Skip to main content

الكاظمي في السعودية: قلق إيراني

مصطفى الكاظمي، رئيس الوزراء العراقي
AvaToday caption
مأزق طهران الحالي مع العراق يمكن اختصاره بمقولة "فاقد الشيء لا يعطيه" فما يحتاجه العراق في هذه المرحلة بعيد جدا عن عروضها العقائدية ومشاريعها المُسلحة وسياسات المحاور، وأزمتها العميقة أنها غير مستعدة للاعتراف
posted onJuly 18, 2020
nocomment

مصطفى فحص

اختار رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي العاصمة السعودية الرياض وجهة لأول زيارة خارجية له بعد تسلمه السلطة. الزيارة لها مبرراتها الاقتصادية التي تفرض عليه وعلى الدولة العراقية تقديم أولوياتهم الاقتصادية على السياسة، التي أضرّت بمصالح العراق والعراقيين عندما تم ربطها بمواقف عقائدية ومصالح غير وطنية منذ 17 عاما.

مما لا شك فيه أن هذه الزيارة ستُغضب خصومه ومعارضيه، وترفع نسبة قلقهم من توجهاته الداخلية والخارجية، خصوصا أنها تملك احتمالات نجاح كبيرة، الأمر الذي سيساعده على تعزيز حضوره داخل مؤسسات الدولة وتعطيه دفعة قوية في تنفيذ سياسة التمكين الحذرة التي يتَبعها منذ تشكيله الحكومة.

كما أن هذه الزيارة ستضاعف علامات الاستفهام الإيرانية حول مواقف مصطفى الكاظمي تجاهها، وهي على ما يبدو أنها سترسل وزير خارجيتها بشكل عاجل إلى بغداد عشية الزيارة للرياض ليس فقط بهدف الاستطلاع ولكن أيضا بداعي الاستفهام.

لا يمكن لطهران أن تفرض شروطها على الكاظمي كما فعلت مع أسلافه، فهي داخليا وخارجيا وعراقيا ليست في الموقع القوي القادر على التحكم كما كانت سابقا، وحتى خيار إشغاله داخليا وإرباكه بات مكشوفا وتداعياته خطيرة عليها وعلى أتباعها، الذين تراجعت مصداقيتهم وفشلت طروحاتهم بعدما خسروا فرصتهم التاريخية التي لن تتكرر في حكم العراق.

في المقابل حتى الآن يمارس الكاظمي سياسة واقعية مع بعض التمرد المدروس، فواقعيته تُحتم عليه تفهم الحساسية الإيرانية والاعتبارات الجغرافية والثقافية والروحية التي فرّطت بها طهران لصالح مشاريع مسلحة أضرّت بعلاقتها مع العراقيين الذين يحملونها بشكل من الأشكال مسؤولية ما وصلت إليه الأمور في بلادهم. ولكن بالرغم من تراجع دورها وتشتت جماعتها، إلا أنه ليس بوارد التصادم معها أو معهم، لما فيه من خدمة لجهات لم تعد ترى غير الفوضى للحفاظ على هيمنتها.

مأزق طهران الحالي مع العراق يمكن اختصاره بمقولة "فاقد الشيء لا يعطيه" فما يحتاجه العراق في هذه المرحلة بعيد جدا عن عروضها العقائدية ومشاريعها المُسلحة وسياسات المحاور، وأزمتها العميقة أنها غير مستعدة للاعتراف أن ما يحتاجه العراق حتى يحافظ على ما تبقى من استقراره إلى سياسة حياد إيجابي والابتعاد عن سياسات المحاور وبناء علاقة ثقة واحترام مع كافة جيرانه.

على أبواب الرياض يتطلع الكاظمي إلى عروض سعودية مريحة، تساعده على تخطي عقبات كبيرة ورثها، وأخرى جديدة وُضعت في طريقه هدفها منعه من تحقيق أي إنجاز داخلي أو خارجي. ولأن الخارج بات مؤثرا جدا في هذه المرحلة التي يمر بها العراق، فإن الرياض أقرب إلى أن تكون فرصة فعلية للعراقيين وليس للكاظمي فقط للمساعدة في تجاوز جزء من عقبات تواجههم على الصعيدين الاقتصادي والسياسي. فبوسع الرياض إذا حصلت على بعض التطمينات المنطقية أن تقوم بخطوة نوعية نحو تطوير علاقة العراق مع عمقه العربي عامة والخليجي خاصة.

قبل وصوله إلى الرياض توقف الكاظمي في المحطة الأكثر ألما، خاطب الكويتيين دولة وشعبا بلغة الجار الأقرب إلى الحدود والقلوب، متحدثا بصراحة عن ضرورة طيّ صفحة الماضي، والتطلع إلى بناء مستقبل جديد للعلاقة ما بين البلدين، التي تطلب وفقا لما قاله الكاظمي ورشة عمل واسعة بين البلدين تعالج كافة الأزمات العالقة وتؤسس لبناء الثقة وتعاون مستقبلي على كافة الصعد.

تراهن دول الخليج لأول مرة منذ سقوط نظام صدام حسين على دور الكاظمي في إعادة التوازن في علاقات العراق الخارجية، لكن الأهم إعادة الاعتبار لمؤسسات الدولة العراقية، ففرص الاستثمار الخليجي في العراق ستبقى مرتبطة باستقراره السياسي، واستقراره السياسي مرتبط باستقراره الأمني خصوصا أن الأمن يسبق الاقتصاد، وهذا ما يفرض على الكاظمي استكمال مشروع استعادة المؤسسات وتحريرها من قوى الهيمنة العقائدية التي ستستخدم ما تمتلكه من إمكانيات للحفاظ على امتيازاتها.

تحديات ما بعد الرياض صعبة ومعقدة، فالقوى المتضررة ليست بوارد التراجع لأنها تدرك جيدا أن مكاسبها باتت مهددة والأخطر ردة فعل الجار الشرقي الذي لا يرى جارا غيره للعراق.