التقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اليوم الثلاثاء رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني التي تزور باريس لأول مرة منذ توليها منصبها، في قمّة تأتي بعدما شهدت العلاقات بين البلدين توتّرا بسبب عدد من الملفات تتصدرها قضية الهجرة.
وقال ماكرون إنه يشارك إيطاليا وجهة نظرها بشأن الحاجة الماسة لتقديم مساعدة اقتصادية لتونس في ضوء مشاكل الديون التي تواجهها البلاد، بينما أكدت ميلوني "علينا التحرك بشكل عملي وجاد على مستوى الاتحاد الأوروبي لإيجاد حلول لتونس".
وأكّد الرئيس الفرنسي ورئيسة الوزراء الإيطالية رغبتهما في العمل معا بعيدا عن الخلافات وفي مقدّمها ملف الهجرة، القضية الشائكة التي سمّمت العلاقات بين البلدين في الآونة الأخيرة.
وقال ماكرون أمام الصحافيين أنّ "هذه الصداقة هي التي تهمّني في المقام الأول، الصداقة التي تسمح لخلافات واختلافات أن تنمو أحياناً، ولكن في إطار محترم دوماً لأنّها تندرج في إطار تاريخ أكبر منّا، وأكثر عمقاً"، داعيا إلى "حوار صريح وطموح ومتطلّب" بين باريس وروما.
وردّت ميلوني على تصريح ماكرون بالقول إنّ "إيطاليا وفرنسا دولتان مترابطتان دولتان مركزيّتان مهمّتان، رائدتان في أوروبا تحتاجان إلى حوار في وقت كهذا لأنّ مصالحنا المشتركة متقاربة للغاية"، مضيفة "كلّي أمل بأنّنا سنتمكن من خلال حوار اليوم من العمل معاً بشكل أفضل وبقدر أكبر".
وقال ماكرون مخاطباً ميلوني بـ"عزيزتي جورجيا" أنّ "التنسيق والعمل الجيّد بين بلدينا يجب أن يستمرّ... ويجب أن نكون قادرين على تنظيم اللجوء والهجرة بشكل أكثر فاعلية في أوروبا من خلال الالتزام بقيمنا"، لكنّ رئيسة الوزراء الإيطالية لم تبد أيّ مرونة أو تتراجع عن مواقفها الصارمة بشأن هذه المسألة، مشددة على ضرورة مواصلة "العمل معاً على المستويين الثنائي والمتعدّد الأطراف" لحلّ هذه القضية الشائكة.
وتقصد ميلوني العاصمة الفرنسية للدفاع أمام المكتب الدولي للمعارض عن ترشيح روما لاستضافة معرض إكسبو 2030 العالمي. وتتنافس إيطاليا مع كلّ من العاصمة السعودية الرياض وبوسان الكورية الجنوبية وأوديسا الأوكرانية على استضافة هذا الحدث العالمي.
وقصد باريس للغاية نفسها كلّ من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ورئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول.
وأوضح الإليزيه في وقت سابق أنّ ماكرون وميلوني سيبحثان أيضا القضايا الأوروبية وسيستغلان هذا الاجتماع للتحضير للمجلس الأوروبي الذي سيعقد في بروكسل يومي الخميس 29 والجمعة 30 يونيو/حزيران الجاري.
كما سيبحث ماكرون وميلوني قمة حلف شمال الأطلسي التي ستعقد في فيلنيوس بليتوانيا يومي الثلاثاء والأربعاء 11 و12 يوليو/تموز. وبحسب البيان فإنّ محادثاتهما "ستكون فرصة لإعادة تأكيد دعمهما المشترك لأوكرانيا".
وقال ماتّيو بيريغو وكيل وزارة الدفاع في الحكومة الإيطالية قبيل ساعات من لقاء ماكرون وميلوني "لدينا موقع جغرافي يطل على البحر الأبيض المتوسط يحمل تحديات مشتركة وبالتأكيد تحديات الهجرة"، وفق "سكاي نيوز 24".
وتابع "إذا فكرنا في دول مثل تونس يبدو أن فرنسا تتبع هناك نفس النهج الإيطالي أي الدعم المالي"، مشيرا إلى أن "ماكرون منح دعما ماليا للسلطات التونسية بنحو 30 مليون يورو لمنع تحول الوضع في البلاد إلى كارثة بتدفقات الهجرة".
والتقى ماكرون وميلوني بشكل غير رسمي في روما في أعقاب تولّيها منصبها كما التقيا في اجتماعات ثنائية على هامش فعاليات دولية.
وألغى وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني الشهر الماضي زيارة كانت مقررة إلى باريس، بعد تصريحات أدلى بها وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان قال خلالها إن "رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني عاجزة عن حل مشاكل الهجرة في بلادها".
وحمّل دارمانان روما مسؤولية تدفق المهاجرين إلى بلاده، قائلا "الحقيقة أنّ هناك في تونس وضعا سياسيا يدفع عددا كبيرا من الأطفال إلى العبور عبر إيطاليا وأنّ إطاليا عاجزة عن التعامل مع هذا الضغط من المهاجرين".
وتابع الوزير الفرنسي أنّ "ميلوني تشبه زعيمة اليمين المتطرف في فرنسا مارين لوبن. يتمّ انتخابها على أساس قولها إنّها ستحقّق انجازات، لكن ما نراه أنّ الهجرة لا تتوقف بل تزداد"، معتبرا أن رئيسة الحكومة الايطالية تواجه "أزمة هجرة خطيرة جدا".
وعقب تصريحات دارمانان، قالت وزارة الخارجية الفرنسية إن "الحكومة الفرنسية تريد العمل مع إيطاليا لمواجهة التحدي المشترك المتمثل في الزيادة السريعة في تدفق المهاجرين"، مؤكدة أن "العلاقة بين فرنسا وإيطاليا تقوم على الاحترام المتبادل بين البلدين وبين قادتهما".
وتقود إيطاليا التي تتوجس من مزيد ارتفاع وتيرة تدفق المهاجرين انطلاقا من السواحل التونسية، جهودا لدعم تونس التي تواجه أزمة اقتصادية خانقة مع تعثر مفاوضات تجريها مع صندوق النقد الدولي حول برنامج تمويلي بـ1.9 مليار دولار.
وخلال الشهر الجاري أدت ميلوني زيارتين إلى تونس في أقل من أسبوع وصرحت عقب لقائها الرئيس قيس سعيد بأنها دعت الاتحاد الأوروبي إلى تخصيص حزمة دعم متكاملة لتونس.
ولاحقا كشف الاتحاد الأوروبي عن خطته لدعم تونس وتضمنت تقديم مساعدة مالية طويلة الأمد بقيمة 900 مليون يورو بالإضافة إلى أخرى تصرف فورا وتبلغ 150 مليونا.
وترى روما أن التأخير في دعم تونس سيضعف جهودها في مكافحة الهجرة غير الشرعية، بينما تشير بيانات وزارة الداخلية الإيطالية إلى وصول أكثر من 42 ألف شخص إلى إيطاليا هذا العام عبر البحر المتوسط، مقابل نحو 11 ألفا خلال الفترة نفسها من العام 2022.