حسين عمران
ليست مهمة سهلة ابدا، تلك التي سيبدأها مصطفى الكاظمي يوم الخميس المقبل حينما يلتقي في البيت الأبيض الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
اذ في الوقت الذي طلبت اميركا من الكاظمي ان يوقف الهجمات الصاروخية على المواقع التي تتواجد فيها القوات الأميركية، نرى وفي تحدٍ واضح ان تلك الهجمات ازدادت بشكل ملحوظ خلال الأيام العشرة الماضية، وكأنما مطلقي صواريخ الكاتيوشا يوصلون رسالة واضحة الى الكاظمي قائلين له ان ملف خروج القوات الأميركية من العراق يجب ان يكون حاضرا في لقاءك مع ترامب.
وبرغم ان الكاظمي يريد الحصول على مساعدات أميركية للنهوض بالواقع الأمني والاقتصادي والصحي في البلد، الا ان رسالة اميركا للكاظمي تشير الى انه لا مساعدات من أي نوع مع استمرار الهجمات الصاروخية على مقرات القوات الأميركية.
لكن المشكلة التي يواجهها الكاظمي، هي ان القوى السنية والكردية ترغب ببقاء القوات الأميركية، حتى ان قسما من القوى الشيعية ترغب بذلك وان كانت ظاهريا تطالب بخروج القوات الأميركية، لكن تبقى كتل الفتح وسائرون ودولة القانون ترفض الوجود الأميركي وتطلب من الكاظمي اعتبار ذلك الفقرة الأهم التي يتعين عليه بحثها مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب للاتفاق على الانسحاب وإعلان ذلك بوصفه الهدف الأول والأخير للزيارة.
وفي هذا المجال يمكن القول ان الجهة الوحيدة من القوى الشيعية والتي عبرت عن تأييدها الواضح لزيارة الكاظمي إلى واشنطن هي تحالف عراقيون الذي يتزعمه عمار الحكيم والذي تم تأسيسه أصلا لدعم الكاظمي في بناء الدولة.
النائب عن تحالف عراقيون حسن فدعم أعلن أن زيارة الكاظمي إلى واشنطن مهمة في هذه المرحلة، مضيفا إن «العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية يجب أن تكون متوازنة، ومبنية على احترام سيادة البلاد وإرادة الشعب».
وتمنى فدعم أن «تكون هذه الزيارة نقطة انطلاق جديدة تعبر عن إرادة حقيقية عراقية».
اذن، يمكن القول ان الزيارة المرتقبة للكاظمي للبيت الأبيض تأتي بالتزامن مع أجواء من التوتر والغموض التي تسود العلاقات بين البلدين، وتحديداً فيما يتعلق بالوجود العسكري الأميركي، في حين يرجح مراقبون أن تتصدر قضية النفوذ الإيراني في العراق مشهد المباحثات بين الطرفين، خاصة مع وصف البيت الأبيض الزيارة بأنها تأتي في مرحلة حاسمة للولايات المتحدة والعراق على حد سواء.
المراقبون للوضع السياسي العراقي يشيرون الى ان واشنطن تسعى وتهدف من زيارة الكاظمي إلى إيجاد حل حاسم لإشكالية الفصائل المسلحة المُوالية لإيران في العراق، حيث يرى مراقبون أن هذا الأمر يبدو كشرط من واشنطن في توفير الدعم للعراق، ومن هنا تبرز مهمة الكاظمي الصعبة التي يصفها البعض بانها لا تتعدى بان يكون الكاظمي ناقلا للرسائل بين واشنطن وطهران لتهدئة الأوضاع بينهما وخاصة وان الساحة العراقية هي مسرح لاي اصطدام بين الطرفين.
واشنطن حددت مسبقا الهدف من زيارة الكاظمي على لسان غبريال صوما عضو المجلس الاستشاري للرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي قال ان أهم الملفات التي من المرجح أن يناقشها رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في البيت الأبيض هي تعزيز العلاقات الثنائية بمختلف المجالات بما فيها الأمن والاقتصاد والطاقة والرعاية الصحية والتصدي لجائحة كورونا.
وأضاف أن "لقاء الكاظمي بترامب سيشهد مناقشة مسألة التدخل الإيراني بالشأن العراقي ومناقشة حالات الاختطاف والاغتيالات بالعراق وأبرزها حادثة اغتيال الخبير الأمني هشام الهاشمي"، مشيرا إلى أن الملفات التي سيناقشها رئيس الوزراء في البيت الأبيض ستتضمن استهداف مبنى السفارة وحركة الاحتجاجات في العراق.
