محمد قواص
لم تكن صفقة إطلاق سراح العميل الإسرائيلي عامر الفاخوري لتتم في لبنان لولا موافقة حزب الله. أقصى ما يمكن تصوره، هو أن الحزب لم يوافق لكنه لم يعارض، ولو أراد رفض "الصفقة" لما تمت.
وعليه فإن إعلان زعيم الحزب، السيد حسن نصر الله، أن حزبه وحركة أمل، برئاسة نبيه بري، ليسا على علم بما جرى، تعود بنا إلى مقولة "لو كنت أعلم" التي فسّر فيها نصر الله اندلاع حرب تموز/يوليو عام 2006.
وفي الذهاب أكثر من ذلك فإن حزب الله الذي نعرف، والذي يعرّف نفسه بصفته منتميا لجمهورية الولي الفقيه في إيران، لم يكن بإمكانه الاهتداء إلى السبيل الأمثل للرد على الضغوط الأميركية بشأن الفاخوري، دون فتوى تصدر من إيران. ولا تخفي المعلومات أن قضية الفاخوري هي جزء من شبكة قضايا يتم التفاوض بشأنها تتناول مجموعة من نزاعات واشنطن والدول الحليفة مع إيران.
وهنا ليس مهما إسقاط صفقة الفاخوري داخل مداولات العواصم الكبرى، فهي ليست الأولى ولن تكون الأخيرة بين الدول المتخاصمة حتى تلك التي تشهد حروبا في ما بينها. المهم فقط، أن نصر الله لم يبذل أي جهد استثنائي، ولم يخرج بأي كشف باهر، يوحي أن المسألة جرت وفق أصول التسويات التي تعقد بين طرفين، كتلك التي عقدها الحزب نفسه مع إسرائيل، والتي أفضت إلى تبادل جثث أو تبادل أسرى أو التوصل إلى تفاهمات تنظم قواعد اشتباك بينهما.
لم يضع نصر الأمر ضمن قواعد لعبة الأمم وتعقد العلاقات الدولية. لم يذهب الرجل إلى تقديم الأمر بصفته تضحية يقدمها الحزب من أجل مصلحة لبنان، ذلك أن وظيفة الحزب، بدقة، هي العمل لما فيه فقط مصلحة إيران، ولم يدّعِ الحزب يوما غير ذلك. كل ما استطاع زعيم الحزب اجتراحه، هو اكتشافه الفضيحة "عبر وسائل الإعلام"، معبرا دون وجل عن غضب من ذلك الفعل الشنيع.
لم يكن نصر الله يخاطب العالم ولم يكن يتوجه للبنانيين، كان هدف خروجه الطارئ إلى الإعلام هو التحدث إلى "جمهور المقاومة" الذي لم يخيب يوما ظن نصر الله في ابتلاع كل ما يطبخ. تعرف العواصم الكبرى، لا سيما واشنطن، أن حزب الله هو أساس في ما دبر وإن كانت أدوات ذلك التدبير تنتمي إلى دوائر رئيس الجمهورية ميشال عون وصهره جبران باسيل الحليفة للحزب.
بدا أن تهديدات واشنطن ضد باسيل وفريق الرئيس كانت جدية، وأن نصر الله لم يكن ليخاطر بتمدد العقوبات الأميركية المؤلمة لتصيب الدوائر المسيحية الحليفة له، لا سيما أن إصابة باسيل بتلك العقوبات ستطيح بآماله في أن يكون وريثا واعدا لعمة في قصر بعبدا.
لم نسمع اعتراضا يذكر من "جمهور المقاومة" على ما بات سخفا في الإدعاء بأن الثنائية الشيعية -المفترض بزعامة حزب الله أنها تهيمن على مقاليد القرار في البلد- لم تكن تعلم. فجأة أراد نصر الله من جديد، وبمناسبة الكلام عن صفقة مع الأميركيين الذين وعد بطردهم من المنطقة في كانون الثاني/يناير الماضي، محاولة إقناع واشنطن أنه لا يسيطر على البلد وأن الحكومة التي يرأسها حسان دياب (والذي للمناسبة لم يكن يعلم) ليست حكومة حزب الله.
من داخل "جمهور المقاومة" من خرج معبراً عن خيبة كبرى جراء نجاح من يلقب بـ "جزار الخيام" بالنجاة والخروج معززا مكرما على متن طوافة نقلته من السفارة الأميركية إلى بارجة أميركية حربية في عمق البحار. خرجت أصوات من ذلك "الجمهور" اعتبرت أن اللوم ليس على السيّد وحزبه، بل أن الأمر يعود لعدم أخذ الحزب حقه بالسيطرة التامة على البلد. بعضهم دعا إلى القيام بانقلاب عسكري يقوم به الحزب للإطاحة بكل المنظومة اللبنانية التي لا تحترم قواعد المقاومة وذكرى الشهداء.
وما يلفت أن هذا "الجمهور" (أو "الأهالي" في مناسبات أخرى)، لم يعد همّا بالنسبة للحزب وزعيمه، فهو بات أداة للحزب وليس حاضنا له، وأن المصفقين جاهزون للتصفيق سواء كان يعلم السيد أو لا يعلم. فالزعيم الذي يمتلك "جمهورا" لدية هذه الشهية لالتهام كل الأطباق، ليس مضطرا أن يعلم أبدا، وسيبقى يسوّق ما هو عصيّ على التسويق.
وحده حزب الله يدرك مقدار الحرج، ولعل مقتل مساعد لفاخوري، الأحد، في متجره، مقدمة لإعادة فتح ملف العملاء لعل في ذلك ما يحفظ ماء وجه الحزب ويخلص زعيمه من الحرج الثقيل.