Ana içeriğe atla

إيران "بعيدة" من إعمار سوريا

الاسد ورئيسي
AvaToday caption
عملية إعادة إعمار سوريا مشروع ضخم جداً تقدر قيمته بنحو تريليون دولار. كما أن هناك دولاً مختلفة في العالم والإقليم ترغب في المشاركة والاستفادة من هذا المشروع
posted onJuly 6, 2023
noyorum

لم تكن سياسات النظام الإيراني مدمرة لدول وشعوب المنطقة فحسب، بل إنها تثير غضب عامة المواطنين الإيرانيين أيضاً. وما الشعارات التي أطلقها الإيرانيون في السنوات الأخيرة، ومنها: "لا غزة ولا لبنان، روحي فداء إيران" و"اتركوا سوريا، وفكروا بحالنا"، تؤكد هذا الواقع.

وفي هذا السياق، فإن المسؤولين في النظام الإيراني يعرفون جيداً أن سياساتهم الطائفية في المنطقة لا سيما المعادية لإسرائيل لا تحظى برضا عامة الشعب الإيراني، ولهذا عادة ما يحاولون تقديم مبررات اقتصادية للوجود الإيراني في سوريا. وأبرزها ما قدمه قائد فيلق القدس السابق، قاسم سليماني في عام 2014، عندما وصف "الهلال الشيعي" بـ"الهلال الاقتصادي".

وكما هو معلوم، فإن الحرب الأهلية السورية في السنوات الأخيرة، وصلت إلى طريق مسدود، إذ نحو 80 في المئة من المناطق والمدن الرئيسة السورية التي كانت تسيطر المعارضة على أجزاء منها (وعلى سبيل المثال، مدينة حلب، التي تعتبر أكبر مدن البلاد)، قد سقطت في يد النظام. والـ20 في المئة المتبقية من الأراضي السورية كانت مقسمة إلى أجزاء عدة. المناطق الشمالية الشرقية لسوريا تخضع لقوات سوريا الديمقراطية وهي جماعة كوردية يسارية مقربة من حزب العمال الكردستاني PKK وتدعمها القوات الأميركية الموجودة على الأراضي السورية.

وأما محافظة إدلب، فكانت تحت سيطرة الجماعات الإسلامية المقربة من "القاعدة"، بينما تخضع المناطق المتاخمة للحدود التركية وهي مناطق واسعة، لسيطرة "الجيش الحر" والمجموعات المسلحة الأخرى المدعومة من أنقرة. وهذه المناطق المحتلة من قبل الجيش التركي، جميع المعدات والبنى التحتية فيها وحتى العملة الرائجة هناك تركية. وأيضاً، إضافة إلى دعم قوات سوريا الديمقراطية، فإن للولايات المتحدة الأميركية وجوداً عسكرياً في قاعدة التنف التي تقع في المثلث الحدودي الواقع بين سوريا والعراق والأردن. ومن هذه القاعدة العسكرية تواصل واشنطن مهاجمة وتدمير الميليشيات المسلحة التابعة للنظام الإيراني.

الانسداد الحاصل في سوريا نتيجة للحرب، دفع بالدول العربية إلى إنهاء العزلة السياسية التي كانت قد فرضت على بشار الأسد في عام 2011. هذه العزلة كان الهدف الرئيس منها تضعيف الأسد وإطاحته. ولهذا، أعيد مقعد سوريا في الجامعة العربية، وشارك الأسد في القمة الأخيرة التي عقدت في السعودية. كما شهدنا إعادة العلاقات الدبلوماسية بين دمشق ومختلف العواصم العربية.

