نور بهلوي
الجلد علناً وغياب التمكين الاقتصادي والوصمة الاجتماعية. تلك عناصر يومية تذكر نساء وطني، إيران، بأنهن في أعين الحكومة مواطنين أقل درجة.
ويوماً بعد يوم، يترسخ هذا الواقع جراء انتهاكات وقيود وإهانات تمر من دون أن يتحدث عنها أحد. وربما تتمثل أبشع هذه الانتهاكات على الإطلاق في محنة فتيات بعضهن في عمر التاسعة يجبرن على الزواج من رجال أكبر منهن بعقود.
وعندما أسمع بمثل هذه الأفعال المقززة لا أملك سوى التفكير في شقيقتي الصغيرة، فرح.
تبلغ فرح 15 عاماً، وهي فتاة ذكية ورياضية وجميلة وذات روح حرة منطلقة، وإن كانت هي لا توافق على هذا الوصف الأخير، ذلك أنه مثلما الحال مع جميع الشابات الإيرانيات تجد فرح نفسها في معركة مستمرة مع والدتنا لتحديها كل قيد يفرض عليها.
وتحمل فرح بداخلها قوة كبيرة، وأعلم جيداً أن باستطاعتها تحويل هذه القوة إلى أمور عظيمة. لهذا، من المؤلم للغاية مجرد محاولة تخيل كيف أن النظام الحاكم يسرق كامل إمكاناتها وحياتها بإصراره على الحط من شأنها.
ومن الصعب تخيل تورط فرح في زواج مبكر بينما ما يزال أمامها كثير من النضج العاطفي والجسدي يتعين عليها معايشته.
لقد لاقت فرح قبولاً من الأصدقاء ودعما من المدرسين وأثبتت نفسها في المجال الرياضي، لكن ماذا يمكن أن تصبح فرح إذا لم يدفعها المجتمع قدماً، وأجبرها بدلاً عن ذلك على ارتداء الحجاب وانتهك أكثر حقوقها الأساسية؟
وتترعرع فرح اليوم في وقت تتحدى النساء في الغرب ما تبقى من عقبات أمامهن نحو المساواة الكاملة. وبينما ما يزال التقدم في هذا الاتجاه مستمراً، فإنه يتعين ترديد قصص النساء البطلات الإيرانيات اللائي يقاومن ما يهدد حقوقهن ووجودهن.
وتتحرك هؤلاء النسوة صاحبات القوة والشمم تحت وطأة تمييز قانوني وظلم اقتصادي ومحاذير اجتماعية. جدير بالذكر أن تقرير "الفجوة العالمية بين النوعين" الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي والذي يضم قائمة لترتيب الدول "تبعاً للتقدم الذي تحرزه نحو المساواة بين النوعين"، يضع إيران في المرتبة 142 من بين إجمالي 149 دولة.
وتعاني الإيرانيات من الحرمان من حقوقهن في الحصول على الطلاق والميراث المكافئ للرجل ويحظر عليهن السفر من دون موافقة أزواجهن ويتعرضن لتمييز ممنهج ضدهن داخل سوق العمل.
وتأتي هذه القيود القمعية في وقت تشكل المرأة الإيرانية أكثر عن 60% من طلاب الجامعات التي يواجهن بداخلها قيوداً على المجالات التي يمكنهن دراستها.
بالنسبة لفرح، فإنها ترتبط بأمي على نحو يختلف عن ارتباطي أنا وشقيقتي الأخرى، إيمان، بها. لقد بلغت أنا وإيمان مرحلة النضوج، لكن أمي تصف فرح بأنها توأم روحها الصغيرة.
ولو أن فرح نشأت في إيران لكانت فقدت أمنا هذا العام بسبب نقص الرعاية الصحية للنساء في إيران. وقد تسلطت مزيد من الأضواء على صحة النساء في إيران بعد تشخيص إصابة أمي بالسرطان في الفترة الأخيرة وقيادتها حملة لتعزيز الوعي بالمرض.
لكل منا في حياته قصة ـ وتبدو قصص نساء إيران مروّعة بحق. وعبر شبكات التواصل الاجتماعي، يخبرنني بالقيود التي يواجهنها والانتهاكات التي يتعرضن لها. في الواقع، تدمي قصصهن القلب، فالكثير منهن يحرمن من الحصول على قروض ويتعرضن لتحرشات من جانب الشرطة {الأخلاقية} ويحرمن من وظائف بحجة أن هذا قد يجرح كرامة أزواجهن.
بيد أن الحال لم يكن كذلك دوماً في إيران، فتلك القيود ليست بقايا حقبة غابرة، ذلك أنه قبل {الثورة الإسلامية} أقر جدي وجدي الأكبر إصلاحات واسعة النطاق منحت المرأة حماية وحقوقاً واسعة النطاق. وشكلت رؤيتهما دعماً لتقدم جيل كامل من النساء. ولعبت بعض بنات هذا الجيل دوراً محورياً في تمرير قوانين حماية الأسرة عامي 1967 و1975 التي مثلت خطوات كبرى باتجاه إقرار المساواة.
وقد حظرت هذه القوانين تعدد الزوجات ومنحت المرأة حق الطلاق ووسعت نطاق حقوق الميراث ورفعت سن زواج المرأة إلى 18. إلا أنه بعد عام 1979، ألغيت جميع هذه القوانين. وفي ديسمبر (كانون الأول) 2018، رفض مقترح لفرض قيود جزئية على الممارسة الوحشية المتعلقة بإجبار الفتيات الأطفال على الزواج ورفع سن الزواج إلى 13.
وبسبب الانتهاكات الممنهجة التي تتعرض لها الحقوق الأساسية للنساء الإيرانيات، فإنهن يعانين قيوداً على استقلاليتهن ومحاولات لخنق قوتهن وجسارتهن الطبيعية.
إن الإيرانيات بطبيعتهن مثل فرح، مستقلات وصاحبات إرادة قوية. لذا، فإنهن حريصات على المضي في كفاحهن ضد قامعيهن كل يوم، لكنهن بحاجة إلى دعم. وفي الوقت ذاته، فإن الموجة الحالية من المطالب بمساواة أكبر بين النساء والرجال لا ينبغي أن تقتصر على نساء الغرب، وإنما يجب أن تمتد لكل نساء الأرض.
تستحق جميع نساء إيران التشجيع والدعم والحرية التي تنعم بها فرح. وإذا ما أنصتم جيداً، ستصل إلى أسماعكم صرخات ملايين الإيرانيات اللائي يرغبن ليس في إنقاذهن، وإنما مجرد الإنصات لهن ـ فهل ستنصتون؟
* كاتبة المقال هي حفيدة شاه إيران محمد رضا بهلوي