في 6 يونيو، بعد يوم واحد من الاستيلاء على مدينة ترهونة، حاولت الميليشيات التابعة لحكومة الوفاق الوطني، ومقرها طرابلس، دخول مدينة سرت. ووقف الجيش الوطني الليبي الذي يقوده المشير خليفة حفتر لصد الهجوم. وتدعم حكومة تركيا وقطر الوفاق الوطني. بينما تدعم روسيا والإمارات العربية المتحدة الجيش الوطني الليبي.
تعتبر سرت مركز المنطقة الرئيسية المنتجة للنفط في ليبيا، وتحمل أهمية استراتيجية كبيرة لحفتر والجيش الوطني الليبي. وكشفت زيارة إلى سرت في مارس 2020 عن تعرض المدينة لأضرار بالغة بسبب المعارك التي دامت ما يقرب عقدا، ولكنها بدت في طريقها إلى الانتعاش. وأفاد الجيش الوطني الليبي المتمركز في المدينة أن الوضع الأمني جيد إلى حد ما، وكان هناك عدد من مواقع البناء لترميم عشرات المباني التي تعرضت للقصف.
وقال أبو بكر الشرقاوي، وهو من سكان سرت، إن الحياة في المدينة أصبحت أكثر استقرارا وبدأت محاولات إعادة الإعمار الجادة عندما سيطر الجيش الوطني الليبي على المدينة من المليشيات التابعة لحكومة الوفاق الوطني في يناير. فقبل ذلك، أكّد الشرقاوي أن الميليشيات سرقت الأموال المخصصة لإعادة بناء المدينة، وأساءت معاملة سكانها. ويذكر أن للدولة الإسلامة دور في تدمير المدينة.
في مايو 2015، استولى مجندو داعش على سرت من قوة درع ليبيا، وهي ميليشيا أصبحت تابعة لحكومة الوفاق الوطني. وفر الشرقاوي من المدينة مع عائلته. وقال: "عندما جاءت داعش، غادرنا. لم نأخذ أي شيء معنا، إلا الملابس التي كنا نرتديها. انتقلت إلى بنغازي وعملت مدونا. ولم تكن زيارة سرت آمنة".
سيطرت الدولة الإسلامية على سرت حتى استولت حكومة الوفاق عليها بدعم من الغارات الجوية الأميركية في ديسمبر 2016. وعاد الشرقاوي إلى مدينته في عام 2017. لكنه وجد أن الأوضاع لم تتحسّن، حيث كانت الميليشيات تسيطر على كل شيء. وقال: "سيطروا على البنوك، ولم يستطع المدنيون تلقّي رواتبهم. سيطروا على جامعة سرت، وضايقوا الطالبات".
وأكّد الشرقاوي أن الميليشيات في سرت اعتقلت منتقديها تعسّفا. وتابع:"إذا تحدّث شخص ما سلبا عن الميليشيات على مدوّنة أو على وسائل التواصل الاجتماعي، فقد يًقبض عليه ويختفي لأشهر أو سنوات. ولم يكونوا يحتجزون هؤلاء في السجون الرسمية. كانت هناك سجون سرية ومراكز تعذيب".
في مرحلة ما، كان بإمكان الشرقاوي إحصاء 40 مجموعة مسلحة مختلفة في المدينة. كان الكثير منها جماعات متطرفة. ثم زادت عليها سيطرة ميليشيات مصراتة. وأصبحت ميليشيات مصراتة قوية في سرت إلى درجة أن السكان المحليين غالبا ما يشيرون إلى جميع القوات التابعة لحكومة الوفاق الوطني باسم "مصراتة".
وقال الشرقاوي: "إن دعم الأمم المتحدة لحكومة الوفاق الوطني يعطي المجتمع الدولي فكرة بأن حكومة الوفاق الوطني هي قوة الخير. لكن ذلك يعني حقا أن الأمم المتحدة تدعم الإرهاب. إن الإرهاب واضح. وشهدت الأمم المتحدة والدول الأوروبية جلب تركيا لآلاف الإرهابيين السوريين إلى ليبيا، ولم تفعل شيئا للتدخل أو إيقافهم".