يجب النظر إلى هذه الخطوة الواقعية والبراغماتية التي اتخذتها الجامعة العربية على أنها نظرة إلى المستقبل. وفي الحقيقة، فإن الدول العربية تعلم جيداً أن المرحلة التالية من تاريخ سوريا هي إعادة الإعمار وعودة اللاجئين السوريين إلى مدنهم وقراهم. وعليه، فإن الاعتراف ببشار الأسد أكثر فائدة من عزله. وفي الوقت نفسه، فإن عواصم الدول العربية تريد التعامل بحزم مع آفة المخدرات (حبوب الكبتاغون) وتصديرها من سوريا، حيث تشارك في عمليات التهريب وتجارتها جماعات مسلحة مدعومة من النظام الإيراني. فالمخدرات أضرت بالدول العربية، بخاصة الأردن ولبنان ودول الخليج.

واللافت في الموضوع، أن معارضة الولايات المتحدة الأميركية لسياسة الجامعة العربية في الانفتاح على النظام السوري، وإن كانت شديدة لم تكن ذات تأثير، وعملياً لم تؤد إلى تغيير في المعادلات. وفي هذا السياق أيضاً، وعلى رغم الوجود العسكري الأميركي في سوريا والعراق وفي دول أخرى في المنطقة، إلا أن هذا الوجود لم يكن له أي تأثير يذكر. وعدم التأثير هذا يعود بالمقام الأول لانسحاب واشنطن من الشرق الأوسط.

ويظهر لنا هذا الأمر أن "العالم بات متعدد الأقطاب" وأن القوى الإقليمية هي اللاعب الرئيس ولها دور محوري في تحديد أوضاعها، بدءاً من الدول العربية مروراً بالحكومات الإيرانية والروسية والتركية التي عقدت اجتماعاتها في العاصمة الكازاخستانية يومي 20 و21 يونيو (حزيران) الماضي، لتنسيق سياساتها تجاه سوريا.

إلا أن النظام الإيراني الذي أنفق جزءاً كبيراً من موارد البلاد (قدرت بـ30 مليار دولار) في سوريا خلال السنوات القليلة الماضية، وتسبب في قتل المئات من الجنود الإيرانيين هناك، فما الدور الذي قد يلعبه في عملية إعادة إعمار سوريا؟ وهل يستفيد الاقتصاد الإيراني من عملية إعادة الإعمار أم لا؟

هذا هو ادعاء المسؤولين الإيرانيين. وخلال الزيارة التي أجراها وزير الدفاع السوري، محمود عباس، لإيران في فبراير (شباط) 2023، وزيارة الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي إلى دمشق في الشهر الماضي، تكررت هذه الادعاءات مرات عدة، بأن إيران ستكون من المستفيدين الرئيسين من عملية إعادة إعمار سوريا. كما ظهر سفير سوريا لدى طهران، شفيق ديوب، في الأسابيع القليلة الماضية، في برنامج "من طهران" لقناة "العالم" التابعة للنظام الإيراني، وقال إن "الدول التي وقفت إلى جانبنا ضد الإرهابيين، لها الأولوية للمشاركة في عملية إعادة الإعمار، وأن السوريين مخلصون لمن وقف معهم ولن ينسوا أبداً من كان بجانبهم في الحرب الظالمة التي فرضت عليهم".

وكان قد ادعى سفير إيران الأسبق في سوريا ونائب وزير الخارجية للشؤون العربية والأفريقية في حكومة أحمدي نجاد، محمد رضا باقري، أن الشركات الإيرانية استفادت مادياً وستستفيد من إعادة إعمار سوريا. وفي مقابلة لوكالة إيسنا للأنباء مع الخبير حسن لاسجردي، عن الزيارة التي أجراها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى دمشق، قال إن "النقطة المهمة في زيارة رئيس الجمهورية إلى سوريا هي الفوائد والفرص الاقتصادية التي من الممكن أن تتاح لإيران. ويبدو أن المنافسة قد بدأت وأن دولاً مثل السعودية وحتى تركيا أعلنت رغبتها واستعدادها للاستثمار وإعادة الإعمار في سوريا، بالتالي إذا ما أردنا أن يكون لنا دور في سوريا، فيجب علينا الذهاب إلى هناك في أسرع وقت ممكن".

