"مافيا أموال عراقية تأتمر بأوامر الحرس الثوري الإيراني لقيادة أكبر عملية غسل أموال في تاريخ العراق".. هذا الاعتراف الخطير جاء على لسان أحد أبرز قياديي ميليشيات الحشد الشعبي وقيادي سابق في منظمة بدر خلال مكالمة خاصة مع قناة "العربية"، كشف فيها المستور وخفايا عمليات تزوير وتهريب الأموال بمبالغ ضخمة عبر الحدود العراقية الإيرانية حتى وصولها إلى أيدي حزب الله في مطار بيروت والحرس الثوري في طهران.
يبدأ سرده قائلا: "هناك شخصيات نافذة عراقية "متورطة" تسخر النظام المالي العراقي، بضغط من الفصائل المسلحة في البلاد، لتوفير العملة الصعبة "الدولار الأميركي" لإيران بطرق ملتوية متحايلة على العقوبات الأميركية عقب الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني".
وفي مقدمة هذه الأساليب، إغراق السوق العراقية بالدينار المزور لشراء الدولار، وذلك بغطاء من محافظ المركزي العراقي، علي العلاق، أحد أكثر المقربين من رئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي، الذي أصر شخصياً على تعيينه محافظاً للبنك المركزي رغم الاعتراضات عليه.
هذه الأموال المزورة تهرب عبر المنافذ الحدودية دون مرورها بمراكز التفتيش، وتدخل إلى العراق بحوزة المسافرين الإيرانيين خلال زيارتهم للأماكن المقدسة في كربلاء والنجف.
ويكشف القيادي في الحشد الشعبي عن لقاءات مستمرة تجمع محافظ المركزي العراقي علي العلاق مع أبو مهدي المهندس نائب رئيس ميليشيات الحشدالشعبي العراقية، وهو يعرف بـ"رجل قاسم سليماني" قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، لتسهيل وصول الدولار إلى الجماعات الإرهابية، سواء حزب الله في لبنان أو الحرس الثوري الإيراني.
ويؤكد أن المؤسسات المالية العراقية تخشى هذه الشخصيات نظراً لخطورتها وتصنيفها كجماعات إرهابية، فلا تجد سبيلاً بعد التهديدات إلا الرضوخ لأوامرها وتأمين الغطاء لعمليات تبييض الأموال ولو على حساب الاقتصاد العراقي وتدمير العملة المحلية.
وحاولت القناة العربية الاتصال بالعلاق على رقم الجوال الخاص به، غير أن كل المحاولات باءت بالفشل بعدما علمنا من مسؤول قسم الإعلام في المركزي ويدعى السيد أيسر، أن الأخير خارج البلاد، ثم حاولنا الاتصال بمدير دائرة العمليات المالية في المركزي العراقي د.محمود داغر. وأيضاً ما من مجيب!.
الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، بل ما يثير الريبة والعجب هو ما كشفه القيادي في الحشد الشعبي، حول تمكن شخصيات مدرجة على القائمة السوداء الأميركية من الدخول إلى مطار بيروت بغطاء من مسؤولي حزب الله ، ومنهم أمين عام كتائب "الإمام علي" العراقية شبل الزيدي، وهو يعمل كوكيل لقائد فيلق القدس في قوات الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني.
وبحسب المعلومات، فإن شبل الزيدي هو في زيارات مستمرة لمطار بيروت، يلتقي بشكل مستمر مسؤول الملف العراقي في حزب الله اللبناني#محمد الكوثراني ، في إطار مهمته لتهريب النقدي "الكاش" إلى ميليشيات حزب الله.
الشبهات حول إدارة العلاق للبنك المركزي العراقي لا تعد ولا تحصى، لا سيما ما يتعلق بمزاد العملة، الذي يبيع بموجبه البنك المركزي أموالاً بالدولار لمصارف أهلية "إسلامية شيعية" تابعة لجهات إيرانية بسعر أقل من السوق، وهذا ما يسهم في جني أرباح طائلة تستخدم في توفير سيولة دولارية مستمرة للحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني، وفق ما كشفت مصادر مطلعة.
وما يؤكد هذه الشبهات حول تورط النظام المالي العراقي هي التصريحات العلنية لرئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي في فبراير الماضي، حيث أكد صراحةً خلال لقائه محافظ البنك المركزي الإيراني، "أن بلاده لا يمكن أن تكون جزءاً من منظومة العقوبات الأميركية ضد إيران".
ومن البدائل للحفاظ على الدولار، يقوم النظام الإيراني بعدم دفع قيمة تأشيرة الدخول إلى الأراضي العراقية لزيارة الأماكن المقدسة، مقابل خصم قيمة هذه التأشيرات من الديون العراقية المستحقة من استيراد الغاز والكهرباء من طهران، وفق ما تؤكد المصادر.
ووفق مصادر رسمية، تم ضبط محاضر المخالفات لأموال مزورة تم ضبطها في منفذ مطار النجف خلال الأشهر الأربعة الماضية، وهي على الشكل الآتي:
- في 18- 2- 2019: ضبط نقود مزورة بقيمة 28 ألف دولار أميركي بحوزة مسافر عراقي قادم من بيروت، و225 ألف دينار عراقي.
- في 3 -2- 2019: ضبط نقود مزورة بقيمة 39 مليون دينار عراقي.
- في 27- 12- 2018: ضبط نقود مزورة بقيمة 66 ألف دولار أميركي.
- في 10- 10- 2018: ضبط نقود مزورة بقيمة 448 ألف دولار أميركي بحوزة مسافر عراقي.
لا ينفي مسؤول أميركي سابق عمل بالسفارة الأميركية في بغداد في تصريح صحفي وجود محاولات إيرانية للاستحواذ بطرق غير مشروعة على الدولار الأميركي في العراق، مؤكداً أن بعض المؤسسات المالية العراقية متورطة بمثل هذه الأنشطة غير المشروعة، "وهذا ما دفع وزارة الخزانة الأميركية أخيرا إلى فرض عقوبات ضد بنوك عراقية لصلتها بالحرس الثوري الإيراني مثل " بنك البلاد الإسلامي ".
صحيح أن العقوبات قد طالت عدداً من المؤسسات المالية والشركات والأفراد في العراق، وشملت وضع بعض شركات الصرافة العراقية على القائمة السوداء، وفق المسؤول الأميركي، غير أنه بالمقابل توجد نقاط ضعف "جوهرية" تعيق سيطرة السلطات العراقية على النظام المالي، "حيث إن 80% من المصارف العراقية ليس لديها أي اتصال مصرفي مع البنوك المراسلة الأميركية وبالتالي لا نعرف شيئا عنها".
وبحسب المسؤول، فإن وزارة الخزانة الأميركية قد تتجه للإعلان عن مزيد من الإجراءات لإحباط محاولات حزب الله السرية لاستغلال العراق في غسل الأموال ودعم شبكاته المالية التي تشكل تهديدا حقيقيا للأمن القومي.
لن تصل الإجراءات الحازمة برأيه، إلى حد وقف ضخ الأسواق العراقية بالدولار، بل تتعلق بوجود ضوابط مناسبة بالتعاون مع السلطات العراقية للحد من قدرة أذرع إيران وحزب الله الإرهابية في بغداد على الوصول إلى العملة الصعبة لتمويل الجماعات المسلحة.