حسن المصطفى
عندما ذهب الإيرانيون للاقتراع في الانتخابات البرلمانية الخامسة، العام 1996، كانت نسبة المشاركة 71.1 %، وهي أعلى نسبة منذ قيام الثورة الإيرانية 1979.
الدورة السابعة للانتخابات البرلمانية، العام 2004، شهد أدنى مشاركة في تاريخ الإيرانيين، قبيل الانتخابات الأخيرة، بنسبة 51.21 %. فيما كان معدل المشاركة في الدورات العشر السابقة 60.53 %، بحسب وكالة الأنباء الإيرانية، وهي أرقام تعتبر عالية، وتنبئ عن رغبة من عامة الجمهور في إسماع صوتهم، والمشاركة بفعالية في العملية السياسية.
هذا العام، الانتخابات البرلمانية التي أقيمت في فبراير الجاري، شهدت أقل نسبة إقبال في تاريخ الجمهورية الإسلامية. وبحسب ما أعلنه وزير الداخلية الإيراني عبدالرضا رحماني فضلي، فقد بلغت نسبة المشاركة 48 %، معتبرا أن هذا التراجع مرده أن "أجرينا الانتخابات في أوضاع شهدت أحداثا مختلفة، بينها قضية فيروس كورونا، ومشاكل الطقس والأنواء الجوية، وكذلك قضية تحطم الطائرة الأوكرانية، والتي أثرت على الأجواء العامة".
مرشد الثورة الإيرانية آية الله خامنئي، ومعه قيادات بارزة في التيار المحافظ، كانوا دعوا إلى مشاركة واسعة في الانتخابات، معتبرين أن هذا الحضور الشعبي، سيشكل ردا على اغتيال الولايات المتحدة، للقائد السابق لفيلق القدس الجنرال قاسم سليماني.
الأصوليون في إيران، سعوا لأن تكون لهم الغلبة في الانتخابات الأخيرة، وهو ما حصل بالفعل، حيث إن من وصل إلى قبة البرلمان هم "المعارضون لأميركا"، بحسب توصيف صحيفة "كيهان" الأصولية، أو "معارضي الحكومة"، كما سمتهم صحيفة "وطن أمروز"!
إذن، كان الاقتراع يهدف إلى تكريس خط سياسي، قبالة نهج آخر. وتثبيت سيادة أنصار "ولاية الفقيه" على من سواهم. بحيث يمسكون بجميع مفاصل القرار، وصولا إلى تقييد أداء حكومة الرئيس حسن روحاني، الذي هو مقيد أصلاً ووزراؤه، بعد اتهامهم بالعجز، وسوء الإدارة، وأنهم خدعوا من أميركا والأوروبيين، وهي التهم التي يوجهها لهم أقطاب المتشددين.
إن ما يسعى له مرشد الثورة هو تشكيل "حكومة مقاومة"، تواجه "الحصار الأميركي"، وهو في طريقه نحو الهدف. خصوصا أن البرلمان الآن تمت إزاحة الإصلاحيين عنه بشكل كبير جداً، وسيكون هنالك صوت سياسي مؤيد لإجراءات آية الله خامنئي والحرس الثوري.
قد يكون هذا انتصار داخلي لتيار "الأصوليين"، لكن عليهم ألا ينخدعوا بنشوة المقاعد التي حصدوها، وأن يصغوا للرسائل العميقة التي بعثها الشعب الإيراني، عبر نسبة مشاركة هي الأدنى تاريخياً!
الإيرانيون، يريدون العيش في سلام، وتنمية، وأمن، وحرية، ويبنون علاقات حسنة مع دول الجوار، وجمهور واسع جدا منهم لم يعودوا يطربون للشعارات الثورية الرنانة، التي لن تصنع المستقبل، ولن تضعهم في مصاف الدول الحديثة.
"صوت الشعب هو الميزان"، يقول زعيم الثورة الإيرانية آية الله الخميني، وعلى الحكام الجدد في طهران، ممن يعتبرون أنفسهم أبناء المؤسس، أن يضعوا هذه المقولة نصب أعينهم، ويستمعوا لصوت الشعب الذي أعيته المصاعب الاقتصادية، وعقلية المواجهة الدائمة مع الولايات المتحدة، وآن له أن يعيش في كنف الدولة المدنية الحديثة، لا الثورة التي آن الوقت لأن تطوى صفحتها، ويفتح فصلاً جديداً، ينشغل فيه المسؤولون بإعمار الداخل، ومد يد الحوار والتعاون للخارج.