الانخراط بنسق أعمق في العراق لضمان الأمن ومواجهة النفوذ الإيراني والروسي، إذ سيؤدي تضاعف النفوذ الروسي في العراق إلى تفاقم الفساد والتوترات العرقية والطائفية والحد من الحريات المحدودة بالفعل.

وتمحورت السياسة الخارجية الأميركية حول منافسة القوى العظمى المتمثّلة في روسيا والصين، مما يزيد من أهمية العراق كشريك استراتيجي. كما استثمرت الولايات المتحدة الكثير في العراق ولفترة طويلة بحيث لا يمكنها التراجع الآن.