إن ما قاله لاسجردي، هو أقرب إلى الحقيقة. كما أنه يظهر لنا أن ما قاله السفير السوري لدى طهران، شفيق ديوب، مجرد ادعاء ومجاملة ليس إلا. فأن يكون لإيران الدور الرئيس في عملية إعادة إعمار سوريا وأن الشركات الإيرانية ستستفيد، فهذا غير معروف بأي شكل من الأشكال.

إن عملية إعادة إعمار سوريا مشروع ضخم جداً تقدر قيمته بنحو تريليون دولار. كما أن هناك دولاً مختلفة في العالم والإقليم ترغب في المشاركة والاستفادة من هذا المشروع. السعودية ومنذ فترة عملت على تخفيف التوترات في المنطقة، وتسعى إلى حل الأزمة السورية والتنمية الاقتصادية لدمشق.

الدول العربية الرئيسة الأخرى في الخليج لديها نفس المنهج السعودي. والصين تعمل على تطوير طرق النقل والاستقرار الاقتصادي، بينما إسرائيل تريد حدوداً آمنة، وأن تكون المجموعات المسلحة المرتبطة بالنظام الإيراني بعيدة كلياً من حدودها مع سوريا ولبنان، هذا ما يساعد عملية التنمية الاقتصادية في سوريا، بالتالي، هناك رغبة وعزيمة دولية على المشاركة في إعادة إعمار سوريا.

وبعد مرور أكثر من 12 عاماً من الحرب الأهلية في سوريا، فإن الوضع هناك أصبح حرجاً للغاية، فالبنية التحتية والإنسانية تدمرت بشكل كبير جداً. وما جعل الوضع أكثر سوءاً، الزلزال الذي ضرب شمال وغرب سوريا وتسبب بخسائر قدرت بـ5.1 مليار دولار. ووفقاً لإحصائيات اليونيسف، وقبل حدوث الزلزال، كان ثلثا السكان في سوريا بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة. التقرير الذي أصدرته هذه الهيئة التابعة للأمم المتحدة، يحدثنا عن الوضع الاقتصادي السيئ وأن البنية التحتية تدمرت بشكل كامل. كما أن تقارير أخرى تفيد بأن تقريباً 90 في المئة من الشعب السوري يعيش تحت خط الفقر.

وفي تقرير للبنك الدولي أصدره قبل ثلاث سنوات، ذكر أن الأزمة السورية كان لها تأثير سلبي جداً وكبير على معظم دول منطقة المشرق العربي. ووفقاً لتقديرات هذه المؤسسة الدولية، فإن الأزمة السورية تسببت في انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة قدرت بـ2 في المئة في كل من العراق والأردن ولبنان. وإذا ما أجرينا عملية حسابية لإجمالي التأثير خلال سنوات الحرب، فإن الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول المجاورة الثلاث قد انخفض بأكثر من 11 في المئة، وهذا يعد رقماً مذهلاً جداً. وهناك سببان رئيسان لهذا الانخفاض وهما تدهور وضع التجارة البينية والنقل في المنطقة، والانخفاض الحاد في صناعة السياحة بتلك البلدان الثلاث، التي تعتبر بمثابة تصدير للخدمات وتلعب دوراً بارزاً في الاقتصاد اللبناني بشكل خاص

وفي الوقت نفسه، تعتبر أزمة النزوح واللاجئين السوريين هي الأكبر في العالم، بحيث نزح ما يقارب سبعة ملايين مواطن سوري إثر الحرب هناك. ويعيش خمسة ملايين و500 ألف لاجئ سوري في خمس دول مجاورة لسوريا وتسببوا في جملة من التوترات السياسية المهمة في تركيا والأردن ولبنان. فتركيا تستضيف وحدها نحو 3.6 مليون لاجئ سوري، بينما يعيش أكثر من 850 ألف لاجئ سوري في ألمانيا، وذلك نتيجة لسياسة اللاجئين التي كانت قد انتهجتها المستشارة الألمانية السابقة، أنجيلا ميركل.

