داود الفرحان
بدأ العدّ العكسي لإطلاق الحزمة الثانية من العقوبات الأميركية ضد إيران التي ستتركز إلى حد كبير على تصفير صادرات النفط الإيرانية، ولجم العائدات البترولية المليارية للقضاء على أخطبوط الإرهاب والتوسع الطائفي في المنطقة. وتشمل هذه الحزمة عقوبات على الموانئ والأساطيل البحرية الإيرانية للحد من قدرة إيران على تصدير النفط وتهريب الأسلحة وغسل الأموال، وتهديد دول المنطقة بالميليشيات الإرهابية، كما يحدث في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين.
واستبقت واشنطن ساعة الصفر يوم 4 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل بالإعلان يوم 16 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي عن فرض عقوبات على ميليشيا «الباسيج» المرتبطة بالحرس الثوري، وهي قوات شبه نظامية يبلغ تعدادها في حدود المليون متطوع من الجنسين، وتعتبر أهم جهاز خاضع للحرس الثوري وهو يُكلَّف في العادة بقمع المظاهرات الاحتجاجية في المدن، لكنه شارك في الحرب العراقية - الإيرانية والحرب الأهلية السورية. وشملت هذه العقوبات الاستباقية شركة إيران لتصنيع الجرارات الزراعية وأكبر شركة لصناعة الصلب في الشرق الأوسط. والشركتان جزء من آلة الحرب الإيرانية التي تمتد إلى صناعات الصواريخ والأسلحة.
ولا يمكن للولايات المتحدة إحكام قبضة الحصار على نظام «السرطان الخبيث» إلا ببتر الأذرع الإرهابية الخارجية من «حزب الله» اللبناني إلى الميليشيات العراقية التي موهت نفسها تحت تسمية «الحشد الشعبي» لتوغل في الإرهاب والفساد والاغتيالات و«فرسنة» المجتمع العراقي وتغيير الواقع الديموغرافي. ويستدعي قرار وزارة العدل الأميركية بإدراج «حزب الله» ضمن قائمة المنظمات الإجرامية العابرة للحدود مع أربعة كيانات إجرامية من أميركا اللاتينية أن يشمل الميليشيات الإيرانية المنضوية تحت اسم «الحشد الشعبي» في العراق. فهذا الكيان المنفلت والدخيل على القوات العسكرية والأمنية الحكومية خاضع لتوجيهات قاسم سليماني شخصياً ويمارس مهمات الحرس الثوري الإيراني نفسها، وقد زودته حكومة حيدر العبادي السابقة بكل الأسلحة الثقيلة التي يحتاجها والمركبات والتجهيزات التي حولته إلى جيش مواز للجيش العراقي، تماماً كما حدث في إيران. بل إن الحشد الشعبي أصبح كتلة سياسية لها ثقلها في مجلسي النواب والوزراء.
لن تخوض إيران معركتها ضد عقوبات الولايات المتحدة على أرضها ومنصات المنظمات الدولية فقط، فذلك لا يغير من الأمر شيئاً. لقد أعدت ساحة العراق وسوريا ولبنان وأفغانستان وبعض جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، وحاولت مع دول أوروبية والصين والهند واليابان لتحقيق هدفين: أولهما تسويق النفط الإيراني وتهريبه تحت أعلام عراقية ولبنانية وأفريقية وجزر نائية في المحيطات، وتجارة المخدرات، وغسل الأموال في المصارف الأوروبية والشرق الأقصى. وأكثر من ذلك أن بعض دول الخليج ضالعة في تبييض الأموال عبر فروع المصارف الإيرانية والأسواق الحرة.
ولعل من أولى مهمات عادل عبد المهدي رئيس الوزراء العراقي الجديد أن يتفادى العقوبات الأميركية، وينأى بالعراق عن أداء دور سمسار النفط الإيراني. فالشعب العراقي لا يتحمل أن يكون «حمّالة الحطب» في المواجهة الإيرانية - الأميركية التي يمكن في أي لحظة أن تتحول من حرب اقتصادية إلى حرب عسكرية. والعسكريون الإيرانيون لا يخفون أن استراتيجية حروبهم، بعد اندحارهم في الحرب العراقية - الإيرانية في الثمانينات تقوم على أساس الحرب على أرض غير إيرانية وبجنود غير إيرانيين. هل هناك أرض غير إيرانية تصلح لهذه المهمة غير العراق ذي حدود الألف كيلومتر المشتركة مع بلاد فارس؟ هل هناك ميليشيات غير إيرانية مستعدة للقتال دفاعاً عن ولاية الفقيه في طهران غير ميليشيات «حزب الله» في لبنان والحوثيين في اليمن والمعارضة في البحرين والخلايا النائمة في دول الخليج الأخرى، وقبل كل هذا وذاك ميليشيات «الحشد الشعبي» العراقي بفصائله التي تدين بالتبعية لولاية الفقيه خامنئي؟
إذا أرادت واشنطن إغلاق حنفية النفط الإيراني وتصفير الصادرات ومحاصرة التهريب وتجفيف الواردات وشلّ غسل الأموال، فعليها أن تراقب بحزم استغلال الموارد العراقية وتهريب النفط الإيراني عبر منافذ العراق، وتمنع بحسم فتح خزائن البنك المركزي العراقي أمام التومان الإيراني المنهار، ومراقبة العملات العراقية المزورة وما تقوم به إيران.
المرحلة الجديدة من العقوبات الأميركية التي توشك أن تتحول من القرارات إلى التنفيذ ساحتها كل الحدود الإيرانية، وفي المقدمة منها الحدود العراقية والخليج العربي والعمق الاستراتيجي لطريق الصواريخ الإيرانية من بلاد فارس عبر بلاد الرافدين وبلاد الشام.