على وقع الأزمات المتراكمة على إيران أعلن مسؤول بالحكومة الإيرانية الاثنين عدم استعداد أي دولة لتوقيع عقود مع بلاده، فيما تئن الجمهورية الإسلامية تحت وطأة العقوبات الأميركية والضغوط التي قطعت على النظام الإيراني جل عائداته وضيقت عليه المبادلات التجارية مع أغلب الدول، في وقت يتجه فيه الاقتصاد الإيراني نحو الانهيار في ظل تفشي فيروس كورونا بين الإيرانيين.
وقال وزير النفط الإيراني بيجن زنغنة في تصريح أدلى به للصحفيين على هامش حفل توقيع عقد مع الصين لتطوير حقل ازادكان الجنوبي للغاز الطبيعي، إنه "لا توجد أي دولة أجنبية مستعدة لتوقيع عقود مع بلاده في الفترة الراهنة".
وتابع زنغنة في هذا الخصوص "وفقا لهذه الاتفاقية سيكون لدينا تعاون طويل الأمد مع الصين في الصناعات النفطية، ونحن مستعدون لتوقيع مثل هذه الاتفاقيات مع أي دولة أخرى غير الكيان الصهيوني".
وأكد أنه لا توجد أي دولة حاليا مستعدة لتوقيع عقود تجارية مع إيران، مضيفا "سيتم عبر هذا الحقل إضافة 25 مليون طن إلى طاقة إنتاج البتروكيماويات الإيرانية، وسيرتفع إنتاج البتروكيماويات الى 100 مليون طن وستكون قيمة الصادرات 25 مليار دولار".
ويعاني الاقتصاد الإيراني من انهيار بفعل العقوبات الأميركية على طهران، زادت وتيرته مؤخراً جراء وباء كورونا.
وتسببت العقوبات الأميركية في تقليص إنتاج إيران من النفط الخام إلى متوسط 1.9 مليون برميل يوميا، مقارنة بـ 3.85 ملايين قبل العقوبات وفق بيانات "أوبك"، فيما تراجعت الصادرات إلى أقل من 100 ألف برميل يوميا.
وتعد مبيعات الخام الإيراني المصدر الرئيسي لإيرادات طهران، حيث تعتمد ميزانية الجمهورية الإسلامية أساسا لتغطية نفقاتها على مبيعات النفط التي تتراوح بين 500 ألف مليون برميل يوميا.
من جهة أخرى تشير تقديرات المحللين إلى أن صادرات إيران من النفط هوت في ظل العقوبات الأميركية، من ما يزيد عن 2.5 مليون برميل يوميا إلى نحو 400 ألف برميل يوميا أو أقل.
وقلصت العقوبات حجم الاقتصاد المحلي في إيران، نتيجة عقوبات على صادرات عديد الصناعات، وواردات مواد خام تدخل في عدة قطاعات صناعية.
وأقر مسؤول إيراني بارز مؤخرا بأن العقوبات الأميركية قصمت ظهر الاقتصاد في بلاده، فيما يستمر النظام الإيراني في التمسك بنهج المكابرة والعناد في مغالطة الرأي العام المحلي وفي الحرب النفسية مع المعسكر الاقليمي والدولي المناوئ لممارساتها وأنشطتها المزعزعة للاستقرار في المنطقة.
ولا يختلف اثنان في أن إيران تمر بأصعب ظرف سياسي واقتصادي في تاريخها بعد أن ضيقت عليها واشنطن الخناق بعقوبات قاسية وضعت اقتصادها على حافة الانهيار، حيث يشهد الريال الإيراني انهيارا حاد بلغ أدنى مستوياته وسط أزمة غير مسبوقة تشهدها البلاد.
وبحسب بيانات القطاع الاقتصادي فإن إيران قلصت مؤخرا إنتاج النفط الخام لأدنى مستوياته في أربعة عقود، إذ تمتلئ صهاريج وسفن التخزين عن آخرها تقريبا، بسبب تراجع الطلب وخفض تشغيل المصافي جراء جائحة فيروس كورونا وتحت ضغط العقوبات الأميركية على القطاع.
وتكابد إيران في مواجهة وابل من الأزمات تتالت الواحدة تلو الأخرى، انطلاقا من العقوبات الأميركية ومرورا باحتجاجات العام الماضي بسبب تدهور الأوضاع المعيشية وصولا إلى جائحة كورونا التي فاقمت معاناة السلطات في طهران التي تحاول من جهة أخرى احتواء مشاكلها السياسية المتناثرة.