وبيّن صوما، أن "الولايات المتحدة أضطرت إلى استخدام منظومة باتريوت لحماية مبنى السفارة والموظفين من الهجمات الإرهابية"، لافتًا إلى أن "واشنطن ستؤكد احترامها سيادة والدستور العراقي، الا ان أشار الى إن "سحب القوات الأميركية من الأراضي العراقية غير وارد، في حين أن تخفيض الأعداد سيكون حسب الاتفاقيات والعمل المشترك بين الحكومتين".
وفي السياق ذاته، يحدد أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، إياد العنبر، إن الرئيس الأميركي يودُّ بحث سبل إضعاف إيران في المنطقة قبل الانتخابات الأميركية في تشرين المقبل، مبيناً أن "واشنطن باتت تدرك أن تفكيك النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط يجب أن يبدأ من العراق، الذي كان منطلق تنامي هذا النفوذ من الأساس"، لذا فان "الإدارة الأميركية تريد معرفة مدى قدرة الكاظمي واستعداده في إدارة ملف الصراع مع الفصائل المسلحة."
عموما، نستطيع القول انه على الرغم من تمخُّض الجولة الأولى للحوارات عن اتفاق يقضي بتقليص عدد القوات الأميركية في البلاد واحترام قرارات البرلمان العراقي، فإن الفصائل المسلحة المُوالية لإيران تبدو مُصرَّة على تضمين جدولة انسحاب القوات الأميركية كشرط أساس للقبول بنتائج أي مفاوضات بين الجانبين.
وبالتزامن مع إعلان موعد زيارة الكاظمي إلى واشنطن، ربط زعيم حركة "عصائب أهل الحق"، قيس الخزعلي، في كلمة مُتلفزة، بين إخلاء المدن من السلاح وإخراج القوات الأميركية من البلاد.
تابع الخزعلي "نُعاهد قادة النصر (قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس) على طرد القوات الأميركية من أرض البلاد"، وهو ما يراه مراقبون رسالة واضحة إلى الكاظمي قبيل الزيارة المرتقبة إلى واشنطن.
في المقابل، تؤكد مصادر مقربة من حكومة الكاظمي إلى أن "الحوارات ستشمل التعاون في مجالات الاقتصاد، خصوصاً ما يتعلق بإخراج العراق من الأزمة المالية التي يُعاني منها، فضلاً عن حل أزمة الكهرباء"، لافتة إلى أن "الحكومة العراقية تتطلَّع إلى مُساندة واشنطن لتجاوز هاتين المشكلتين"، وهو الأمر الذي قد تستغله الولايات المتحدة لفرض شروط على الحكومة العراقية فيما يتعلق بمواجهة النفوذ الإيراني.
وبشأن التعاون في الملف الأمني، بيَّنت المصادر أن "الكاظمي سيبحث مع واشنطن إمكانية تقديمها المساعدة في إطار تقوية القوات الأمنية، والتعاون الاستخباري والأمني مع الجيش الأميركي".
من جانبه اعتبر الباحث والأكاديمي باسل حسين زيارة الكاظمي إلى واشنطن "خطوة مهمة نحو انفتاح العراق على المحيط الدولي"، مضيفا أن "جدول الزيارة يُعطي انطباعاً بأن عدَّة ملفات سيتم تداولها على رأسها الوجود الأميركي في العراق".
ويمكن القول أيضا بهذا الخصوص ان زيارة الكاظمي لواشنطن تنطوي على اهمية غير قليلة، نظرا لحجم التعقيدات والحساسيات في مسيرة العلاقات بين بغداد وواشنطن، ابتداء من عملية احتلال العراق تحت ذريعة الاطاحة بنظام صدام في عام 2003، لذا فان ملف الوجود الاميركي في العراق سيفرض نفسه، وسيكون المحور الاساس لمجمل المباحثات، والمثابة لكل القضايا والملفات الاخرى.
ورغم تأكيدات الرئيس الاميركي دونالد ترامب وعدد من مساعديه بأهمية استمرار التواجد الاميركي في العراق، الا انهم كانوا يدركون حجم وطبيعة الضغوط الشعبية والسياسية العراقية، لذلك اتخذت واشنطن بعض الاجراءات من اجل امتصاص الغضب وتخفيف ردود الافعال الحادة، تمثلت بسحب القوات الاميركية من بعض القواعد العسكرية واعادة تموضعها في قواعد اخرى، والتصريح بالنية بسحب تلك القوات بصوة نهائية من العراق الى قواعد عسكرية اميركية في بعض دول المنطقة.
