فاروق يوسف
في الوقت الذي أثبت فيه المحتجون العراقيون الشباب أنهم متمسكون بمطالبهم في مواجهة آلة القمع، التي تمارس عملها بقدر عال من الوحشية، كان هناك مَن يخطط لسحب البساط من تحت أقدامهم وتجيير صمودهم لصالحه.
ولم يكن ذلك العدو – الصديق سوى مقتدى الصدر. رجل الدين النفعي الذي كان يقف على أعلى هرم، هو عبارة عن إرث مادّته الفقراء، الذين التفوا حول والده، الذي أعتبر نفسه ذات يوم رأسا لمرجعية ناطقة في مقابل مرجعية النجف الصامتة.
وإذا ما كان الصدر الابن قد استعمل إرث أبيه، في ما شكل له رصيدا في حياته السياسية، فإنه غالبا ما كان يدخل في دائرة سوء الفهم حين يضع العام في خدمة الخاص، فيضحي بمصالح الفقراء من أجل مكاسبه السياسية. وهو ما بدا حين دخل جيشه في معارك ضد الأميركان وضد الجيش العراقي في عهد المالكي وخرج منها مهزوما مثقلا بمئات القتلى في حين كان شخصيا قد استفاد من تلك المواجهات في تأكيد وجوده السياسي.
مقتدى الصدر رجل جاهل غير أنه سياسي خبيث.
ذلك ما كانت إيران تحتاط منه في تعاملها الحذر معه.
لم تحسم إيران مصير الصدر، رغم أنه سعى لابتزازها في أوقات سابقة تحت شعارات وطنية زائفة. ويبدو أن طهران التي حطمت والده وتملك وسائل تحطيمه، قد أرجأت كل شيء إلى اللحظة المناسبة.
كان الإيرانيون يعرفون جيدا أن حلم مقتدى يكمن في أن يكون رجلهم الأول في العراق. هنا بالضبط تتجلى سذاجته. كانوا يلعبون بأعصابه في حين كان يظن أنه يستثير غرائزهم.
كان يعتقد أن سوف يدركون أن وعده لهم أكثر مصداقية من وعود الآخرين. لذلك مضى بعيدا في خداع الآخرين من أجل أن يكون أخيرا إيرانيا أكثر من الموالين علنا لإيران. لقد أطلق العنان لأتباعه من الجهلة ليعبثوا بساحات التظاهر وإن لم ينجحوا فما عليهم سوى اللجوء إلى الصدام والقتل. وهذا ما فعلوه.
انتقل مقتدى الصدر بالمشهد العراقي إلى ما يشبه الحرب الأهلية.
كانت القوات الأمنية تراقب ما يحدث في النجف وليس من حقها أن تتدخل. ذلك لأن الصدر تبنّى بنفسه مسؤولية إنهاء الاحتجاجات بأي طريقة وصولا إلى القتل، وهو ما أسعد زعماء الميليشيات الموالية لإيران. فالجريمة كلها تقع على عاتق الصدر. هو من خطط لها وهو من دعا إليها وهو من حث عليها. أما من نفذها فهم من عتاة مجرميه في جيش المهدي.
صار من غير المنطقي ألا يطلب الصدر للمثول أمام القضاء باعتباره مجرم حرب. وأعتقد جازما أن ذلك ينبغي أن يضاف إلى مطالب المحتجين في ساحات التظاهر. فالصدر هو العدو الأكثر خطرا، لأنه يستند في وجوده على استغفال الفقراء من أجل استعمالهم مادة لصعوده الشخصي.
يُشاع بين أنصاره أنه يضحك على إيران ولكنه في الواقع يقتل العراقيين.
ستتخلّى عنه إيران في القريب العاجل. فهو لن يكون رجلها بالتأكيد. لقد مسحت به أخطاء ميليشياتها، حين تبرّع بأن يقف في مواجهة الشعب العراقي. لا أعتقد أن أحدا في النظام العراقي سيعترض على تقديم مقتدى الصدر إلى المحاكمة باعتباره مجرم حرب.
مقتدى، الذي هو خادم إيران الآن وعدو الشعب العراقي، لن ينجح في المستقبل القريب في الدفاع عن نفسه باعتباره مواطنا عراقيا. لقد فقد كل ما يؤهله لكي يكون كذلك. خان مرجعية أبيه وعبث بإرثها. ولم يعد أمامه سوى أن يواجه العدالة. هنالك شعب ينذر بقصاصه.
كاتب عراقي