في أبريل 2019، شن الجيش الوطني الليبي هجوما بهدف الاستيلاء على طرابلس من حكومة الوفاق الوطني. وفي نوفمبر 2019، وفي محاولة يائسة لعكس مكاسب الجيش الوطني الليبي، شكّلت الحكومة اتفاقية أمنية وعسكرية مع أنقرة للسماح لتركيا بإرسال تعزيزات عسكرية إلى ليبيا. ثم في ديسمبر، بدأ نقل مقاتلين مِمّا يسمى بالجيش الوطني السوري، فصائل المعارضة السورية التي تموّلها وتسيطر عليها تركيا، إلى ليبيا.
ولتعزيز فرص تجنيدهم، عُرض على مقاتلي الجيش الوطني السوري رواتب تبلغ حوالي ألفي دولار شهريا. ومع ذلك ، في المقابلات التي أجريت مع أكثر من 30 متشددا من هذه القوات على مدار الأشهر السبعة الماضية، أفاد جلهم بأنهم تلقوا أقل من المبلغ الذي وعدوا به.
وقال أحد أعضاء فرقة السلطان مراد، الذي اعتمد اسم جواد حمصي ليخفي هويته، إنه لم يتلقّ سوى دفعة واحدة بقيمة 1500 دولار على الرغم من أنه كان في ليبيا لأكثر من ثلاثة أشهر. وقال: "مع ذلك، يبقى هذا أكثر مما كنت سأحصل عليه في سوريا". ولاستكمال رواتبهم، التجأ هؤلاء المقاتلون إلى النهب. وقال حمصي إنه أمضى في تمشيط منازل المدنيين المهجورة بحثا عن أشياء لسرقتها وقتا أطول من القتال.
وقال رجل اعتمد الاسم المستعار حسين إبراهيم، وهو عضو في فرقة حمزة، إن متشددي الجيش الوطني السوري في ليبيا قلقون مما قد يعنيه هجوم سرت عليهم. وأضاف: "في يونيو، اقتربنا من سرت خلال الهجوم الأول، وكانت مقذوفات المدفعية تسقط مثل المطر". سرت هي أم النفط. مصر، وبشار الأسد، وروسيا، والجيش الوطني الليبي ... جميعهم ينتظرون محاولة منا لدخول سرت وسيدوسون على قلوبنا. جميع السوريين هنا خائفون".
وقال ضابط في القوات الجوية التركية في ليبيا إنه ليس خائفا. وأضاف: "ستنتصر تركيا. في سرت ثم في الجفرة وبنغازي وطبرق. موتانا يذهبون إلى الجنة. موتاهم يذهبون إلى الجحيم".
عندما كررنا هذه التعليقات على مسامع حسين إبراهيم، ضحك وقال :"يسهل قول ذلك بالنسبة له، لأنه لا يوجد أتراك يقاتلون معنا. الأتراك يقيمون في القواعد والفنادق. السوريون هم الذين أرسلوا إلى الموت". وعندما سُئل عما إذا شهد قتالا مباشرا أثناء وجوده في ليبيا، رفض ضابط القوات الجوية التركية الإجابة.
لا يعرف إبراهيم متى يبدأ الهجوم القادم على سرت. وقال: "إن الأجواء دائما هكذا في ليبيا. ليس لدينا أي فكرة عما سيحدث حتى يحدث. لم يخبرونا بأي شيء مسبقا. لكننا سمعنا أن الرجال الجدد [من سوريا] يعتمدون عقودا مختلفة عن تلك التي ابرمناها عندما انضممنا. كانت عقودنا لحماية طرابلس. العقود الجديدة لسرت".
في 20 يونيو، قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إن سرت خط أحمر، وأنه إذا حاولت حكومة الوفاق وتركيا شن هجوم آخر، فستتدخل مصر. وقالت وزارة الدفاع بحكومة الوفاق الوطني إن تهديد السيسي ليس رادعا ولن يمنع هجوما جديدا للسيطرة على المدينة.
في سرت، ينتظر أبو بكر الشرقاوي بقلق. وقال: "براتبي هذا، لا يمكنني المغادرة مرة أخرى. لذلك، ليس لدي أي خيار سوى البقاء. عانينا تحت سيطرة الميليشيات لفترة طويلة. أصلّي حتى لا يسيطروا على مدينتنا مرة أخرى".