مثل هذه الظروف ستتيح فرصاً كثيرة لسوريا. وفي الواقع، هناك إمكانية كبيرة لأن تنمو سوريا وستحاول كثير من الدول لا سيما تلك التي استقطبت اللاجئين السوريين أن تلعب دوراً مهماً في إعادة الإعمار.

ومن أهم القضايا التي من الممكن أن تستفيد منها هذه الدول، أولاً: إعادة بناء ميناء طرطوس الذي يمكن أن يصبح من أهم الموانئ في منطقة شرق البحر المتوسط وسيرتقي إلى ميناء مهم مثل مرسين وإسكندرون في تركيا، وميناء بيروت في لبنان، وموانئ مصر واليونان وقبرص.

ولروسيا وحتى قبل الحرب، قاعدة عسكرية في ميناء طرطوس، لكن وعلى رغم الضغوط الدولية التي تتعرض لها حكومة بوتين، فإن الدول العربية لم تنضم إلى العقوبات الغربية التي فرضت على موسكو، بالتالي يجب أن نرى هل للوجود الروسي في ميناء طرطوس أي تأثير في المعادلات التجارية والسياسية؟

وأما ثانياً: تضم سوريا مناجم الفوسفات في تدمر، والتي تعتبر من الموارد الاقتصادية المهمة جداً لسوريا. والشركات التي تعمل على استخراج وتكرير وبيع هذه المواد تحصل على مكاسب اقتصادية كبيرة.

النظام الإيراني يزعم أنه في مقدمة الدول، إلا أن الشواهد تظهر عكس ذلك تماماً. وعلى سبيل المثال لا الحصر، إذا ما نظرنا إلى قائمة الدول المصدرة إلى سوريا، فإن إيران ليست من بين الدول الأولى بأي شكل من الأشكال، وكما يبدو أن الصادرات الإيرانية إلى سوريا ضئيلة. بينما دول المقدمة فهي تركيا والصين والإمارات العربية المتحدة، وتليها دول أخرى مثل مصر وروسيا والهند ولبنان والأردن. والمنتجات التي تصدرها هذه الدول إلى سوريا فهي التبغ والسكر والدقيق والزيت والبنزين. وإذا ما تعلق الأمر بالمعدات الأكثر تقدماً فمن المؤكد أن لا محل من الإعراب لإيران في ما يتعلق بالنشاط الاقتصادي مع سوريا، ومن دون أدنى شك، ستكون بكين وأنقرة والدول العربية في مقدمة الدول التي تصدر هذه المعدات المتطورة.

والغريب في الأمر، أنه على رغم كل هذه المزاعم التي نسمعها بين الحين والآخر حول "محور المقاومة"، فإن إيران لم تستطع أن تكون أحد المصدرين الرئيسين إلى سوريا، حيث احتج الرئيس السابق للجنة الأمن القومي في مجلس النواب الإيراني، حشمت الله فلاحت بيشة، على هذه الجزئية في الوقت الذي قام الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بزيارة إلى دمشق، قائلاً: إن سوريا مدينة لطهران بـ30 مليار دولار أميركي. كما أنه قال لصحيفة "تجارت نيوز"، إن "روسيا حصلت على ديونها من سوريا، بينما إيران لم تحصل بعد".

وعلى رغم التحسن الذي طرأ على العلاقات الدبلوماسية بين طهران وبعض الدول العربية وأهمها السعودية، لا تزال هناك شكوك حول قدرة إيران على أن تكون إحدى الدول الرئيسة المستفيدة من عملية إعادة الإعمار في سوريا. كما شاهدنا في الملفات الأخرى ومنها استثمارات الصين في المنطقة، بينما سياسات النظام الإيراني تمنع طهران من أن تكون في مقدمة الدول المستفيدة، بالتالي فإن السياسات التي تروج لها إيران في ما يتعلق بـ"محور المقاومة" هدفها في الدرجة الأولى المحافظة على سلطات علي خامنئي، وليس المصالح الوطنية الإيرانية.