وتفرض الولايات المتحدة منذ انسحابها من الاتفاق النووي عام 2018 عقوبات صارمة على الاقتصاد الإيراني شملت قطاع النفط، كما تهدد واشنطن بفرض عقوبات مماثلة على أي دولة تشتري النفط من إيران، ما عمق عزلة ظهران وفاقم معاناتها على مستويات عدة وقطع عليها أواصر المبادلات التجارية، فيما يبحث النظام الإيراني عن سبل تنفيس اقتصاده المختنق.
وعادة ما يتوجه النفط الإيراني نحو الأسواق الآسيوية، لكن فيروس كورونا قلص الطلب على المعروض الإيراني، حيث خفضت عدة دول مشترياتها، فيما تعتمد طهران بالأساس على القطاع النفطي لتغطية نفقاتها.
وسبق لإيران أن اضطرت لبيع الخام بخصم على الأسعار الطبيعية، سعيا منها لترقيع الأزمة الاقتصادية المتفاقمة ومحاولة جذب المشترين القلقين من مخالفة التهديدات الأميركية بفرض عقوبات.
وإلى جانب العقوبات المكثفة التي فرضتها الولايات المتحدة على الاقتصاد الإيراني، تنذر واشنطن بمعاقبة الشركات والدول التي تشتري النفط الإيراني في محاولة إلى تعميق عزلة طهران وكبح انتهاكاتها النووية.
وتخشى الإدارة الأميركية من أن تزيد طهران في تخصيب اليورانيوم بما يسمح لها بصناعة أسلحة نووية في ظل أنشتطها المزعزعة لاستقرار الشرق الأوسط ووقوفها وراء اعتداءات متكررة على منشآت نفطية خليجية، فضلا عن جرائمها في دول الجوار من خلال نفوذها العسكري في سوريا ولبنان والعراق.
ويبدو أن إيران سائرة نحو عزلة أوسع في ظل زيادة تفشي فيروس كورونا، فيما يقف النظام الإيراني بين نارين، حائرا بين عودة مستبعدة لإغلاق الأنشطة التجارية وفرض الحجر الصحي لمنع انتشار الوباء، أو الاستمرار في استئناف عجلة الاقتصاد لإنقاذ البلاد من الإفلاس.
وأمس الأحد قررت تركيا تعليق الرحلات الجوية إلى الأراضي الإيرانية في إطار إجراءات منع انتقال عدوى كورونا وتفشي المرض بين الأتراك، فيما أصبحت إيران أكثر البلدان تضررا من كوفيد-19 في منطقة الشرق الأوسط، بؤرة لتفشي الفيروس، ما قد يضيق الخناق على الاقتصاد الإيراني، خصوصا وأن دولا عدة على غرار الجارة تركيا قد تضطر لغلق حدودها ووقف التعاملات التجارية مع الجمهورية الإسلامية التي باتت ضمن مناطق عالية الخطورة بسبب ارتفاع ضحايا كورونا بشكل مفزع.
ويأتي قرار السلطات التركية تعليق الرحلات الجوية إلى إيران بعد يوم من تصريح الرئيس الإيراني حسن روحاني بإصابة 25 مليون إيراني بكورونا، غير مستبعد إصابة 30 مليونا آخرين بالفيروس.
وأعلنت وزارة الصحة الإيرانية الاثنين ارتفاع إجمالي عدد حالات الوفيات الناجمة عن الإصابة بفيروس كورونا في البلاد إلى 14 ألفا و 405 حالات، بعد تسجيل 217 حالة وفاة جديدة خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية.
وصرحت المتحدثة باسم وزارة الصحة والعلاج والتعليم الطبي الإيرانية سيما سادات لاري، بأن إجمالي عدد الإصابات تجاوز 276 ألفا، بعد تسجيل 2414 حالة إصابة جديدة.
وتظهر الأرقام الرسمية منحى تصاعديا في أعداد الوفيات والإصابات الجديدة المؤكدة في الأشهر الماضية، بعدما كانت إيران قد سجلت في مطلع مايو/أيار الماضي، أدنى عدد من الإصابات اليومية بالفيروس.
ويأتي ارتفاع إصابات كورونا في إيران وسط انتقادات لاذعة طالت الحكومة الإيرانية بسبب تسرعها في رفع إجراءات الحجر الصحي واستئناف الأنشطة الاقتصادية، متجاهلة تحذيرات منظمة الصحة العالمية من رفع سابق لأوانه لقيود كورونا وسط عجزها عن السيطرة عن الوباء.
وحذر المرشد الأعلى في إيران آية الله علي خامنئي قبل أيام من أن المشاكل الاقتصادية في البلاد يمكن أن تزداد سوءا في حال تفشي فيروس كورونا المستجد بشكل واسع، معتبرا أن الزخم السابق لاحتوائه قد "تضاءل".
كما أعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني أن بلاده تشهد أصعب عام يمر عليها بسبب العقوبات الأميركية التي تواكبت مع جائحة كوفيد-19.