ميدانيا، يمكن القول انه ومنذ اواخر شهر اذار الماضي اخلت واشنطن قواتها من ست قواعد عسكرية في الوسط والشمال وركزتها في ثلاث قواعد توصف بالمحصنة في الانبار وصلاح الدين واربيل، فضلا عن ذلك فأنها اعلنت مؤخرا سحب قواتها من قاعدتين عسكريتين في محيط العاصمة نتيجة زيادة هجمات الكاتيوشا على مقراتها، مما شكّل ذلك قلقا متزايدا لصناع القرار في البيت الابيض والبنتاغون، لذا فان واشنطن تريد خلال زيارة الكاظمي وضع النقاط على الحروف من خلال وجود دائمي لها، خاصة وان الحوار الاستراتيجي الذي انطلق في الحادي عشر من شهر حزيران الماضي بين بغداد وواشنطن عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، لم يكن مشجعا، لانه بحسب رؤية العديد من الساسة والمراقبين العراقيين، ابتعد عن الموضوعات والقضايا الجوهرية الاساسية، وراح يدور حول ملفات ربما اعتبرها البعض تأتي بالدرجة الثانية او الثالثة من حيث الاهمية والاهتمام والاولوية.
واذا ما اعدنا الى سلسلة مفاوضات بغداد مع واشنطن، فنستطيع القول انها مفاوضات ماراثونية طويلة بدأت في عام 2007، وأفضت الى ابرام الاتفاقية الامنية واتفاقية الاطار الاستراتيجي في عام 2008، ومهدت لإنسحاب القوات الاميركية من البلاد في نهاية عام 2011، لذا فانه من الضروري جدا اجراء مراجعات تفصيلية دقيقة لتلك التجربة وتشخيص نقاط قوتها لاستثمارها وتوظيفها في المفاوضات الجديدة.
لذا يرى المراقبون ان على الكاظمي ان يسعى الى مواصلة مسارات ذلك الحوار وينبغي عليه الاخذ بنظر الاعتبار مجمل الملاحظات والتحفظات المطروحة من قبل كل الاطراف، في ذات الوقت عليه ان لا يستكين للضغوطات والمساومات الاميركية، ولا يصدق كثيرا وعود وتعهدات ساسة البيت الابيض، لان موضوعة السيادة الوطنية، تبقى تتصدر قائمة الأولويات.
وأيضا لا يمكن نكران ان الجانب الأهم في الزيارة، ان القوى السياسية المحلية تعوّل بشكل غير مباشر في كسب "ود" الإدارة الاميركية، وتجنب حدية الصراع، لردع أي مشروع عقوبات على بعض الشخصيات العراقية التي تعتبرها واشنطن خطرا على مصالحها،
وعلى رغم ان هذه القوى تجاهر بموضوع اخراج القوات الاميركية، لكنها من وراء الكواليس تسعى الى تفاهمات، تحول دون تصعيد اميركي ضدها.
اما على صعيد الشارع الذي يعاني من نقص الخدمات فانه لم يعد في سلم أولوياته، ملف اخراج القوات الاميركية، قدر العمل بحنكة ودبلوماسية لخدمة البلاد عبر الاستفادة من المساعدات الاميركية، سواء المادية منها أو على الصعيد السياسي والفني.
واذا ما كان ثمة قوى سياسية عراقية، تركز على اخراج القوات الاميركية في العراق، فان الأولوية بحسب صوت الشارع العراقي، العمل على الدعم الأميركي والدولي لقطاعات الاقتصاد والكهرباء في العراق.
وخلاصة القول، ان الزيارة من جانب الكاظمي يجب ان تهدف الى كسب ود اميركا ومد يد العون في مجالات الطاقة والاقتصاد والصحة والتعليم إضافة الى الجانب الأمني، ومن جانب اميركا فان الزيارة تهدف الى الحصول على تأييد من الكاظمي للحد من النفوذ الإيراني الذي بات يهدد الوجود الأميركي من خلال جماعات الكاتيوشا، وبين هذا الهدف او ذاك تاتي صعوبة زيارة الكاظمي الى واشنطن والتي ستظهر نتائجها حتما في قادم الأيام.