انس محمود الشيخ مظهر
قد يستبعد البعض حصول مواجهة ايرانية – اميركية او إيرانية - اسرائيلية في المنطقة، اعتمادا على نظرية البعد التحليلي الثالث للامور، في وجود علاقات وتنسيق سري بين الطرفين على حساب دول المنطقة الاخرى. الا ان تقاطع مصالح الطرفين في بعض المناطق والظروف ( كما حصل في افغانستان وعملية ايران كونترا) لا يعني وجود اتفاقات سرية بينهما، اضافة الى ان ما آلت اليه التطورات في العلاقة بين ايران والدولتين تلغي تماما فكرة وجود اي تنسيق.
ان حصول مواجهة اميركية او اسرائيلية مع ايران لا يشير الى رغبة اميركية بإحداث تغيير في نظام الحكم في ايران، فبقاء نظام ولاية الفقيه الشيعية في طهران ضرورة اميركية لابتزاز دول المنطقة وتمرير مصالحها فيها. لكن الرغبة الاميركية تكمن في الابقاء على ايران لكن تحجيم قدراتها ومنعها من ان تشكل تهديدا حقيقيا لها ولحلفائها في المنطقة.
فالقدرات العسكرية المتنامية لايران، والافكار العقائدية التي يتبناها نظامها، وطموحها بالتحول الى قوة اقليمية مؤثرة، علاوة على نجاحها في خلق اذرع لها في سوريا والعراق ولبنان، كل ذلك يمثل تهديدا جديا للمصالح الاميركية والغربية في المنطقة يجب الحد منها وتحييدها.
تعتقد الادارة الاميركية بان الضغوطات الاقتصادية والسياسية على ايران يمكن ان تنجح في تخلي طهران عن توجهاتها مثلما نجحت تلك السياسة مع كوريا الشمالية، متناسية ان ايران تمثل سلطة دينية ودنيوية تبنت شعارات معادية لاميركا واسرائيل منذ بداية ثورتها، واي تراجع لها عن تلك المبادئ والشعارات سيعتبر تراجعا عن افكارها وعقائدها مما يؤثر على مكانتها الاعتبارية ويعتبر انتحارا سياسيا وفكريا لها، لذلك فإيران ذاهبة الى اخر الشوط في التصعيد والتصعيد المقابل مع اميركا.
الاولويات السياسية لايران في هذه المواجهة
من المهم لايران جس نبض الجدية الاميركية في ترجمة ضغوطاتها على ارض الواقع، ومعرفة المدى الذي يمكن لها ان تصل في تهديداتها، من خلال مبدا الهروب الى الامام، ومحاولة التصعيد السياسي معها، ثم مراقبة ردود افعالها. ومعروف عن السياسة الايرانية انها لا تقحم نفسها بشكل مباشر في اي صراع وانما تدفع بحلفائها واذرعها في المنطقة لينوبوا عنها بهذه المهمة.
والسؤال هنا... كيف ستتصرف ايران سياسيا لجس نبض الادارة الاميركية ومعرفة السقف الذي يمكن ان تصل اليه في هذه المواجهة، وفي اي ساحة سيكون التحرك الايراني السياسي، هل في الساحة العراقية ام السورية ام اللبنانية؟ ولتوضيح الاولويات الايرانية سياسيا دعونا نفرد النقاط التالية:
تحاول ايران من خلال حلفائها في المنطقة الحفاظ على الاستقرار السياسي في بلدانهم في الوقت الراهن، ومنع اثارة اي توتر سياسي مع احزاب المكونات الاخرى ( لسنية والكردية والمسيحية) في العراق ولبنان، مع افتعال مشاكل شيعية شيعية لالهاء تلك المكونات الاخرى بها، وهذا ما يفسر افتعال مشكلة ترشيح وزير الداخلية بين الكتل الشيعية والتي مضى عليها اشهر دون حلول.
ارخاء الوضع الامني في المناطق السنية التي تسيطر عليها مليشيات الحشد الشعبي، وترك ثغرات امنية للتنظيمات المتطرفة تنفذ من خلالها عملياتها الارهابية في تلك المناطق، مما يؤدي الى اشغال المكون السني وتقوقع احزابه ومنعهم من مزاحمة الاطراف الشيعية في العملية السياسية في العراق.
في المقابل يجري الدفع بالاطراف الشيعية لتشريع قانون في البرلمان تدعو فيه القوات الاميركية لمغادرة العراق، ومراقبة ردود الفعل الاميركية حول هذا القرار. وهو ما كان محور نقاشات محمد جواد ظريف في زيارته الاخيرة للعراق.
اين ستكون ساحة المواجهة العسكرية
يعتبر حزب الله الذراع الاقوى لايران في المنطقة، والذي تبنته منذ ثمانينات القرن الماضي وانفقت عليه مليارات الدولارات وامدته بالكثير من الاسلحة حتى تحول الى دولة داخل الدولة اللبنانية، لذلك فهي ليست مستعدة لاقحامه مبكرا في اية مواجهة محتملة مع اميركا، وانما ستحافظ عليه لمراحل مقبلة من الصراع مستغلا وجوده على الحدود الاسرائيلية الشمالية.
بالمقابل ورغم مؤشرات ظهور توتر مسلح بين مليشيات الحشد والقوات الاميركية في العراق، الا ان اشعال مواجهة مسلحة ضد اميركا على الساحة العراقية ليست من مصلحة ايران حاليا. لذلك فان دفعت تطورات الاحداث لهذه المواجهة لان تحدث فان الساحة السورية (بالنسبة لايران) ستكون الساحة المرشحة لها نظرا للاسباب التالية:
في حال اي مواجهة على الساحة العراقية فان مليشيات الحشد الشعبي ستكون في مواجهة العديد من القوات الاميركية المجهزة بكامل عتادها، دون وجود قوات عسكرية اجنبية اخرى، عكس الساحة السورية التي تتمركز فيها قوات روسية الى جانب قوات اميركية قليلة العدد وعلى وشك الرحيل، وتحكمها حكومة معادية لاميركا مما يوفر لهذه المليشيات مجال مناورة وتأثير اكثر، عكس العراق الذي لاميركا اوراق ضغط سياسية كثيرة على حكومته.
المواجهة المسلحة مع اميركا في الساحة العراقية لن يكون في صالح الاستقرار السياسي الذي تنشده ايران في الوقت الراهن، بينما الساحة السورية غير مستقرة اساسا من الناحية السياسية.
الجوار الجغرافي لايران مع العراق يمنعها من تفضيل العراق ليكون ساحة المواجهة المحتملة، كون الخطر سيكون على حدودها، عكس سوريا التي تتوسط العراق ولبنان اللذان يعتبران عمقا ستراتيجيا لتلك المليشيات الشيعية. اضافة الى ان الجوار السوري لاسرائيل سيكسب المواجهة مع اميركا فيها بعدا اسلاميا تستطيع ايران استغلالها لصالحها عند الشعوب الاسلامية.
استنادا لما تقدم فان اية مواجهة مسلحة بين اميركا والمليشيات الشيعية في المنطقة (ان حدثت هكذا مواجهة) فان ايران ستسحبها الى الاراضي السورية، وهذا ما يفسر امرين اولهما ما نشر قبل ايام من انتقال اعداد كبيرة من فصائل الحشد الشعبي الى داخل الاراضي السورية، وكذلك سحب القوات الاميركية من سوريا وتمركزها في العراق.